طرابلس نار تحت رماد.. وتخشى الانفجار الكبير في ظل الخروقات الأمنية

حظر سير الدراجات النارية ليلا.. والاعتداءات على الجيش شبه يومية

TT

لم يغير اليوم الأمني في طرابلس، أمس، من يوميات السكان كثيرا، بعد أن اعتادوا انتشار الحواجز ورؤية مصفحات الجيش وآلياته طوال النهار تتنقل وتقيم نقاط التفتيش وتدقق في الهويات. وربما كان الجديد هو القرار الذي اتخذه مجلس الأمن الفرعي، أول من أمس، والذي يقضي بمنع سير الدراجات النارية من الساعة الخامسة مساء حتى السابعة من صباح اليوم التالي، بعد أن كثرت عمليات الاعتداء على مراكز الجيش اللبناني وجنوده، التي غالبا ما تستخدم فيها الدراجات لتأمين سرعة الهرب والتواري.

وعمدت قوى الأمن التابعة لـ«سرايا طرابلس» أمس، إلى إقامة حواجز وفتشت السيارات، وعملت بالتعاون مع شرطة البلدية على إزالة البسطات المخالفة في منطقة التل وسط المدينة، والسوق العريض في المنطقة القديمة، ونظمت محاضر ضبط بالمخالفين.

وإذ تشدد الأجهزة الأمنية من إجراءاتها، وتكثف وجودها داخل المدينة وعلى مداخلها، لا سيما الضواحي الشمالية، حيث يمكن للمتنقل أن يلحظ بسهولة كثافة عناصر الجيش بشكل غير مسبوق، في مناطق النزاع التقليدية في جبل محسن (غالبية شيعية) وباب التبانة (غالبية سنية)، فإن كل هذا لا يكفي لإدخال الطمأنينة إلى نفوس الطرابلسيين الذين يعتبرون أن مدينتهم «على كف عفريت»، ويمكن للوضع أن ينفجر فيها في أي لحظة، دون أن يروا أن ثمة مصلحة لهم في ذلك.

وباتت الاعتداءات على عناصر الجيش يومية تقريبا في منطقة الشمال، فإن لم يستهدف الجيش في عكار، ففي البداوي أو طرابلس، كما أن إلقاء القنابل من قبل مخربين صار مسلسلا يوميا.

وانفجرت قنبلة فجر أمس على مدخل السوق العتيق قريبا من حارة الكنائس مما تسبب بأضرار في واجهات المحال التجارية، كما انفجرت قنبلة أخرى على الطريق الدولي بين دوار أبو علي والملولة. وقبلها بيوم واحد ألقى الجيش القبض، فجرا، في محلة البيسار على المدعو معاذ سعيد خالد مطر الذي كان يحاول التسلل من داخل منطقة الزاهرية للاعتداء على حاجز الجيش في المنطقة، وضبطت بحوزته قنبلتان يدويتان، وكمية من الحبوب المخدرة، وجهاز جوال يحتوي على صور وتسجيلات لأحد التنظيمات الإرهابية. وسلم الموقوف مع المضبوطات إلى المرجع المختص لإجراء اللازم، بحسب بيان أصدره الجيش.

المحلات في باب التبانة لا يزال كثير منها مغلقا، وقال تاجر إنه هجر متجره وذهب للعمل في بيروت، وأهله يطلبون منه البقاء هناك، وعدم العودة إطلاقا. والدته تقول: «لا نعرف في أي لحظة يمكن أن ينفجر الوضع.. السلاح كثير، والمنطقة مأهولة بكثافة، ولا نعرف في أي لحظة علينا أن نحمل أولادنا ونهرب».

المشكلة بين جبل محسن وباب التبانة في المدينة لم تعد قائمة، بعد تنفيذ الخطة الأمنية في أبريل (نيسان) الماضي وإلقاء القبض على غالبية قادة المحاور في المنطقتين، وهروب رفعت علي، المسؤول السياسي في الحزب العربي الديمقراطي في جبل محسن. المشكلة التي استجدت هي عصيان عدد من المسلحين على رأسهم شادي مولوي وأسامة الرفاعي في مسجد عبد الله بن مسعود في باب التبانة، حيث قويت شوكتهم، وهم ممن لم يقبض عليهم كما حال بقية قادة المحاور في باب التبانة. لم تحل المشكلة بشكل جدي، رغم أن ثمة من يريد أن يوحي بذلك. أهل المنطقة لا يصدقون ما يقال عن استتباب الأمن لأنهم يرون بأعينهم غير ذلك، ويتابعون التلفزيونات التي ظهر فيها مولوي يعلن عمله صراحة مع مجموعته تحت راية «جبهة النصرة». الاتفاق الذي أبرم مع هذه المجموعة التي تضم مسلحين سوريين ولبنانيين، لم يبعد هؤلاء سوى أمتار عن أماكن وجودهم القديمة. البعض يقول إن توزعهم، بدل تجمعهم في مكان آخر، ربما جعل الوضع أسوأ من ذي قبل.

القوى الأمنية، لا سيما الجيش، في حال استنفار دائم في طرابلس. الوضع على الأرض تشوبه اختراقات محدودة لا يمكن أن تقارن بالاشتباكات العنيفة والدامية التي كانت تشهدها المدينة سنوات قبل تطبيق الخطة الأمنية. المداهمات شبه يومية، وملاحقة المخلين تحدث بانتظام، يقبض على البعض ويفلت البعض الآخر، لكن السكان يشعرون أن ثمة نارا تحت رماد. وإذا كان من شعور يمكن أن يلخص حال الطرابلسيين، فهو الخوف الشديد من الآتي، وهو ما ينعكس بشكل سلبي للغاية على الوضع التجاري والاجتماعي، وكأنما الجميع ينتظر كارثة ستأتي.