البرازيليون حائرون.. تشجيع «ألمانيا الساحقة» أم «الأرجنتين العدوة»؟!

أبناء السامبا يقفون بين المطرقة والسندان في النهائي التاريخي اليوم

مشاعر البرازيليين اليوم ستكون بين مطرقة ألمانيا وسندان الأرجنتين (أ.ف.ب)
TT

يقف الجمهور البرازيلي بين مطرقة تشجيع ألمانيا التي سحقت منتخبه الوطني 7 - 1 في نصف النهائي وسندان الوقوف مع جارته اللدودة الأرجنتين في نهائي مونديال 2014 لكرة القدم المقرر على ملعب «ماراكانا» في ريو دي جانيرو اليوم الأحد. حال الجماهير الصفراء تنطبق على أمثلة اجتماعية، اقتصادية وسياسية طبعت التاريخ بينها انتخابات الرئاسة الفرنسية عام 2002. ترشح رئيس الوزراء الاشتراكي ليونيل جوسبان في مواجهة الرئيس اليميني المحافظ جاك شيراك الذي كان يبحث عن ولاية ثانية، لكن المفاجأة تمثلت بفشله في التأهل إلى الدورة الثانية إذ تفوق عليه اليميني المتطرف جان ماري لوبان، فأعلن جوسبان فورا تقاعده عن الحياة السياسية خلافا لمدرب البرازيل لويز فيليب سكولاري.

في الدورة الثانية، وهي أشبه بالمباراة النهائية لمونديال 2014، حقق شيراك انتصارا ساحقا بحصوله على نسبة 82.21% من أصوات الناخبين مقابل 79.17% للوبان من الجبهة الوطنية، ولم يكن ليحصل على هذا الرقم لولا دعم الاشتراكيين له، إذ كان الفارق بين شيراك ولوبان في الدورة الأولى 3% فقط، وهذا ما يأمل الألمان حصوله من خلال وقوف البرازيليين في صفهم.

أحدث وصول لوبان إلى الدور الحاسم زلزالا هز الأوساط السياسية الفرنسية والأوروبية، على غرار بلوغ الأرجنتين نهائي المونديال بالنسبة لراقصي السامبا، فسارعت الأكثرية إلى منح صوتها إلى شيراك، ومن بينها أحزاب اليسار وأقصى اليسار، منعا من انزلاق فرنسا إلى هوة سياسات مغالية في اليمينية والعنصرية ومناهضة العولمة والمهاجرين. طاف الجمهور الأرجنتيني في شوارع البرازيل منذ بداية المونديال رافعا لافتات كتب على بعضها «مارادونا أفضل من بيليه» و«سنعود بالكأس إلى بلادنا» وذكر جماهير «سيليساو» بهدف كلاوديو كانيجيا الذي أبكاهم طويلا في الدور الثاني لمونديال إيطاليا 1990 عندما سجل مهاجم أتلانتا الإيطالي هدف التأهل إلى ربع النهائي في تورينو قبل عشر دقائق على صافرة الحكم الفرنسي جويل كينيو. تحدث دييغو أرماندو مارادونا، صاحب التمريرة التي جاء منها هدف كانيجيا، عن ذلك النصر في سيرته الذاتية: «يحب بلدي الفوز على البرازيل ويفضله على أي انتصار آخر في كرة القدم، وينطبق الأمر ذاته عليهم، حيث يستمتعون بالفوز علينا أكثر من استمتاعهم بحلاوة النصر على هولندا أو إيطاليا أو ألمانيا أو أي منتخب آخر، مثلنا ومثلي، فما أحلى طعم الفوز على البرازيل».

شيراك النهائي سيكون المنتخب الألماني، فرغم اكتساحه البرازيل بسباعية موجعة وإمكانية اقترابه من سجل البرازيل الخماسي بحال أحرز اللقب الرابع بعد 1954 و1974 و1990، يبدو الأقرب إلى قلوب الجماهير البرازيلية التي تعاني من حساسية أرجنتينية مفرطة، أكان في العلاقات السياسية، الاجتماعية والرياضية ومنها المقارنة الأبدية بين اللاعب الأفضل في تاريخ المستديرة: البرازيلي بيليه أو الأرجنتيني دييغو مارادونا اللذين خاضا حربا لم تنته بعد مناكفاتهما على موقع الزعامة التاريخية رغم منح الاتحاد الدولي لقب لاعب القرن لبيليه؟، وبحال فوز الأرجنتين قد يدخل عنصر ليونيل ميسي على المعادلة كونه سيضيف اللقب الوحيد الكبير الذي ينقص خزائنه.

طلب هانزي فليك مساعد المدرب الألماني يواكيم لوف مساندة طوني كروس ورفاقه خصوصا بعد تحية التقدير التي نالوها بعد فوزهم على البرازيل: «نأمل ونعتقد أن كل البرازيليين سيشجعوننا. كانت ردة فعلهم رائعة بعد تأهلنا إلى النهائي». زحف الالاف إلى شواطئ كوباكابانا وبعضهم نام في السيارات بقميصه الأزرق والأبيض، وبحال تكرر مشهد مباراة الأرجنتين والبوسنة في الدور الأول (2 - 1) حيث بدا وكان جمهور ماراكانا قادم من سراييفو دعما لأدين دجيكو ورفاقه، وكان الملعب الرائع بركانا يغلي بهتافات مناهضة للبعوضة وباقي لاعبي المدرب إليخاندرو سابيلا، والمشهد تكرر في المباريات التالية للأرجنتين.

نزاع بين الدولتين حول السيادة على إقليم سيسبلاتينا اندلع بعد استقلال الأوروغواي، أزمة دبلوماسية عند ترسيم حدودهما النهائية سنة 1895، رغم بعض العلاقات الأخوية الطيبة، ثم انتقل الصراع إلى المستديرة. هيمنت الأوروغواي والأرجنتين على منافسات أميركا الجنوبية في البداية، ولما تجاوزت البرازيل عقدة النقص، حصدت الأخضر واليابس. جاء المنعطف التاريخي الحاسم، عندما انتظمت أمور المنتخب الأرجنتيني، وأحرز لقب أم البطولات، ونال احترام عالم كرة القدم. الصراع الكروي بين الجانبين مرتبط بثلاث مباريات تاريخية ضمن كأس العالم، وكانت كلها مواجهات مصيرية وحاسمة: التعادل صفر - صفر في 1978 في الموقعة المسماة «معركة روزاريو» والفوز البرازيلي 3 - 1 عام 1982 والانتصار الأرجنتيني في 1990. قبل نحو عام مازح عمدة ريو دي جانيرو إدواردو بايس، قائلا: «إذا فازت الأرجنتين على البرازيل في النهائي سأقتل نفسي... لديهم ميسي والبابا. لا يمكنهم الحصول على كل شيء». صراع تاريخي للريادة في أميركا الجنوبية يعود عمره للحقبات الاستعمارية الإسبانية والبرتغالية.

سيشد البرازيليون همتهم في ملعب ماراكانا الذي حلموا 64 عاما بالعودة إليه لخوض النهائي المنتظر بعد كارثة «ماراكانزو» على يد الأوروغواي (1 - 2) في المباراة الحاسمة لنهائي 1950، لكن للقيام بخيار سيء من بين الأسوأ ودعم ألمانيا بدلا من الأرجنتين.

سيبزغ يوم الاثنين فجر سيء على البرازيليين، أقله سوءا إحكام ألمانيا قبضتها على الكرة العالمية من عقر دارهم، أو عودة الأعداء إلى بوينس آيرس بلقبهم العالمي الثالث.