مخاوف من ضعف المشاركة في الانتخابات التشريعية بتونس

نحو نصف الناخبين ما زالوا مترددين لمن سيدلون بأصواتهم

TT

مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية في تونس التي ستجري الأحد المقبل، لا يزال الغموض يكتنف نسبة المشاركة المتوقعة في هذه الانتخابات. وقد عبرت الكثير من الجهات السياسية والحقوقية والإعلامية في الأيام الأخيرة عن مخاوفها من أن يكون إقبال التونسيين على صناديق الاقتراع ضعيفا.

الإعلامي والمحلل السياسي صلاح الدين الجورشي أكد في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «هناك بالفعل مخاوف من ضعف المشاركة في الانتخابات المقبلة حتى داخل القوى الحزبية المتنافسة»، بسبب ما وصفه بـ«الإحباط الذي خلفته الانتخابات السابقة»، مبينا أن «المسافة بين الناخبين والسياسيين قد تعمقت لأسباب متعددة»، مستشهدا بـ«اقتصار الحضور في التجمعات الانتخابية على أبناء الأحزاب أنفسها، وبقاء المواطنين من غير المنتمين للأحزاب كمراقبين لما يجري في الحملات الانتخابية». كما أشار الجورشي في تصريحه لـ«الشرق الأوسط» إلى «عدم ارتقاء مستوى الخطاب الانتخابي إلى مستوى التحديات التي تواجهها تونس في الوقت الراهن وإلى كثرة القوائم المترشحة للانتخابات التشريعية التي خلقت نوعا من الضبابية في ذهن الناخب التونسي، فضلا عن التأثير السلبي لما شاب عملية التزكية للانتخابات الرئاسية من سلوكيات سلبية، وحتى الحديث عن وجود عمليات تزييف».

من جانبه، قال الإعلامي والمحلل السياسي التونسي نور الدين المباركي في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن «الإقبال على صناديق الاقتراع مرتبط بعدة عوامل، منها المناخ العام في البلاد، والثقة في الفاعلين السياسيين، والدور الذي يمكن أن يقوم به المجلس النيابي في التعاطي مع شواغلهم»، مبينا أن «المؤشرات الحالية تدفع على القلق، وأن ثمة خوفا حقيقيا أن تكون نسبة المشاركة متدنية». ومن بين المؤشرات التي استعرضها المباركي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» الظروف التي تم فيها تقديم الترشحات وما رافقها من خلافات وتجاذبات بين الأحزاب وفي داخلها، وكذلك الانطباع الحاصل أن المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان التونسي) الذي انبثق عن انتخابات 23 أكتوبر (تشرين الأول) 2011 لم يقم بدوره كاملا، خاصة فيما يتعلق بشؤون المواطنين، فضلا عن أن انتخابات 2011، والتي كان يعتقد أنها ستدخل البلاد في مرحلة جديدة، بقيت بعدها أوضاع البلاد على حالها، بل إنها تدهورت في كثير من القطاعات، حسب قوله. وأضاف نور الدين المباركي، أن «ثمة نوعا من الشك في حقيقة وعود المترشحين للانتخابات مما يجعل التوقعات حول إقبال الناخبين سيكون دون المستوى»، مضيفا: «إن تعاطي المواطن العادي مع الانتخابات يختلف عن تعاطي السياسي، حيث إن المواطن العادي ينظر إلى العملية الانتخابية من زاوية استفادته المادية الملموسة ومن زاوية إيجاد الحلول لشواغله، سواء المهنية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، وأنه (المواطن) عندما يشعر بأن ذلك لا يتحقق يتدنى اهتمامه بالانتخابات». ويرى المباركي أن «العزوف هو حالة في أساسها نفسية، وقد تكون دون خلفية سياسية».

وعد ما يصفه بعض المتابعين للشأن السياسي التونسي بنفور التونسيين من السياسة بعد انتخابات 2011 وبتدني ثقتهم في السياسيين بسبب كثرة التجاذبات فيما بينهم، وخصوصا عجزهم عن حل المشكلات الكثيرة التي عصفت بالبلاد، وخصوصا منها الأمنية والاقتصادية، وهو ما قد يكون له تأثيره على نسبة مشاركة التونسيين في الاقتراع. ويرى البعض أن الأحزاب السياسية وجمعيات المجتمع المدني، وحتى الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لم تبذل الجهد الكافي لإحساس التونسيين بأهمية الانتخابات المقبلة وحثهم على المشاركة فيها، معتبرين أن الحملات الدعائية في هذا الخصوص لم تكن كافية.

وعموما، يعتقد الكثير من الأوساط أن درجة الحماس لانتخابات 2014 هي ظاهريا على الأقل أدنى من درجة الحماس التي عرفتها انتخابات 2011، وهو ما يرى فيه البعض مؤشرا على أن انتخابات الأحد المقبل قد تسجل نسبة أضعف من الانتخابات السابقة. ولكن صلاح الدين الجورشي يرى في تصريحه لـ«الشرق الأوسط» أن «من الممكن أن تحصل لدى المواطنين رجة في اللحظات الأخيرة تدفع فيهم حماسة المشاركة المكثفة».

وتجدر الإشارة إلى أن العدد الإجمالي للناخبين المسجلين لهذه الانتخابات بلغ وفق آخر البيانات الرسمية للهيئة العليا المستقلة للانتخابات 5 ملايين و236 ألف ناخب، أكثر من 4 ملايين منهم مسجلون آليا منذ انتخابات 2011، ونحو مليون ناخب قاموا بالتسجيل في عملية التسجيل التي امتدت بين شهري يوليو (تموز) وأغسطس (آب) 2014، علما بأن عدد من يحق لهم التصويت هم نحو 8 ملايين تونسي، وهو ما يعني أن أكثر من 33 ملايين تونسي لم يقوموا بسجيل أنفسهم في قوائم الناخبين، ولن يكون بإمكانهم تبعا لذلك الاقتراع.

السمة الثانية التي قد تضفي بدورها طابع الغموض على الانتخابات التشريعية المنتظرة في تونس الأحد المقبل تتعلق بالعدد الكبير من الناخبين التونسيين الذين لم يحسموا أمرهم بعد ولم يقرروا لمن سيصوتون، وما زالوا مترددين رغم قرب موعد الاقتراع. وتشير الكثير من التقارير الإعلامية إلى أن نسبة هؤلاء تتراوح بين 40 و50 في المائة من عدد من يعتزمون التصويت الأحد المقبل، وهو ما يجعل التكهن بنتائج هذه الانتخابات صعبا، رغم أن بعض المؤشرات تفيد بأن الصراع على المرتبة الأولى سيكون بين حركة النهضة الإسلامية التي يترأسها راشد الغنوشي الزعيم التاريخي للحركة، وحزب نداء تونس الذي يقوده الباجي قائد السبسي، رئيس الحكومة الأسبق والوزير في عهد الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة. ولعل ما زاد في صعوبة التكهن بنتائج الانتخابات المقلبة، غياب استطلاعات الرأي، حيث يمنع القانون الانتخابي وسائل الإعلام خلال الحملة الانتخابية أو حملة الاستفتاء وخلال فترة الصمت الانتخابي، بث ونشر نتائج سبر الآراء التي لها صلة مباشرة أو غير مباشرة بالانتخابات والاستفتاء، والدراسات والتعاليق الصحافية المتعلقة بها عبر مختلف وسائل الإعلام.

وكانت آخر استطلاعات للرأي حول نيات تصويت الناخبين التي نشرت في الأيام السابقة للحملة الانتخابية قد أظهرت تقدما طفيفا لصالح حركة النهضة الإسلامية على حزب نداء تونس أو العكس. وأعطت أغلب هذه الاستطلاعات المرتبة الثالثة للجبهة الشعبية (تحالف لأحزاب يسارية وقومية) بنسبة بعيدة جدا عن كل من حركة النهضة ونداء تونس، علما بأن نتائج هذه الاستطلاعات غالبا ما قوبلت بالتشكيك والاحتجاج من هذه الجهة أو من تلك وبالطعن في مصداقيتها وحرفيتها، وهو ما يجعل المجهول هو الصفة البارزة للانتخابات التشريعية في تونس، وذلك على حد قول أحد المتابعين للشأن السياسي التونسي هذه الأيام.