تمديد المفاوضات النووية في فيينا بات مرجحا.. رغم «إرادة حقيقية» للاتفاق

مصادر دبلوماسية أوروبية لـ «الشرق الأوسط» : واشنطن وطهران تستعجلان التوصل إلى حل لأسباب داخلية

الملك الإسباني فيليب السادس يتسلم أوراق اعتماد السفير الإيراني الجديد في مدريد محمد حسن فديافارد في القصر الملكي بالعاصمة أمس (إ.ب.أ)
TT

قالت مصادر دبلوماسية أوروبية في باريس إن الطرفين الرئيسين في المفاوضات الخاصة بالبرنامج النووي الإيراني، أي واشنطن وطهران «مستعجلتان للوصول إلى اتفاق نهائي لأسباب مختلفة لكنها داخلية بالدرجة الأولى». ولذا، فإنها تجزم أن المفاوضات الجارية في فيينا التي تصل إلى نهايتها يوم الأحد المقبل، 20 يوليو (تموز) الحالي «سوف تمدد وستستأنف على الأرجح في سبتمبر (أيلول) بعد فترة توقف بسبب العطلة الصيفية»، وربما قبيل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك حيث سيكون كل المسؤولين الدوليين موجودين.

وترى هذه المصادر التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط» أن الرئيس أوباما «بحاجة إلى نجاح دبلوماسي في الشرق الأوسط» بعد إخفاقات سياسته في سوريا والعراق وفي موضوع النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي ومحاربة الإرهاب.. وبالمقابل، فإن الرئيس الإيراني حسن روحاني «يريد قطف بعض ثمار الانفتاح السياسي والدبلوماسي الذي سار به عهده لتحقيق هدفين، الأول، الاستمرار بحيازة ثقة المرشد الأعلى علي خامئني، والثاني، مواجهة المتشددين الذين يتحينون الفرصة للانقضاض عليه».

وتضيف هذه المصادر أن روحاني «يريد أن يقول للإيرانيين (لقد حافظت على البرنامج النووي وفي الوقت عينه نجحت في رفع العقوبات الاقتصادية) التي تخنق الاقتصاد الإيراني وتجعله يخسر عشرات المليارات خصوصا قطاع النفط والغاز». وتربط المصادر الأوروبية وثيقة الصلة بالمفاوضات الجارية حاليا في فيينا حتى نهاية الأسبوع بين رغبة أوباما في الإسراع بالتوصل إلى اتفاق وبين الانتخابات النصفية التي ستشهدها الولايات المتحدة والمرجح أن تعطي الجمهوريين الأكثرية في مجلس الشيوخ، الأمر الذي سيعني حرمان الإدارة من التصديق على الاتفاق وشل يديها في موضوع رفع العقوبات الاقتصادية الأميركية المفروضة على إيران وعلى الشركات التي تتعامل معها، لأن تدبيرا كهذا يجب أن يمر عبر الكونغرس. فضلا عن ذلك تتوقع الأوساط السياسية أن يعمد الجمهوريون لاستخدام سلاح البرنامج النووي الإيراني في دعايتهم الانتخابية ضد الديمقراطيين بدفع من مجموعات الضغط الموالية لإسرائيل في واشنطن.

وتذكر المصادر الغربية بمشروع القرار الذي تقدم به ما يزيد على مائتي نائب أميركي بداية العام الحالي لفرض عقوبات إضافية على طهران رغم التوقيع على الاتفاق المرحلي معها، الأمر الذي حمل أوباما على التهديد باستخدام الفيتو ضده. وحجته كانت أن تدبيرا كهذا سيجهض المفاوضات القائمة مع طهران. بيد أن أوباما، ورغم إشادته بسلوك إيران في الفترة المنصوص عليها في الاتفاق المرحلي والتزامها بما نص عليه، ورغم تأكيده «وجود فرصة» لبلورة اتفاق نهائي معها، فإنه، كما تقول المصادر الأوروبية، بحاجة إلى «تنازلات إضافية» تمكنه من تسويقه والدفاع عنه. والحال أن «عقدة» المفاوضات تكمن في الخلاف على موضوع تخصيب اليورانيوم ونسبته أي على «حجم» البرنامج النووي الإيراني وغائيته. والمشكلة أن مجموعة الست (الدول الخمس دائمة العضوية وألمانيا) تسعى إلى «تحجيمه» بينما تسعى طهران للمحافظة عليه، لا بل إلى تطويره.

وجاءت كلمة المرشد الأعلى الأسبوع الماضي التي أعلن فيها أن بلاده بحاجة إلى 190 ألف طاردة مركزية للاستجابة لحاجات بلاده من الطاقة لتطرح مشكلة إضافية، إذ إن ذلك يعني مضاعفة ما تملكه إيران حاليا من الطاردات عشر مرات. ويبلغ مجموع ما نشرته إيران حتى الآن 19 ألف طاردة من الجيلين الأول والثاني في موقعي ناتانز وفوردو، منها عشرة آلاف قيد التشغيل. والحال أن الغربيين يتقبلون فكرة احتفاظ إيران بعشرة آلاف طاردة لا تزيد نسبة تخصيبها على 5 في المائة، شرط فرض قيود صارمة لجهة الرقابة والتفتيش والامتناع عن زيادة نسبة التخصيب. ولذا، فإن ويليام هيغ، وزير الخارجية البريطاني السابق، تحدث الاثنين الماضي عن «هوة شاسعة» تباعد بين ما تريده إيران وبين ما يقبل به الستة.

إزاء هذا الوضع، طرح وزير الخارجية الإيراني «مخرجا» يقوم على أن تحتفظ إيران بقدراتها التخصيبية الحالية كما هي، وأن تمتنع عن زيادتها خلال فترة تصل إلى سبع سنوات، شرط أن يعود إليها حق توسيعها لاحقا. وكرر ظريف اقتراحه في حديث لصحيفة «الغارديان» البريطانية و«نيويورك تايمز» الأميركية بداية الأسبوع الحالي. وعلم أن الستة يطالبون بفترة تجميد لا تقل عن عشر سنوات وبفرض شروط قاسية على السنوات التي تليها، حيث سيتاح لإيران أن تعاود تطوير برنامجها النووي السلمي. وفي الاتفاق المرحلي المبرم في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، قبلت إيران بتجميد نشر طارداتها المركزية والاكتفاء بالتخصيب بنسبة لا تزيد على 5 في المائة، والتخلص من مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة عشرين في المائة، إما بتحويله إلى رقائق تستخدم في مفاعل طهران للأغراض الطبية أو من خلال إعادة معالجته لخفض تخصيبه.

وتتوازى إشكالية الطاردات مع مشكلة مفاعل «آراك» الذي تبنيه طهران ليعمل بالمياه الثقيلة والقادر على إنتاج البلوتونيوم الذي بدوره يمكن أن يقود لإنتاج السلاح النووي. كما يريد الستة من إيران أن تقفل نهائيا ملف الشكوك التي تساور الغربيين لجهة محاولتها «عسكرة» برنامجها النووي وارتباطه ببرنامجها الصاروخي «الباليستي». وحتى الآن، يعتبر الغربيون أن إيران «لم تستجب تماما» لمطالب الوكالة الدولية للطاقة النووية، وأنه ما زالت هناك «مناطق ظل» بحاجة لتوضيح. وفي كل الأحوال، يطالب الغربيون بآليات رقابة صارمة من شأنها، وفق المصادر الأوروبية، أن «تطمئن الأسرة الدولية بشكل قاطع» بشأن «سلمية» البرنامج الإيراني ونوايا القادة الإيرانيين.

وفي الجانب المقابل، يقوم خلاف على «الثمن» الذي ستحصل عليه إيران التي تريد رفعا فوريا للعقوبات المفروضة عليها منذ أن يبدأ الاتفاق بالسريان بينما الغربيون يفضلون «رفعا تدريجيا» يتوازى مع نسبة التزام إيران بفحوى الاتفاق وبنوده. وينص الاتفاق المرحلي على إمكانية تمديد التفاوض لستة أشهر إضافية. لذا السؤال اليوم يتناول المدة التي سيتوافق الطرفان عليها، مما سيؤشر إلى مدى تفاؤلهم بالتوصل إلى اتفاق نهائي في الأسابيع والأشهر المقبلة.

من جهة ثانية، أكد دبلوماسي من الوفد الإيراني في فيينا، لـ«الشرق الأوسط»، أمس أن مفاوضات جارية حاليا بين الجانبين لتمديد المحادثات النووية، والتي من المقرر أن تنتهي يوم الأحد المقبل 20 يوليو، حسبما هو مرتب لها منذ شهور. وأضاف خلال مكالمة هاتفية «إذا وافق الجانبان على صيغة مشتركة سيتم إعلانها في مؤتمر صحافي من قبل مسؤولة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون». وتحدث الدبلوماسي عن أجواء المفاوضات، مشيرا إلى وجود «إرادة حقيقية» من جانب الولايات المتحدة لإنجاز اتفاق نووي «لكننا بحاجة لرؤية العمل والتفاهم منهم». وأضاف «يجب أن يكون الجانبان متواصلين بمرونة.. وهذا سيؤدي إلى تقدم في المفاوضات». وقال الدبلوماسي الإيراني «نحن نشعر بالارتياح لوجود جهود حقيقية وواضحة لإنجاح المحادثات حتى الآن».

ويحتفل خامنئي هذا العام بعيد ميلاده الخامس والسبعين ومرور 25 عاما على توليه دوره الذي يمنحه سلطة القول الفصل في المسائل الكبرى للدولة، وهو يريد وضع نهاية للعقوبات الغربية الرامية لدعم الاقتصاد. لكن المراقبين المتابعين للأمر عن كثب يقولون إن الحسابات الانتخابية تعني أن التأخير بعض الوقت لن يضره في شيء.

وسعى خامنئي منذ توليه منصبه عام 1989 لضمان عدم اكتساب أي فئة أو جماعة بما في ذلك حلفاؤه المحافظون نفوذا كافيا لتحدي وضعه. وسبق أن تدخل خامنئي لعرقلة رؤساء سابقين من الجناحين الإسلاميين الإصلاحي والمتشدد. ورغم أنه بارك مساعي الرئيس الجديد حسن روحاني منذ انتخابه قبل عام لمواصلة السعي إلى تسوية للنزاع النووي والتواصل مع واشنطن فإنه لن يرغب في تضخم نفوذه السياسي.

وإذا أمنت حكومة روحاني اتفاقا نوويا وبدأت آثاره تظهر في صورة تخفيف العقوبات فربما يكافئ الناخبون روحاني وبعض الفئات والجماعات الوسطية والمعتدلة التي تسير في فلكه في الانتخابات المقبلة على حساب جماعات أخرى منها المتشددون في المسائل الأمنية المقربون من خامنئي. ويقول مسؤولون ومحللون إن مثل هذه النتيجة ستخل بتوازن القوى الذي سعى خامنئي للمحافظة عليه.