السلطة الفلسطينية تصعد حربها ضد مسربي الأراضي لشركات إسرائيلية

الرئيس عباس يعدل قانونا يقضي بمعاقبة المتورطين بالأشغال الشاقة المؤبدة

TT

تسعى السلطة الفلسطينية بكل الطرق الممكنة إلى الحد من ظاهرة تسريب الأراضي والعقارات الفلسطينية إلى شركات إسرائيلية، والتي تجري عادة عبر عقود بيع وشراء رسمية، وهو ما يجعل تمكن المستوطنين من الأراضي والمنازل سهلا وشرعيا وفق القانون الإسرائيلي، ويجعل استعادتها مسألة صعبة وغير ممكنة بالنسبة للفلسطينيين على المدى القريب.

وأصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس قرارا بقانون معدل لقانون العقوبات الأردني رقم 16 لسنة 1960 وتعديلاته النافذة في المحافظات الشمالية (الضفة الغربية). وعدل بموجب القرار نص المادة 114 من القانون، حيث فرض في التعديل الجديد عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة على كل من قام بتسريب أو تأجير أو بيع الأراضي لدولة معادية، أو أحد رعاياها في إشارة ضمنية للإسرائيليين، فيما كانت العقوبة السابقة هي الأشغال الشاقة المؤقتة لمن يقوم بتسريب الأراضي لدولة معادية.

وجاء قرار عباس بعد سنوات طويلة من الحرب مع مسربي الأراضي، وبعد ساعات فقط من سيطرة مستوطنين على أملاك وعقارات في القدس (الشرقية) التي ينادي بها الفلسطينيون عاصمة للدولة العتيدة.

وخلال الشهر الماضي والحالي تكرر تملك المستوطنين لمنازل في القدس، اتضح فيما بعد أنهم اشتروها من فلسطينيين أو وسطاء أجانب يمثلون أو يتعاونون مع جمعيات استيطان يهودية في إسرائيل.

وطوال عشرات السنين كان اليهود يجدون بعض الفلسطينيين المستعدين للبيع، مقابل مبالغ كبيرة وخيالية، مثلما كانوا يصطدمون بآخرين يرفضون بيع ولو متر واحد مقابل ملايين الدولارات، وكانت هذه مشكلة، طالما أرقت الفلسطينيين ولم يجدوا لها حلا شافيا. وأول من أمس فقط، انتقل مستوطنون للسكن في عشر شقق تقع في بلدة سلوان، الواقعة خلف الجدار الجنوبي للحرم القدسي الشريف.

ويعزز الدفع بمزيد من المستوطنين إلى قلب الأحياء العربية خططا لخلق تفوق ديموغرافي لليهود في المدينة التي تعدها إسرائيل عاصمة موحدة لها.

ويقيم نحو 500 مستوطن يهودي مسلحين ووسط حراسة قوات أمن إسرائيلية، في حي سلوان بين 50 ألف فلسطيني، ويبلغ عدد المستوطنين في القدس والضفة الغربية أكثر من 600 ألف مستوطن.

ويخلق وجود المستوطنين توترا دائما في المنطقة، وعادة ما يشتبكون مع السكان الأصليين.

واتهم المقدسيون رجلا فلسطينيا من شمال القدس ينتحل صفة وكيل لجمعية عربية تدعم المقدسيين، وأخبر العائلات المقدسية التي تملك العقارات أن شراءها يهدف إلى تحويلها إلى مرافق عامة لخدمة أهالي القدس، قبل أن يتضح أنه يعمل لصالح جمعية «العاد» الاستيطانية. وينظر الفلسطينيون إلى المتورطين في بيع أراضي لليهود بأنهم عملاء وجواسيس، لكن التأكد من أن العملية تمت عمدا تبدو مسألة صعبة.

وبهذا الخصوص قال أسامة القواسمي، المتحدث باسم حركة فتح: «إن من سولت لهم أنفسهم المريضة ببيع أرضهم أو بيوتهم، أو سهلوا عمليات البيع لأعداء الشعب الفلسطيني، هم ثلة خونة لأرضهم ووطنهم ودينهم، وارتضوا لأنفسهم الخزي والعار في الدنيا والآخرة». وأضاف، في تصريح مكتوب أن «الرجل يموت ولا يبيع شرفه وعرضه وكرامته، ولا يخون أقدس أرض في العالم، التي جبلت بدماء الأنبياء والشهداء عل مر التاريخ»، مشددا على أن «الذين ارتضوا لأنفسهم العار والخيانة والذلة مصيرهم الموت المخزي والمذل».

وطالب القواسمي أبناء الشعب الفلسطيني في كل أماكن وجودهم بالحذر الشديد في أي عملية بيع للأراضي أو البيوت، وأخذ كل أشكال الحيطة والحذر لوجود مندسين عملاء يقومون بشراء البيوت أو الأراضي ونقل ملكيتها للإسرائيليين.

وتعمل السلطة على إرجاع المنازل التي يتم تسريبها، لكن مصادر تعمل على تحقيق ذلك في القدس قالت لـ«الشرق الأوسط» إن الأمر معقد وصعب بسبب أنه يحظر على السلطة العمل في المدنية المقدسة. وأضافت أن «عمليات التسريب تتم بسرية كبيرة، وفي أحيان كثيرة ينتظر الإسرائيليون سنين طويلة حتى بعد وفاة مسرب الأرض حتى يعلنوا عن عمليات البيع والشراء.. ويحظى المستوطنون ومن يتعاون معهم بحماية الإسرائيليين وملاحقتهم هنا فيه مخاطرة كبيرة».

وأوضحت المصادر كيف أن الأموال التي تعرض على الفلسطينيين كبيرة وخيالية، وتشجع ضعاف النفوس على التورط بخيانة الوطن.

وتستخدم إسرائيل مؤسسات رسمية وجمعيات استيطانية ومناصرين وداعمين في كل أنحاء العالم، لصالح شراء أراض وعقارات فلسطينية، خصوصا في القدس. وقالت المصادر ذاتها إن ملايين كثيرة تدفع مقابل الحصول على منازل عادية، وأحيانا تعرض مبالغ لخيالية إذا كان للعقار أو الأرض أهمية استراتيجية بالنسبة لهم.

ورغم أن المسألة برمتها ليست قانونية، إذ لا يسمح القانون الدولي للمحتل بالتملك في أراض يحتلها، فإن الإسرائيليين أقاموا مستوطنات كاملة وسيطروا على أراض كثيرة، ودخلوا إلى قلب القدس والخليل عبر وثائق بيع وشراء، اتضح أن بعضها صحيح والبعض الآخر مزور.

وخلال السنوات السابقة أوقفت السلطة بعض المتورطين في تسريب الأراضي، وحكمت عليهم بالأشغال الشاقة لعشر سنوات في محاولة لردع الآخرين، لكن العملية لم تتوقف. لكن مع قرار الرئيس عباس تأمل السلطة أن يصبح الأمر رادعا أكثر.