الحكومة التونسية تضع خطة وطنية للحد من تبذير الخبز

الحبوب ومشتقاتها مدعمة بنحو887 مليون دينار

TT

أعلنت الحكومة التونسية عن البدء في تطبيق خطة وطنية للحد من ظاهرة تبذير الخبز بعد أن أكدت الأرقام والإحصائيات الرسمية أن الفارق بين إنتاج الخبز والاستهلاك مقدر سنويا بنحو 107 ملايين دينار تونسي (نحو 66.8 مليون دولار) من الخسائر السنوية يلقي بها المستهلك التونسي في القمامة.

وقال محمد الأسعد العبيدي المدير العام للمعهد التونسي للاستهلاك إن «هذه القيمة مرتفعة للغاية في بلد يعرف تقديم آلاف المليارات لدعم عدة مواد استهلاكية أهمها الخبز ومشتقاته».

ولتنفيذ هذه الخطة، تشكلت لجنة حكومية لقيادة حملة وطنية للحد من تبذير الخبز، وهي تهدف إلى تعميق الوعي بالأبعاد الثقافية والصحية لترشيد استهلاك الخبز وتكثيف البحوث العلمية حول الأساليب الملائمة لاستعمال بقايا الخبز خاصة في إعداد وجبات غذائية أخرى.

وأعدت وزارة التجارة والصناعات الغذائية التونسية برنامجا للتوعية يقوم على ومضات ومطويات إلى جانب عقد لقاءات تثقيفية حول محلات استخدام الخبز وكيفية تعويض ما يحصل عليه المستهلك من منافع صحية عبر اللجوء إلى مواد غذائية تعويضية.

وتستورد تونس قرابة 80 في المائة من حاجاتها من القمح اللين، وتستحوذ واردات الحبوب لوحدها على 51 في المائة من الواردات الغذائية. ويكلف توريد الحبوب البلاد سنويا نحو 1300 مليون دينار، إذ تورد تونس سنويا معدل عشرة ملايين قنطار من القمح اللين والقمح الصلب. وقدرت وراداتها خلال السنة الماضية بنحو 15 مليون قنطار من الحبوب لسد العجز الحاصل على مستوى الإنتاج المحلي.

وحسب أحدث الإحصائيات التي قدمها للمعهد التونسي للإحصاء حول منظومة الدعم، فإن نفقات الدعم الموجه للمواد الغذائية في تونس مقدرة هذه السنة بنحو 1350 مليون دينار تونسي، منها 887 مليونا للحبوب ومشتقاتها فقط (وهذا المبلغ لم يكن يتعدى 447 مليون دينار سنة 2007).

ويعد الخبز من المواد الاستهلاكية الأساسية التي حظيت بدعم الدولة منذ الاستقلال، إذ إن الخبز من الحجم الكبير يباع إلى المستهلك بسعر لا يتجاوز حدود 230 مليما في حين أن كلفته الحقيقية مقدرة بنحو 470 مليما (الدينار التونسي يساوي ألف مليم).

وإذا كان الدعم المقدم من قبل أجهزة الدولة 240 مليما لكل خبزة يستهلكها التونسي، فإن حجم الدعم في الخبز يصل إلى حدود 80 ألف دينار تونسي في اليوم الواحد، أي مليارين و400 ألف دينار تونسي شهريا، وهو ما يقارب 29 مليون دينار سنويا، هذا مع إضافة مبلغ 107 ملايين دينار تونسي نتيجة تبذير مادة الخبز المدعوم.

وللتونسي حكاية مع الخبز فأكبر ثورة اجتماعية احتجاجية حدثت في شهر يناير (كانون الثاني) 1984 كانت بعد الإعلان عن مضاعفة أسعار الخبز من 80 مليما آنذاك إلى 160 مليما دفعة واحدة وهو ما حدا بالرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة إلى التراجع عن قرار الترفيع في الأسعار بعد سلسلة من الأحداث الدامية.

وعلى الرغم من ضغط صندوق النقد الدولي على تونس من أجل ترشيد منظومة الدعم ورفع الكثير من أشكال الدعم على المواد الاستهلاكية، فإنها لم تغامر بالزيادة في أسعار الخبز وأبقت عليها كما هي تحسبا لردود فعل احتجاجية قد تكون عنيفة وغير محسوبة العواقب.

ووفق تصريحات محمد بوعنان رئيس الغرفة التونسية لأصحاب المخابز (هيكل نقابي)، فإن أحد أسباب ازدياد حجم الخبز «البايت» (خبز قديم غالبا ما يلقى به في القمامة أو يوجه جزء منه للاستهلاك الحيواني)، هو تكاثر المخابز العشوائية التي لا تلتزم بأي معايير في الإنتاج أو التسويق وهو ما أدى إلى تراجع مبيعات المخابز المرخص لها قانونيا بنحو 70 في المائة من مبيعاتها وهذا الأمر انعكس على كمية الخبز الذي لا يباع يوميا. ولهذا السبب، ارتفع فائض الخبز «البايت» نظرا إلى أن المخابز العشوائية تختار غالبا مواقع «استراتيجية» وتكون على الطرقات مما يزاحم المخابز التي تنشط بشكل قانوني.

وتتركز المخابز العشوائية خاصة في تونس الكبرى حيث يقدر عددها بـ500 مخبزة في ولايات – محافظات - تونس العاصمة الأربع (تونس ومنوبة وبن عروس وأريانة) مقابل 220 منتشرة في مدن أخرى. وهذا يعني أن عددها الإجمالي يصل إلى نحو 720 مخبزة عشوائية مقابل 3200 مخبزة يملك أصحابها بطاقة مهنية وهي تشغل نحو 26 ألف عامل.

ويشير الحبيب رجب الكاتب العام للجامعة العامة للصناعات الغذائية إلى أن الدولة لا تسمح باستخدام مادة الفارينة المدعمة إلا في إنتاج الخبز الكبير و«الباقات» وهو ما يعني أن إعداد بقية أنواع الخبز باستعمال الفارينة يعد مخالفا للقوانين. ويعمد أصحاب محلات المرطبات ومصانع البسكويت إلى الاستفادة من الفارينة المدعمة قصد الضغط على التكاليف وتحقيق المزيد من الأرباح.

وتفيد أرقام المعهد التونسي للإحصاء إلى أن الاستهلاك السنوي للخبز يصل إلى 70.8 كلغ سنويا. ويقدر معدل استهلاك الفرد من الخبز يوميا بنحو نصف خبزة أي قرابة 183 خبزة سنويا أما الاستهلاك الإجمالي للتونسيين فيصل تقريبا إلى 5.5 مليون خبزة يوميا.

وفي دراسة أعدها المعهد الوطني للاستهلاك تحتل تونس المراتب الأولى عالميا في استهلاك الحبوب بـ180 كلغ للفرد الواحد في السنة مقابل معدل عالمي لا يتجاوز 123 كلغ للفرد في السنة.