لبنان يعلن التوقف عن استقبال اللاجئين السوريين

وزير الشؤون الاجتماعية لـ «الشرق الأوسط»: لن نقبل بعد اليوم بأن نكون مستودعا للنازحين

رشيد درباس
TT

بانتظار ما سيصدر عن «مؤتمر برلين» الذي يعقد الأسبوع المقبل للبحث في أزمة النازحين السوريين، حضّر لبنان الورقة النهائية المفترض أن يقدّمها الوفد الوزاري برئاسة رئيس الحكومة تمام سلام في المؤتمر، والمتعلقة بسياسة لبنان الجديدة حيال قضية النزوح السوري.

وقد حظيت «الاستراتيجية»، التي ترتكز بشكل أساسي على وقف النزوح باستثناء الحالات الإنسانية الاستثنائية والطلب من مفوضية شؤون اللاجئين عدم تسجيل النازحين إلا بموافقة من وزارة الشؤون، على موافقة الحكومة في الجلسة التي عقدت أمس. كما اتفق الجميع على رفض التوقيع على اتفاقية اللجوء أو أي اقتراح يقضي بتحويل لبنان إلى «بلد لجوء» بعدما كان قد أُسقط خيار إنشاء مخيمات للاجئين بسبب عدم التوافق عليه من قبل كل الأفرقاء السياسيين.

وستأخذ هذه القرارات فورا طريقها للتنفيذ، وأهمّها إيقاف استقبال النازحين السوريين بشكل نهائي، وفق ما أكّد وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس، مشيرا إلى أنّ هذا الأمر لاقى إجماعا سياسيا لبنانيا وستكون قرارات الحكومة وسياستها حاسمة بهذا الشأن. واعتبر درباس أنّ التدخّل اللبناني المحدود في سوريا (في إشارة إلى «حزب الله»)، وفق تعبيره، أدّى إلى نتائج كارثية، كما ألغى النزوح الحدود بين البلدين لا سيّما على الجهة الشرقية، في منطقة البقاع. وحذّر من أن يصل لبنان إلى مرحلة يصبح هو وأبناؤه فيها تحت رعاية المنظمات الدولية إذا استمرّ الوضع على ما هو عليه، مؤكدا أنه لا يستطيع الصمود أشهرا قليلة.

وقال درباس «بعد مناقشات في لجنة الأزمة الوزارية توصلنا إلى صيغة نهائية ستعرض على الحكومة (اليوم) الخميس، وقد سبق أن أبلغنا المفوضية العليا لشؤون اللاجئين بأننا لن نقبل بعد اليوم أي نازح إضافي بعدما قارب عدد النازحين على المليوني نازح، وأصبحوا عبئا على الدولة والمجتمع». ورأى أنّه لم تعد هناك حاجة للنزوح من المناطق السورية التي لم تعد تشهد معارك، وبالتالي لن نقبل بعد اليوم بأن يكون لبنان مستودعا للنازحين ويتحمّل العبء الأكبر من بين كل الدول المجاورة لسوريا، وعلى المجتمع الدولي والعربي أن يتحمّل مسؤوليته، مضيفا «لم تعد لدينا الإمكانيات المادية والاجتماعية لاستيعاب المزيد»، وأعطى مثالا على ذلك بأن البنية التحتية في لبنان كانت قد أعدّت لتخدم حتى عام 2024، لكن وبفعل الكثافة السكانية في السنوات الثلاث الأخيرة يمكن القول إنها لم تعد صالحة.

وبينما أشار درباس إلى أنّ اقتراح إنشاء مخيمات على الحدود اللبنانية سحب من التداول بعدما لم يلق موافقة كل الأفرقاء السياسيين، أكّد أنّ لبنان يبقى مسؤولا عن كل إنسان موجود على أراضيه، وهو ما ينطبق على النازحين السوريين الموجودين في مختلف المناطق اللبنانية لا سيما في منطقة البقاع، حيث يوجد 1400 مخيم عشوائي، يعيش فيها نحو 18 في المائة من مجمل النازحين، لا سيما أن هؤلاء بحاجة إلى مساعدات خاصة على أبواب فصل الشتاء. وأضاف «من لا يستطيع الذهاب لن نجبره على ذلك، وسيحصل هؤلاء على الرعاية اللازمة التي تتولى مسؤوليتها المنظمات الدولية وعلى رأسها مفوضية شؤون اللبنانيين».

وأكّد درباس أنّ القرارات المتعلقة بالنازحين التي سبق أن اتخذتها الحكومة ستبقى سارية المفعول، لا سيّما تلك التي تمنع أي سوري يحمل صفة نازح غادر إلى سوريا من العودة إلى لبنان. وأوضح «النازح هو الذي يلجأ إلى بلد ما بسبب الأوضاع الأمنية، أمّا وقد استطاع أن يذهب إلى بلده، فهذا يعني أن السبب الأمني قد زال، علما بأن هناك مناطق عدّة في سوريا بالإمكان إعادة توطين السوريين في داخلها».

وعن تأثير النزوح على الصعيد الأمني في لبنان، أشار درباس إلى أنّ الجيش اللبناني والقوى الأمنية تقوم بدورها في هذا الإطار، لا سيما بعد المعارك التي شهدتها منطقة عرسال، وحاولت المجموعات السورية المتطرفة نقل المعركة إلى لبنان والاعتداء على الجيش. ولفت إلى أن وزير الداخلية أعطى تعليماته أخيرا إلى البلديات كي تقوم الشرطة التابعة لها بدور في إطار الأمن، وذلك في مواجهة الدعوات إلى التسليح الذاتي التي سمعناها في الفترة الأخيرة.

وقال «لطالما حذرنا من نتائج كارثية لكن الإهمال الدولي والانقسام اللبناني حيال التعامل مع هذه القضية لأسباب سياسية أدّى إلى ما نحن عليه الآن». وأضاف «أما اليوم فبات الجميع، بمن فيهم مسؤولون أميركيون في الشؤون الإنسانية، يتحدثون عن أنّ الأزمة السورية ستمتدّ إلى سنوات، فيما أنا أؤكّد أننا لا نستطيع الصمود أشهرا قليلة».

وفي حين أمل درباس أن تُتخذ في مؤتمر برلين قرارات مهمّة من شأنها مساعدة لبنان على تخطي الأزمة التي يرزح تحتها نتيجة اللجوء السوري، أشار إلى أنّ الوفد اللبناني سيقدّم وجهة نظره في هذا الشأن، لافتا إلى أنّ هناك شبه توافق بين موقفي لبنان والأردن، على اعتبار أنّهما يتشاركان الهموم نفسها في هذه القضية.

وهو الأمر الذي أشار له أمين عام المنظمة العربية الأورومتوسطية ومقرها ألمانيا، عبد المجيد العيادي، متوقعا أنّ يأخذ موضوع اللاجئين السوريين في مؤتمر برلين منحى جديدا من خلال القرارات المتوقع اتخاذها لا سيما لجهة التشديد على أهمية الالتزام بالتعهدات من قبل الدول المشاركة وإيجاد آليات مشتركة لطريقة التنفيذ. ورأى العيادي، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أنّه قد تشكّل لجان لمتابعة ومراقبة عمل الهيئات المتخصصة في الدول المضيفة لا سيما لبنان والأردن. وهذا ما يحتم، برأيه، على السلطات الرسمية التشدد في مراقبة الأساليب المعتمدة ونوعية الخدمات المقدمة إلى اللاجئين. وأضاف «بحكم علاقاتنا وعملنا مع أصحاب القرار في كل من أوروبا والدول العربية تأكّد لدينا أنّ الطرق التي تعتمد في توزيع المساعدات والإغاثة غير سليمة، وتكون في معظم الأحيان على حساب اللاجئ»، وأوضح أنّ عمليات الإغاثة والإعانات توزّع بعقود التراضي بين الجهات المخولة بالدفع والمؤسسات التجارية والجمعيات، يضاف إلى ذلك عامل آخر وهو نوع الخدمات المقدمة والتي عادة ما تكون دون المستوى المطلوب أو الشروط المتفق عليها مسبقا.