تونس: صراع الكبار في مركز صنع القرار

تنافس قوي في العاصمة ومدن الشمال

صورة أرشيفية لراشد الغنوشي زعيم حركة النهضة (يمين الصورة) ورئيس حزب «نداء تونس» الباجي قائد السبسي في المجلس التأسيسي (البرلمان) التونسي (أ.ف.ب)
TT

دخل كبار زعماء الأحزاب السياسية بثقلهم في آخر أيام الحملة الانتخابية، بعد أن احتد السباق بين 13 ألف مرشح حول 17 مقعدا في البرلمان الجديد.. الذي ستكون من أولى مهماته اختيار رئيس الحكومة المقبل وفريقه.

إلا أن الصراع بين «الكبار» بلغ أوجه في الدوائر الانتخابية الست بمحافظات العاصمة تونس وضواحيها، حيث نحو ربع المقاعد، فضلا عن وجود غالبية مؤسسات الدولة السيادية فيها.

وإذ يختتم حزب «نداء تونس» بزعامة الباجي قائد السبسي - الوزير في عهد بورقيبة ثم رئيس أول برلمان في عهد بن علي - حملته الانتخابية اليوم بتجمع شعبي ومظاهرات في الساحل التونسي الذي ينحدر منه الرئيسان السابقان وغالبية وزرائهما، فإن غالبية الأحزاب تتوج منذ أيام تحركاتها بتجمعات ضخمة في العاصمة وقرب قصري البرلمان أو في شارع الحبيب بورقيبة وسط المدينة مثلما هو الشأن بالنسبة لحركة النهضة الإسلامية، وحزب العمال الشيوعي اليساري، و«الجبهة الشعبية اليسارية» بزعامة حمة الهمامي، «والحزب الجمهوري» بزعامة المحامية مية الجريبي والمحامي أحمد نجيب الشابي.. أحد أبرز المشاركين في السباق نحو الرئاسة.

* نزول «الزعماء»

* وخلافا لانتخابات أكتوبر (تشرين الأول) 2011 التي حرم رموز النظام السابق قادة حزب بن علي من المشاركة فيها، فإن عشرات القوائم الحزبية والمستقلة تضم هذه المرة وزراء ومسؤولين سابقين في الدولة وفي حزب التجمع الدستوري الديمقراطي، بما في ذلك في العاصمة تونس والمحافظات القريبة منها وكبرى المدن مثل صفاقس وسوسة والمنستير والقصرين وبنزرت.

هذا المعطى جعل زعماء الأحزاب الكبرى، وخصوصا كبار قادة حركة النهضة وأحزاب «النداء» و«الجمهوري» و«الحركة الدستورية» و«المبادرة» «ينزلون إلى الميدان»، ويتنقلون بصفة مراطونية بين المدن والأحياء، لا سيما في العاصمة تونس والمدن المجاورة لها مثل أريانة وباردو ومنوبة وحمام الأنف وبن عروس.

* الغنوشي ومورو في كل مكان

* حضور هؤلاء الزعماء جعل عدد المشاركين في الاجتماعات يتضاعف ويتجاوز أحيانا الـ20 ألفا في استعراض واضح للقوة، خاصة في ما يتعلق باجتماعات حركة النهضة التي أشرف عليها رئيس الحركة راشد الغنوشي أو نائبه عبد الفتاح مورو، وحضر أغلبها رؤساء قوائمها في تونس الأولى رئيس الحكومة السابق علي العريض أو في تونس الثانية الشيخ عبد الفتاح مورو أو في بنعروس التي يرأس قائمتها نائب رئيس الحركة الوزير السابق نور الدين البحيري، ويرأس مصطفى بن جعفر زعيم حزب التكتل رئيس البرلمان الانتقالي تحركات قوائم حزبه التي عين على عدد منها رموز الحزب مثل الوزير السابق خليل زاوية والوزير السابق إلياس فخفاخ والبرلمانية النشيطة لبنى الجريبي.

* قائد السبسي والشابي والقروي

* الظاهرة نفسها تلاحظ في تجمعات الأحزاب «العلمانية» والليبيرالية واليسارية المنافسة لـ«النهضة»..

وعلى الرغم من اقتراب سن الباجي قائد السبسي زعيم حزب نداء تونس، وحامد القروي من الـ90 عاما، فقد أشرفا على كثير من التجمعات الانتخابية لحزبيهما في عدة جهات، وخصوصا في العاصمة والمدن الكبرى..

كما اختارا لرئاسة قوائم حزبيهما وزراء وشخصيات من الحجم الثقيل مثل عباس محسن شيخ مدينة تونس ومستشار بن علي سابقا، والتيجاني الحداد وزير السياحة سابقا، وسعيد العايدي الوزير في حكومة ما بعد الثورة.

وقام «الحزب الجمهوري»، بزعامة أحمد نجيب الشابي، بخطوات مماثلة؛ فرشح البرلماني والقيادي البارز في المعارضة منذ الثمانينات عصام الشابي رئيسا لقائمة ولاية أريانة، حيث يخوض منافسة مع عدد من «الكبار»، بينهم الوزير السابق سليم بن حميدان القيادي في حزب الرئيس المرزوقي والبرلماني والحقوقي اليساري الفاضل موسى، فضلا عن شخصيات قيادية «بارزة» من حركة النهضة مثل الصحبي عتيق رئيس كتلة الحركة خلال الأعوام الماضية في المجلس الوطني التأسيسي.

* من الجنوب إلى العاصمة

* بعض زعماء الأحزاب مثل الوزير السابق عماد الدايمي - الأمين العام لحزب المؤتمر برئاسة الرئيس المرزوقي - ومحمد الحامدي زعيم حزب «التحالف الديمقراطي» اختاروا الترشح في مدنهم في الجنوب التونسي أو غرب البلاد، لكن حضورهم بدا كبيرا في التظاهرات السياسية والانتخابية في العاصمة وضواحيها، حيث «معارك الكبار حول مراكز صنع القرار» على حد تعبير عالم الاجتماع النفسي د. عبد الوهاب محجوب.

وإذ يبدي الحزبان الكبيران «النهضة» و«النداء» تخوفا كبيرا من منافسة رموز النظام السابق لقوائمهما في محافظات الساحل موطن بورقيبة وبن علي، فقد كثفا تنقلات رموزهما لمدن المنستير وسوسة والمهدية ونابل، بما في ذلك الباجي قائد السبسي وعبد الفتاح مورو أصيلا العاصمة وراشد الغنوشي زعيم حركة النهضة، لكن ذلك لم يكن على حساب حضورهم المكثف في محافظات «تونس الكبرى».. إيمانا منهم بصبغتها الاستراتيجية ودورها الحاسم في السباق..

* «دربي» وقمة ثنائية؟

* إلا أن من بين ما بدأ يربك اللعبة الانتخابية والسياسية بروز تناقضات علنية بين زعيمي «النهضة» و«نداء تونس» راشد الغنوشي والباجي قائد السبسي من جهة، وقائد السبسي وزعماء عدد من الأحزاب الأخرى مثل «الحزب الجمهوري» و«التكتل» و«التحالف الديمقراطي».

«القطرة التي أفاضت الكأس».. هو تصريح صدر عن قائد السبسي اعتبر فيه أن «من لا يصوت لفائدة حزب نداء تونس فقد صوت لفائدة (النهضة) والإسلاميين»، وهو ما أثار حفيظة خصومه.

راشد الغنوشي أورد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» تعقيبا على هذا التصريح قائلا: «الانتخابات ليست (دربي) كرة قدم.. وليست (قمة كروية ثنائية).. علاقتنا مع سي الباجي قائمة على الاحترام المتبادل. ومن الطبيعي أن يدافع كل حزب عن حظوظه وأن ينقد الأحزاب الأخرى ولكن ضمن حدود معقولة، تراعي المصلحة الوطنية وتراعي أننا لسنا في (حرب)، ولكننا في منافسة سياسية».

* عقلية قديمة؟

* في السياق نفسه، انتقد حزب مصطفى بن جعفر مقولة قائد السبسي «من لا يصوت لـ(نداء تونس) فإنه صوت عمليا لـ(النهضة) وللإسلاميين»، واعتبرها محمد بنور الناطق الرسمي باسم حزب التكتل «مرفوضة وتعكس عقلية معادية للديمقراطية»..

أما مية الجريبي زعيمة الحزب الجمهوري، فأوردت في تصريح للصباح قائلة: «للأسف، إننا نسمع مثل هذا التصنيف الإقصائي، والغريب ممن صدرت عنهم مواقف معادية للديمقراطية في عهدي بورقيبة وبن علي.. نحن نريد تونس متعددة ثقافيا وسياسيا، ونرفض تقسيم التونسيين بين متدين وكافر.. مهما كان مصدرها.. ولو كان سي الباجي وعناصر من حزبه».

لكن بعيدا عن كل الانتقادات والمزايدات خلال التجمعات الشعبية والانتخابية في العاصمة وضواحيها، وعلى الرغم من تعاقب أعمال العنف ومحاولات الإرهابيين إفساد «العرس الانتخابي»، فإن جل المؤشرات تؤكد أن تونس تسير على سكة الديمقراطية الحقيقية، وتظافر جهود الجيش والأمن والمواطنين والأحزاب من أجل تأمين سلمية المسار الانتخابي والانتقال الديمقراطي.

نجاح الانتخابات رهين المشاركة الواسعة في الاقتراع ثم قبول الجميع بخيار التونسيين وبنتائج التصويت، لكنه رهين ترفيع مستوى مشاركة العسكريين والأمنيين في حماية مراكز الاقتراع إلى أكثر من 50 ألفا، حسب تصريحات وزير الداخلية لطفي بن جدو.