رئيس مجموعة الأزمات الدولية: إقناع الروس يحتاج إلى خارطة عمل واقعية في سوريا

قال لـ («الشرق الأوسط») إن تهويل «داعش» يضر ولا يفيد ويساعد التنظيم في جذب الشباب البائس

رئيس مجموعة الأزمات جان - ماري جيهنو (تصوير: جيمس حنا)
TT

انتقد جان ماري جيهنيو رئيس مجموعة الأزمات الدولية الفورة الإعلامية حول تنظيم داعش وتحويله إلى خطر عالمي على غرار الاتحاد السوفياتي السابق قائلا: إن ذلك يصب في مصلحة التنظيم وجذب بعض فئات الشباب الذين يشعرون بإحباط في عواصم أوروبية ويبحثون عن مغامرة أو الشعور بالأهمية. كما أكد أن مواجهة التنظيم بعملية عسكرية فقط لا يكفي بل يجب أن تكون هناك استراتيجية متكاملة.

واعتبر جان ماري الذي عمل في فترة سابقة نائبا للمبعوث الدولي والعربي الأسبق لسوريا كوفي أنان أن هناك فرصة ضاعت لتحقيق حل سياسي في سوريا في فترات الأزمة الأولى. وأوضح في حديث لـ«الشرق الأوسط» خلال زيارة أخيرة له إلى لندن أنه لا يمكن إعادة كتابة التاريخ لكن يبدو أن هناك فرصة ضاعت، ولا بد لكثيرين أن يشعروا بتأنيب الضمير ففي الوقت الذي كانت فيه انشقاقات بين كبار الضباط السنة في الجيش السوري كان هناك تصور أنه يمكن الاعتماد على هذا الاتجاه، وكان النظام يشعر وقتها بأنه في موقف ضعيف بما كان يجعل العملية السياسية أسهل وقتها من الآن، لكن في المعارضة ولدى أطراف أخرى كان هناك شعور بأن الاتجاه يمكن أن يمضي في اتجاه مماثل لليبيا وتأتي قوة خارجية تحول دفة الموقف، وهذا لم يحدث.

ورغم قوله بأن النظام السوري يشعر الآن بأنه أقوى من أوقات سابقة فإن رئيس مجموعة الأزمات الدولية رفض المقولة التي يطرحها البعض بأن الأسد يكسب قائلا قبل عامين أو 3: كان هناك إساءة تقدير لقدرة النظام علي الصمود، وكان الاعتقاد العام بأنه يمكن دفع الأسد بسرعة إلى التنحي، وكانت هناك إشارات على ذلك مع انشقاق بعض الضباط السنة، لكن ثبت أن الأسد يعتمد على نظام قوي يرتكز على أجهزة أمنية قوية وتأييد من بعض الفئات المجتمعية بما في ذلك البرجوازية السنية لأنهم استفادوا من الانفتاح الاقتصادي الذي خلق الكثير من الفرص. لكن ليس صحيحا القول: إنه إذا لم يسقط الأسد فإنه يربح والسبب في ذلك أنه لن يستطيع السيطرة على كل البلاد فما قد يحدث هو أزمة تراوح مكانها لا يمكن لطرف أن ينتصر سريعا، وهو شيء ليس جيدا لسوريا أو للمنطقة، لكنه أيضا قد يكون فرصة للدبلوماسية، والحقيقة أن داعش خلق بسبب ممارسات النظام.

وحول فترة عمله مع كوفي أنان عندما كان مبعوثا دوليا وعربيا لسوريا قال جان ماري الذي شارك في مباحثات اتفاق جنيف 1 بأن الاتفاق فشل لأنه قبل أن يجف الحبر كانت هيلاري كلينتون تتحدث في مؤتمر صحافي في إحدى الغرف عن أن الاتفاق يمهد لرحيل الأسد في العملية الانتقالية بينما وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في الغرفة المجاورة يقول: إنه لم ير أي شيء في الاتفاق يقول: إنه على الأسد الرحيل، فلم يكن هناك لقاء عقول بين القوى الكبرى.

وشرح جان ماري في الحديث رؤيته للموقف الروسي تجاه سوريا قائلا: إن روسيا ترى المشكلة جغرافيا أقرب لها من الولايات المتحدة وحتى أوروبا فالقوقاز ليس بعيدا وكذلك هناك القلق في روسيا من نمو الحركات المتشددة التي يوجد لها امتدادات في بعض الجمهوريات الروسية، كما أن هناك المسألة التي تطرح في ذهنهم بأن (الشيطان الذي تعرفه أفضل من القفز إلى المجهول) فقد رأى الروس تداعيات إزالة القذافي، ورأوا ما حدث بعد تطهير البعث في العراق، لذلك لم يقتنعوا بما يقوله الغرب بأن علينا أن نتخلص من الأسد ثم تستقر الأوضاع، وهم لديهم بعض الحق في ذلك، فنحن نحتاج إلى خارطة طريق واقعية تظهر إمكانية الانتقال من الوضع الحالي إلى آخر جديد بشكل منظم، وهم يرون أن وضع مغادرة الأسد كشرط مسبق سيفتح الباب أمام تطورات أحداث لا يمكن التحكم فيها، والآن مع كل الأزمات الأخرى مع روسيا في أوكرانيا وخلافه أصبحت المسألة أصعب. لكن جان ماري أعرب عن اعتقاده بأنه يمكن إقناع الروس بخارطة طريق واقعية للانتقال من وضع حرب إلى وضع آخر يفتح الطريق لمغادرة الأسد بشكل منظم تكون هناك فيه مؤسسات قوية قادرة على امتصاص الصدمات. وتابع قائلا: إن الروس لا يحبون استخدام نفوذهم ثم يرون أن نصيحتهم لم تتبع، فهم لديهم نفوذ قوي بالطبع في سوريا، لكن النظام ليس دمية في يدهم. وأسوأ وضع يخشونه هو اتخاذ خطوات يبتعدون بها عن الأسد ثم لا يحدث شيء ويستمر في السلطة ويخسرون بذلك على كل الجبهات.

وحول إمكانية أن يحدث تغيير من داخل النظام خاصة أن اسم فاروق الشرع طرح سابقا لقيادة الفترة الانتقالية، قال: إن ذلك لم يخدم الشرع أو أي اسم يظهر فالنظام سيعمل على إحباط أي شيء من هذا القبيل ولديه الأدوات لذلك، لذلك اعتقادي أن أي تغيير من هذا النوع سيكون مفاجئا وغير متوقع، لكن بناء استراتيجية على أساس ذلك يعد نوعا من المقامرة. فهذا نظام خلق مؤسسات أمنية متنافسة الجميع فيها يراقب الجميع.

وأكد على ضرورة الحل السياسي ووجود خطة عمل قائلا: الناس مستعدة أن تستمع لك لكنها تسأل عن خطة العمل، التي ستبقي البلد مستقرا ولن تقود إلى الفوضى أو الانتقام الجماعي. فعلينا أن نتذكر أن الحرب اللبنانية أوقفت عندما وجدت اتفاقية تعطي ضمانات إلى جميع الأطراف والطوائف في المجتمع، التحدي في سوريا مختلف ففي لبنان كان الوضع بين القوى في توازن بينما في سوريا هناك أغلبية واضحة للسنة وأقليات، ولن تحصل على اتفاق سلام ما لم تحصل كل طائفة على ضمانات حول وجودها وعدم تعرضها لأعمال انتقامية.

وأشار إلى اتفاقات حدثت على الأرض لوقف النار في سوريا بترتيبات محلية لكن قال نحن في مجموعة الأزمات ندفع في اتجاه وقف للنار يكون له تداعيات استراتيجية، فالمعارضة ترى نفسها في وضع حرج لأن عليها أن تحارب النظام وفي نفس الوقت تحارب داعش وهي لا يمكن أن تفعل الاثنين في وقت واحد. وإذا تحقق وقف النار سيمكن للمعارضة أن تتحرك داخل مناطقها في مواجهة داعش.

وحول ما طرح أخيرا من أحد أسباب الأزمات التي تشهدها المنطقة حاليا هي انهيار ترتيبات نظام ما بعد الحرب العالمية الأولى والحديث عن خرائط وحدود جديدة اعتبر ذلك توجها خطرا خاصة في منطقة الشرق الأوسط وقد طرح في أزمات كثيرة سابقة، لأن خلف هذه الفكرة التقسيم على أساس مجموعات طائفية أو عرقية وسيسبب الكثير من المعاناة الإنسانية كما أنه سيكون خيانة لتاريخ المنطقة التي شهدت تعايشا بين أديان مختلفة في فترات بشكل أفضل من أوروبا. وقال: إن الأزمة قد تتعلق بالشرعية أكثر من أي شيء آخر في بعض الدول بعد فترة الاستعمار ثم نشوء الأنظمة القائمة على فكرة القومية العربية واستنفدت هذه الأنظمة قوة الدفع لديها. كما أن هناك مسألة العدالة الاجتماعية أيضا ففي الدول التي شهدت انتفاضات كان هناك شعور بالغبن الاجتماعي فعلى سبيل المثال في سوريا عندما حل بشار مكان والده كان الاقتصاد قبل ذلك حكوميا موجها مع بعض البرامج الاجتماعية ولكن مع الانفتاح في بداية عهد بشار بنصيحة غربية، وهي نصيحة صحيحة استفادت مجموعة صغيرة بشكل هائل من هذا الانفتاح بينما رأى باقي الناس أن المميزات التي كانوا يحصلون عليها من الدولة تتآكل ولذلك ارتفع التوتر. لذلك فإن فترات التحول الاقتصادي هي فترات خطرة جدا إذا لم تضع الأنظمة شبكات أمان اجتماعي.