ليبيا لمجلس الأمن: لا نريد تدخلا عسكريا بل مساعدة لحفظ الأمن وحماية النفط

استمرار المواجهات في محيط مطار طرابلس واغتيال نائبة في معقل المتطرفين بدرنة

إحدى قاعات المغادرة بمطار طرابلس الدولي تحولت إلى خرائب بسبب الاشتباكات بين الميليشيات المسلحة لليوم الخامس على التوالي للسيطرة عليه (رويترز)
TT

استمرت أمس الاشتباكات المقتطعة لليوم الخامس على التوالي بين ميليشيات مسلحة للسيطرة على مطار العاصمة الليبية طرابلس، فيما علمت «الشرق الأوسط» أن محاولة الحكومة الانتقالية، التي يترأسها الثني، الحصول على مساعدات أمنية من الأمم المتحدة ومجلس الأمن لفرض الاستقرار، قد أدت إلى نشوب أزمة جديدة بين الثني ونوري أبو سهمين رئيس المؤتمر الوطني العام (البرلمان).

وقال مسؤول رفيع المستوى في الحكومة الليبية لـ«الشرق الأوسط»: «أبو سهمين الواقع تحت تأثير التيار الإسلامي، لا يوافق على محاولة الحكومة استقدام قوات أجنبية».

وامتنع المسؤول، الذي اشترط عدم تعريفه، عن كشف المزيد من التفاصيل، لكنه قال في المقابل إن أبو سهمين وجه أخيرا رسالة سرية إلى الثني يعرب فيها عن استيائه لجملة من المواقف التي اتخذتها حكومته، وعلى رأسها التلويح بالاستعانة بقوات حفظ سلام دولية.

ولم يتسن على الفور الحصول على تعليق من أبو سهمين الذي اختفى تماما عن الأنظار ولم يدلِ بأي تصريحات صحافية منذ إجراء ثاني انتخابات برلمانية في البلاد الشهر الماضي، لاختيار مجلس النواب الجديد الذي سيخلف المؤتمر الوطني في تولي السلطة.

من جهتها قالت حكومة الثني إنها تريد الحصول على دعم من المجتمع الدولي لمساعدتها في فرض الأمن والاستقرار المفقودين منذ نحو ثلاث سنوات، لكنها أكدت، في المقابل، على لسان وزير خارجيتها محمد عبد العزيز، أمام مجلس الأمن الدولي، أنها لا تطالب بتدخل عسكري.

وقال عبد العزيز في الكلمة التي ألقاها خلال انعقاد جلسة خاصة للمجلس بمقره في مدينة نيويورك الأميركية، لمناقشة تطورات الوضع في ليبيا، إن بلاده تطالب مجلس الأمن بالوفاء بالتزاماته تجاه الشعب الليبي، وبيَّن أنه بما أن ليبيا لا تزال تحت البند السابع، فلا بد للمجتمع الدولي أن يبحث عن صيغة ما لمساعدتها بشكل حقيقي في بناء الجيش والشرطة والاستخبارات.

وأضاف: «نطالب بحماية الحقول النفطية، وهو مطلب ملحّ، ولا نطالب بتدخل عسكري، ولكن نحتاج لفرق تدريب لمساعدة الليبيين على حماية الحقول النفطية».

وقال عبد العزيز إن المجلس يمكنه أن يقدم إطارا دوليا وقانونا لنزع سلاح الجماعات المسلحة، مضيفا أن ليبيا تحتاج إلى حماية مشتركة من المجتمع الدولي ودول الجوار.

وبعدما شدد على أن ليبيا لا تطالب بتدخل عسكري، قال: إن بلاده تحتاج إلى خبراء كي يعلموا الشعب الليبي كيف يحمي مواقعه الاستراتيجية ونفطه وخيرات بلده وكيف يساهم في بناء جيش بلاده، بالإضافة إلى تأسيس آليات لمكافحة الفساد.

ولفت إلى أن ليبيا موقعة على معاهدة مكافحة الفساد، وأنها في أمسّ الحاجة لإصلاح تشريعي للسيطرة على الممارسات الفاسدة التي سادت وقت النظام البائد وما زالت موجودة، وإصلاح منظومة العدالة الجنائية بحيث تضمن حماية حقوق الأفراد.

ودعا إلى وضع إطار قانوني للانخراط الدولي الأكثر فعالية في ليبيا، مشيرا إلى أن هناك انعداما خطيرا في التوازن بين المشاكل الراهنة والناشئة التي تواجهها ليبيا وبين ما يعرض المجتمع الدولي تقديمه.

وقال عبد العزيز إنه حضر إلى مجلس الأمن من أجل توضيح الصورة الحقيقية لما يحدث في بلاده، «وللسعي في الحصول على مساعدة المجلس وخاصة فيما يتعلق باحتمال نشر بعثة استقرار وبناء مؤسسات تابعة للأمم المتحدة لتمكين الحكومة من ضمان الانتقال السلس من الثورة إلى بناء دولة سيادة القانون ونظام الحكم القادر على البقاء».

ورأى أن بلاده تشهد تحديات تشكل تهديدا خطيرا على التحول الديمقراطي وتعد مؤشرا على التوجه نحو الدولة الفاشلة لما لذلك من آثار ليس فقط على المستوى الوطني ولكن أيضا المستويين الإقليمي والدولي.

كما طالب بتقديم الدعم للدول المجاورة المتضررة من الصراع في ليبيا بما يضمن حقوق دول الجوار في حماية حدودها، كتونس والنيجر وصولا لمصر، مضيفا أنهم اجتمعوا بوزراء خارجية دول الجوار على هامش مؤتمر عدم الانحياز، وهم مدركون لخطورة انعكاسات الوضع في ليبيا على أمن تلك الدول وحدودها، مؤكدا أن الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي يأخذان على عاتقهما محاولة مساعدة ليبيا في الخروج من الوضع الراهن وتقديم مبادرة لبناء المؤسسات وإعادة إعمار ليبيا.

وخلص إلى أن بلاده تحتاج إلى المساعدة في تأمين حدودها، مشيرا إلى أنها تعاني مشكلة المهجرين داخليا وخارجيا. ولفت عبد العزيز إلى أن قانون العزل السياسي الذي أقره المؤتمر الوطني العام (البرلمان) العام الماضي ويقضي بمنع كل من تعامل رسميا مع نظام القذافي من تولي أي مناصب رسمية أو حكومية، سيحرم الكثيرين من المشاركة في الحياة السياسية. ووصف القانون بالكارثة، مشيرا إلى أن غالبية التكنوقراط الليبيين المحنكين ليس لهم ارتباط آيديولوجي بالنظام السابق، ولكن وفق القانون أصبحوا مهمشين ولا توجد أمامهم الفرصة للمشاركة في العملية السياسية بالبلاد. وبعدما شدد على أن الميليشيات أو المجموعات المسلحة المنتشرة في بلاده تمتلك قدرات أكبر من قدرات الحكومة، قال عبد العزيز: «نطالب بمساعدة دولية للمساعدة في نزع السلاح من المجموعات المسلحة».

وكان وزير الخارجية الليبي يتحدث بينما تواصل ميليشيات مسلحة للأسبوع الثالث على التوالي احتلال مقر وزارة الخارجية في العاصمة طرابلس وتمنع انتظام العمل فيه اعتراضا على قرار مفاجئ بطرد وكيل وزارة محسوب على التيار الإسلامي.

من ناحية أخرى، في محاولة لكبح جماح الميليشيات المتصارعة حول مطار العاصمة الليبية طرابلس، أعلنت الحكومة الانتقالية برئاسة عبد الله الثني أنها تجري من خلال وزير العدل وجهات ذات اختصاص مشاورات مع الجهات القانونية والدولية بشأن تحميل المسؤولية الجنائية ضد أي قيادات لأي مجموعات عسكرية لا تلتزم بأمر الحكومة وتمتنع فورا عن قصف أي مناطق مدنية أو سكان أو تستخدم العنف ضد منشآت الدولة وأجهزتها، بما في ذلك المطارات والطائرات لتكون الملاحقة القانونية محلية ودولية.

وقالت الحكومة في بيان مقتضب بثه موقعها الإلكتروني على شبكة الإنترنت إنه لن يستثنى أي شخص يرتكب مثل هذه الجرائم البشعة التي تهدد الليبيين والوطن.

وسقطت عدة قذائف على مبنى مطار طرابلس الدولي مع احتدام الاشتباكات بين ميليشيات متناحرة للسيطرة على المطار لليوم الخامس على التوالي.

وتحول المطار إلى ساحة معركة في مطلع الأسبوع حينما شنت ميليشيا هجوما في محاولة لانتزاع السيطرة عليه من جماعة مسلحة منافسة ضمن الاضطرابات في البلاد بعد ثلاثة أعوام من الإطاحة بنظام القذافي.

وأدى القتال، وهو الأسوأ في طرابلس منذ نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إلى توقف الرحلات الجوية مما أدى إلى تقطع السبل بكثير من الليبيين في الخارج الذين كانوا يخططون للعودة إلى بلادهم في شهر رمضان، كما عرقل مغادرة أجانب موجودين في ليبيا. ودفع القتال العنيف في طرابلس والاشتباكات في مدينة بنغازي في شرق البلاد، الأمم المتحدة لسحب موظفيها من البلاد.

وقال مسؤولون في الشركة الليبية الأفريقية للطيران إن 13 طائرة تابعة للشركة تضررت بالإضافة إلى سبع طائرات تابعة لشركة طيران ليبية منافسة، وتسير الشركتان رحلاتهما بطائرات إيرباص.

وقال عبد الحكيم الفارس المدير العام للشركة الليبية الأفريقية للطيران إن الأضرار بعضها خطير وبعضها سطحي، لكن تحديد مدى فداحة الضرر يحتاج لبعض الوقت. ولم يعط بيانات تبين حجم التكلفة التقديرية لإصلاح الطائرات أو استبدالها. كما لم يعط تقديرات لحجم الخسائر التجارية الناتجة عن الأضرار.

وقال أحمد الأمين المتحدث باسم الحكومة إنها حاولت إبعاد الطائرات من المطار ولكن القوة المهاجمة من جهة الشرق لم توقف القصف مما حال دون نقل الطائرات.

وكان يشير إلى مدينة مصراتة التي جاء منها بعض المهاجمين ودخلوا في مواجهة مع ميليشيا منافسة من الزنتان في الشمال الغربي والتي تحمي المطار في غياب قوات حكومية منذ الإطاحة بالقذافي في أغسطس (آب) 2011.

وليس للحكومة الليبية سيطرة على المقاتلين الذين ساعدوا في الإطاحة بالقذافي في انتفاضة دعمها حلف شمال الأطلسي، لكنهم باتوا الآن يتحدون سلطة الدولة، وكثيرا ما يخوضون قتالا من أجل الحصول على مزايا سياسية أو اقتصادية.

وقال طارق عروة المتحدث باسم وزارة النقل إن شركات الطيران الليبية بدأت تسيير رحلات إلى دبي وإسطنبول من أجل إعادة المواطنين العالقين في الخارج. ويجري تسيير تلك الرحلات انطلاقا من مصراتة ومن مطار أصغر في طرابلس.

وأضاف أنه سيجري تطوير مطارات صغيرة في زوارة وغدامس في الغرب لخدمة الرحلات الدولية لتعويض إغلاق المطار الرئيس في طرابلس. ولكنه لم يعط إطارا زمنيا.

وبدأ المراقبون الجويون في غرب ليبيا إضرابا عن العمل تعبيرا عن الاستياء من قصف المطار الرئيس في طرابلس وهو ما تسبب في إيقاف الرحلات الجوية في كثير من أنحاء البلاد.

وقال متحدث باسم وزارة النقل إن المراقبين الجويين رفضوا الذهاب إلى أعمالهم في برج المراقبة في طرابلس الذي ينظم حركة الطيران في كل الجزء الغربي من ليبيا.

إلى ذلك، اغتال مجهولون أمس فريحة محمد البركاوي عضو المؤتمر الوطني العام (البرلمان) عن مدينة درنة التي تعد المعقل الرئيس للجماعات الإسلامية المتطرفة في شرق البلاد.

وقالت وكالة الأنباء المحلية إن مسلحين أطلقوا وابلا من النيران على سيارة القتيلة بالقرب من مسجد أبي بكر الصديق حيث محل إقامتها، ونقلت عن مصدر طبي بمستشفي الهريش أنها وصلت متوفاة على أثر الأعيرة النارية التي أصابتها.

ونعت الحكومة الليبية فريحة لكنها قدمت رواية مختلفة لموتها، وقالت في بيان لها إنها قتلت بوابل من الرصاص في إحدى محطات التزود بالوقود في مدينة درنة، مشيرة إلى أن القتيلة كانت معروفة بمواقفها الوطنية الحازمة وأنها لم تتزحزح عنها قيد أنملة رغم الضغوط التي تعرضت لها.

كما تعهدت الحكومة ببذل قصارى جهدها للكشف عن من وصفتهم بالإرهابيين الذين يقتلون الأبرياء، خاصة في شهر رمضان، وإحالتهم للعدالة لينالوا عقابهم.