شاشات: مسلسل رمضاني نموذجي

«عجائب القصص في القرآن» إنتاج مصري ومن إخراج مصطفى الفرماوي تبثـه «سما دبي» من بين قنوات أخرى
TT

بعثت القارئة إيمان الأزهري برسالة تقول فيها إنها قرأت الزاوية التي أبديت فيها حيرتي حيال اسم المسلسل الأنجح بين المسلسلات الرمضانية، وأضافت: «هذا طبيعي، فبالنسبة لأكثر مسلسل مشاهدة في رمضان، يصعب على الواحد معرفة الجواب لأن كل محطة تقول إن مسلسلها الرئيس هو الأكثر مشاهدة».

وهي أوردت مشكورة بعض الأمثلة على ذلك، فقناة محلية قد تعلن أن مسلسل لها هو الأول على قائمة المشاهدين فترد الثانية بأن مسلسلها هو الأول وما عداه في الصفوف الخلفية وبذلك تبقى «الطاسة ضايعة» ولن نعرف الحقيقة مطلقا لأنها ستبقى محجوبة.

واحد من المسلسلات التي نعرف بالتأكيد أنها ليست في وارد المنافسة على المراتب الأولى ربما كان أكثر المسلسلات اتصالا بالشهر الكريم ذاته.

كما نعرف جميعا، رمضان شهر يحتضن معنى الدين الحنيف ينتظره المؤمنون بفارغ الصبر حتى إذا ما حل تذاكروا وتدارسوا وازدادوا حلما وعبادة وخشوعا. ليس فيه أي مما يذهب إليه الكثير من المسلسلات الحالية (ومسلسلات السنوات السابقة) من مواضيع. هو ليس عن الجريمة وليس عن الخيانة وليس عن النميمة أو الأطماع المادية. رغم ذلك تغمرنا المسلسلات بهذه «التيم» ونقبلها لأن رمضان هو الحاضن الأكبر لمعظم ما يتم إنتاجه من مسلسلات طوال العام. هي مثل مائدة الطعام ذاتها. تفطر عند المغرب ثم تتابع المسلسلات لباقي الليل.

من هذه المسلسلات «عجائب القصص في القرآن». إنتاج مصري في 30 دقيقة من إخراج مصطفى الفرماوي وكتابة محمد بهجت تبثه «سما» دبي من بين قنوات أخرى.

وكما يشي عنوانه فهو يتناول القصص التي وردت في القرآن الكريم وهي كثيرة. كل حلقتين أو ثلاث هي لحكاية واحدة لكن بطل الحلقات جميعا هو ذلك القاضي العربي الذي يقص على ابنته وأحفاده، والمشاهدين، حكايات مستخلصة مما ورد في كتاب الله. ما لا يشي به البرنامج من عنوانه هو أنه يتبع فن الرسوم المتحركة.

أعتقد أن التنفيذ ياباني إذا ما حكمت على نحو صحيح وذلك بدلالة رسم العيون التي شاهدت مثيلا لها في الأنيميشن الياباني. ليس أن العيون هنا مرسومة حسب الملامح اليابانية كاملة، لكن القليل فيها يدلل على ذلك. من ناحية أخرى، الحركة متواصلة لكنها محدودة والتنفيذ على الكومبيوتر محسوب ومتوقع. حركة الشفاه تبعا للكلام عموما صحيحة. بعد مشاهدة عدة حلقات من هذا المسلسل فإن ثلاثة نجوم يمكن أن تمنح بسهولة في خانة التنفيذ الكرتوني من أصل خمسة.

لكن البرنامج بكامله يتجاوز ذلك. هناك لغة بسيطة التداول لكنها لا تثري معرفة الصغار فقط. صحيح أن الحكايات تسرد على مسامع أحفاد القاضي إلا أن ما فيها مفيد لمن لا يعرف والكثير ممن لا يعرفون هم من الراشدين أيضا. تتناول الحكاية وضعا يواجهه القاضي. ففي الحلقة الـ16 مثلا هناك اتهام لصاحب الشرطة (يؤديه محمد الهجرسي) بالسرقة ويتفرع من هذا الوضع قيام القاضي (الذي سأذكر اسم من يقوم به بعد قليل) بسرد حكاية تشابه الوضع المنشود. الحكاية في هذه الحلقة كانت قصة بلعام بن باعوراء، الذي عاش يهوديا مؤمنا إلى أن رضي بالمنصب والمكانة وفيه نزل قول الله تعالى «وأتل عليهم نبأ الذي آتيناه وآياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين».

من الحلقة الأولى أسس «عجائب القصص في القرآن» لمنهجه ساردا حكاية وقعت بين الأوس والخزرج عندما سرق أحد أبناء القبيلة الثانية درعا من منزل القبيلة الأولى كاد يشعل الفتنة من جديد.

ليس هناك فتح في أي من جوانب هذا العمل، لكنه جيد لما هو عليه: هدوء الطرح، وضوح المعالجة وسلامة اللغة العربية المنطوقة بما في ذلك استخدام حرف «الثاء» الذي كثيرا ما ينطق في تداول الفصحى كما لو حرف واقع في منتصف حرفي «الزاي» و«السين». بذلك هو تعليمي لغوي كما هو دليل ديني.

صوت القاضي يقوم به الممثل يحيى الفخراني، ويا لها من إجادة يضفيها بصوته الرخيم وإلقائه الصحيح. كل المشتركين، من بينهم أيضا أحمد خالد وأحمد مجدي وأحمد صيام وياسر عزت، يلقون على نحو صحيح، ولو أن بعضهم يكاد يشذ عن قاعدة الأداء بقليل من الميلودراما الصوتية.