موسيقى الإسكان وإمبراطور اليابان!

ماجد العُمري

TT

تقول الحكمة الشرقية «لا يمكن لحوت البحر أن يستخدم قوَّته إذا كان في صحراء».

مهما كانت لديك الإمكانات لا فائدة منها إن لم تعمل بها بالطريقة الصحيحة والمكان الصحيح، وهذا ما انطبق على «وزارة الإسكان» في السعودية التي سخرت لها الحكومة بكل سخاء ودعم منقطع النظير ميزانية تاريخية بلغت 250 مليار ريال وأعطيت صلاحيات 10 وزارات وسلمت مئات ملايين الأمتار من الأراضي والنتيجة أن هذه الوزارة المبجلة أمضت 3 سنوات ونصفا في إعداد قائمة! فضلا عن أنها أمضت 4 سنوات كهيئة للإسكان قبل ذلك! وبعد أن كانت تعد بأنها ستحقق كل الأمنيات بتملك المساكن وتهدد وتتوعد بتخفيض أسعار العقار ووو الخ والنتيجة أنها أنجزت قائمة المستحقين وليس بناء المساكن! هنالك مقولة عربية يونانية الأصل تقول «تمخض الجبل، فولد فأرا»! والحكمة الإنجليزية تقول «من يتجاوز نقطة الوصول إلى الهدف كالذي لم يبلغه».

كلنا ندرك أن السعودية من أكثر دول العالم نموا في السكان، وتمثل نسبة الشباب أكثر من 70 في المائة وهي الأعلى في العالم.

وهذا يعني أننا أمام نمو يتزايد بشكل كبير سنويا للطلب على المساكن، ووفقا للدراسات فإن السعودية تحتاج إلى أكثر من 4 ملايين وحدة سكنية خلال الـ10 سنوات المقبلة بينما كل مشروع وزارة الإسكان 620 ألف وحدة في حال لو أنجزت مشروعها هذا الذي سيكون أكثر من 70 في المائة منه أرض وقرض وليس وحدات! فما الذي ستعمله هذه الوزارة المبجلة أمام العجز الذي يزيد على 3.5 مليون وحدة سكنية ولماذا تتحدث وكأنها هي ستحل الأزمة لوحدها وتهاجم القطاع وتتوعده ليل نهار بينما الحل بالتعاون معه كما هو في أغلب دول العالم؟! يحكى أن الوفد الذي ابتعثته اليابان للتعلم من الصناعة الألمانية ونقلها إلى اليابان بقيادة «تاكيو أوساهيرا» وبعد عودتهم من ألمانيا صنعوا أول محرك ياباني مائة في المائة وأعدوا قاعة مناسبات لعرض هذا المنجز العظيم، بحضور الإمبراطور وبعد تشغيل المحركات قال الإمبراطور «إن أصوات المحركات اليابانية تمثل أعظم موسيقى سمعتها في حياتي».

وإن المتأمل للإعلان الذي قامت به وزارتنا المبجلة عن المستحقين للسكن يذكرنا بهذه القصة! وإن هذه الوزارة التي أعطتها الحكومة كل الدعم والصلاحيات بمباركة ودعم كبير من الملك حفظه الله، لم تسمعنا موسيقى سعودية، بل هي كمن كلف بإنشاء مصنع للطائرات وبعد مرور سنوات عمل حفلا ضخما للإعلان عن إنجازه والذي تبيَّن أنه سلم للطائرة! واستكمالا لمقالي السابق عن أزمة الإسكان الذي أحدث صدى كبيرا وتفاعلا عبر الشبكات الاجتماعية، فقد لاحظت أن كثيرا من المعلقين على المقال عبر تويتر كمن أعطي مخدرا ويرفض أن توقظه من هذا الوهم الذي صنعته له الوزارة عبر الإعلام والذي أوهمهم أكثر بعض الباحثين عن الشهرة في الشبكات الاجتماعية الذين رددوا لسنوات عن قرب انخفاض العقار الذي لم يحدث بعد، وحتى لو حدث فالصحراء بالمجان، فما فائدة الأراضي البيضاء بلا خدمات وأين المساكن؟! للأسف لقد تحولت الحاجة للمساكن إلى حاجة لأراض بيضاء؟! نحن نريد مساكن تلائم السعوديين بأسعارها ومواقعها ومواصفاتها يطورها القطاع الخاص بدعم وتشجيع وشراكة من الحكومة بتسهيل التراخيص التي عقدتها بيروقراطية «البلدية، العدل، الزراعة، المحاكم» وبتوصيل الخدمات التي زادتها تعقيدا «الكهرباء، والمياه، والطرق» إضافة للتمويل وتسهيلات المقاولين ومواد البناء والأراضي أخيرا وليست أولا! باختصار،، نتمنى أن يجري سحب ملف حل أزمة الإسكان من الوزارة بحيث تقتصر الوزارة على مساعدة المستحقين الذين أعلنت عنهم على تملك مساكنهم وأما إدارة حل أزمة السكن فتحتاج إلى قيادة حكومية شاملة ومتكاملة وأولى خطواتها المأمولة إنشاء «الهيئة العليا للعقار» وإنشاء 13 شركة إسكان بعدد المناطق الإدارية شراكة بين الحكومة والقطاع الخاص ومثلها تابعة للبنوك ومثلها للتمويل العقاري.

وأخيرا، نتمنى أن نصل إلى احتفال وموسيقى تسليم مفاتيح المساكن، عافانا الله وإياكم من القوائم!

* كاتب ورجل أعمال