بات الملف النووي الإيراني يشغل الرئيس الأميركي باراك أوباما أكثر من غيره من ملفات السياسة الخارجية، إذ يشير المسؤولون الأميركيون إلى هذا الملف على أنه «النجاح» الأبرز على الصعيد الدولي لأوباما بعد خمس سنوات من وصوله إلى البيت الأبيض. وكان أوباما قد وضع أولويات لرئاسته على الصعيد الخارجي، أبرزها مواجهة «الإرهاب» وإحلال السلام في الشرق الأوسط، يشهد العالم العربي تفشي الجماعات المتطرفة تحت مسمى «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) بينما النيران ما زالت مشتعلة في غزة من أحد أشد الحروب الإسرائيلية على فلسطين. ولذا ينظر أوباما إلى المفاوضات النووية مع إيران على أنها أولوية يجب الحفاظ عليها وإنجاحها ليكون إنهاء الفتور مع طهران نجاحا يمكن أن يتحدث أوباما عنه قبل انتهاء ولايته نهاية عام 2016. ولذا، خلال أسبوع يشهد فيه الشرق الأوسط تصاعد أزمات من العراق إلى ليبيا، أوفد الرئيس الأميركي كبار مسؤوليه في السياسة الخارجية من مجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية إلى جنيف للقاء مسؤولين إيرانيين والعمل معهم على دفع المفاوضات النووية، بعد الفشل في توقيع اتفاق نووي في 20 يوليو (تموز) الماضي وهو الموعد الأصلي لتوقيع اتفاق بين إيران والدول الدائمة العضوية وألمانيا.
وفي بيان مفاجئ صدر في الساعة العاشرة مساء بتوقيت واشنطن الليلة قبل الماضية، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية أن أركان السياسة الخارجية الأميركية توجهوا إلى جنيف لإجراء مفاوضات ثنائية مع الإيرانيين، وهي المرة الثالثة التي يقوم بها الأميركيون بمفاوضات مباشرة مع الإيرانيين حول الملف النووي، من دون الحلفاء الأوروبيين، رغم أن الخارجية الأميركية أصرت على أن هذه المفاوضات «في إطار جهود الدول الخمس زائد واحد بقيادة كاثرين أشتون»، المنسقة الأوروبية للسياسة الخارجية.
وأفادت وزارة الخارجية الأميركية أمس، بعد اجتماعات مطولة في جنيف، أن القوى العالمية الست الكبرى ستجتمع مع إيران قبل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) في نيويورك لدفع المفاوضات النووية، بهدف التوصل إلى اتفاق نهائي في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. وأضافت المتحدثة باسم الوزارة ماري هارف أن مكان الاجتماع لم يحدد بعد.
وأفادت وزارة الخارجية الأميركية أن نائب وزير الخارجية بيل بيرنز سيرأس الوفد الأميركي الذي ضم أيضا وكيلة وزارة الخارجية الأميركية ويندي شيرمان وجاك سوليفان مستشار الأمن القومي لنائب الرئيس جو بايدن والمساعد لدى أوباما. وضم الوفد أيضا روبرت مالي، المدير الأعلى للشؤون الخليجية والعراقية والإيرانية لدى مجلس الأمن القومي الأميركي، في وقت يعد مالي جوهريا في العمل على استراتيجية لمعالجة الوضع المتردي في العراق. وضم الوفد أيضا المستشار الأعلى لوكيلة وزارة الخارجية في شؤون الأمن الدولي جيمز تيمبي ومدير منع انتشار الأسلحة النووية لدى مجلس الأمن القومي بول ايروين. وأفادت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية من جهتها أن المحادثات بدأت وأن نائب وزير الخارجية عباس عراقجي يرأس الوفد الإيراني. وقال مفاوض نووي إيراني للوكالة الإيرانية الرسمية التي لم تكشف عن اسمه «المحادثات بين إيران والولايات المتحدة في جنيف ستساعد في التغلب على الخلافات بشأن النزاعات الباقية».
وكان من اللافت إعلان واشنطن أمس أن نائب وزير الخارجية بيرنز والمساعد بالبيت الأبيض سوليفان سيواصلان المشاركة في المحادثات النووية مع إيران بعد تركهما منصبيهما الحاليين في الإدارة الأميركية. وبينما يستعد بيرنز، وهو دبلوماسي مخضرم ويتمتع باحترام أوباما، للتقاعد هذا العام، لا يريد الرئيس الأميركي أن يفقد رجلا استطاع العمل مع الإيرانيين والاقتراب منهم. أما سوليفان، فهو كان رئيس لجنة التخطيط السياسي لدى وزارة الخارجية الأميركية في ولاية أوباما الأولى وتحت إشراف وزيرة الخارجية الأميركية السابق هيلاري كلينتون، قبل الانتقال إلى البيت الأبيض بعد مجيء جون كيري إلى وزارة الخارجية.
وجاءت زيارة الوفد الأميركي المفاجئة بعد أيام من التساؤلات حول مكان بيرنز الذي كان من المتوقع أن يزور القاهرة للمشاركة في المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين والسعي إلى حل سياسي ينهي الحرب على غزة. وبعد تسريب خبر إمكانية سفره إلى القاهرة الأسبوع الماضي، بقيت وزارة الخارجية الأميركية متكتمة عن مكان بيرنز أو سبب غيابه عن القاهرة. ولكن أعلنت الخارجية الأميركية نهاية الأسبوع الماضي أنه لن يتوجه إلى القاهرة، وحضر بمكانه المبعوث الأميركية للمفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين فرانك لاونستاين. ولكن لم توضح وزارة الخارجية حينها عزمه السفر إلى جنيف للقاء الإيرانيين. وأما وزير الخارجية جون كيري، الذي واجه انتقادات إسرائيلية غير مسبوقة في مساعيه لإنهاء الحرب على غزة، فوصل صباح أمس إلى كابل لبحث نتائج الانتخابات الرئاسية.
ووصفت وزارة الخارجية الأميركية المحادثات في جنيف بأنها «بناءة» ولكنها رفضت الإجابة على أسئلة «الشرق الأوسط» حول فحوى المحادثات أو سبب إجرائها بشكل ثنائي ومن دون إشراك الأوروبيين والصينيين والروس.
وعندما اجتمعت الدول الست وإيران آخر مرة يوم 19 يوليو الماضي، اتفقت إيران مع الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين على تمديد مهلة - للتوصل إلى اتفاق شامل تقوم إيران بموجبه بتقليص أنشطتها النووية مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية - حتى 24 نوفمبر بعد أن فات الموعد المتفق عليه سابقا من دون اتفاق في 20 يوليو الماضي.
ومن بين القضايا المثيرة للجدل النطاق المسموح به لإيران من إنتاج الوقود النووي وكيفية التعامل مع الأبحاث الماضية التي يشتبه في أنها تتعلق بصنع قنبلة نووية. وتوصلت إيران والقوى العالمية إلى اتفاق أولي في جنيف في نوفمبر 2013 لكسب مزيد من الوقت في المحادثات بشأن اتفاق طويل الأمد.
وبموجب الاتفاق المؤقت علقت إيران التخصيب لدرجة نقاء أعلى وهو مسار محتمل نحو صنع قنبلة مقابل تخفيف بعض العقوبات التي أضرت باقتصادها الذي يعتمد على النفط. وتخشى الدول الغربية من أن برنامج إيران النووي ربما يهدف إلى تطوير قدرة على صنع أسلحة نووية وطالبت طهران بتقليص برنامجها لتخصيب اليورانيوم بدرجة كبيرة للتأكد من أنه لن يستخدم في صنع قنبلة. وتقول إيران بأن برنامجها النووي لا يهدف إلا إلى توليد الكهرباء وتريد رفع العقوبات التي أضرت بشدة باقتصادها الذي يعتمد على النفط في أسرع وقت ممكن.
ومن جهته، قال مايكل مان المتحدث باسم وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي في رسالة عبر البريد الإلكتروني بأن المحادثات في جنيف أمس تندرج في إطار عملية التفاوض بين الدول الست وإيران. وأضاف أن مكان إجراء المفاوضات الرسمية لم يحدد بعد وقد يليها اجتماع يضم الوزراء في نيويورك خلال الجمعية العامة.