العلاج بالخلايا الجذعية.. بين النجاح والفشل

إنجازات صغيرة قد تحقق آمال المرضى

TT

إدغار إرازتورزا كان في الواحدة والثلاثين من العمر، عندما توقف قلبه في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2008. وإرازتورزا الذي يعمل في حقل العقارات في ميامي في أميركا كان يمارس رياضة الرقص، والمصارعة قبل مرضه، عندما كان في المدرسة الثانوية. لكن في الفترة الأخيرة ازداد وزنه كثيرا. وأثناء ممارسته الرياضة في أحد الأيام شعر بضيق تنفس، فأصر على أصدقائه ليحملوه إلى المستشفى، وبعد دقائق توقف نبضه. لكن، بعد نجاته من نوبته القلبية، أثرت الندبة على نسيج قلبه، فخفضت قدرته على ضخ الدم بمقدار الثلث، ولم يعد قادرا على حمل أطفاله، وتوقف عن الرقص، وعندما كان يخلد إلى النوم كل ليلة، كان يتساءل ما إذا كان سيفيق ويستيقظ في صباح اليوم التالي.

وقد دفعه اليأس إلى التطوع لكي يخضع لبحث طبي غير عادي، ألا وهو حقن خلايا جذعية مباشرة في قلبه ذاكرا «وثقت بأطبائي وبالعلوم التي تكمن وراء ذلك، ورأيت أن هذه هي فرصتي الوحيدة».

وعبر السنين، وعن طريق دراسة الخلايا الجذعية في الأوعية المختبرية، وعلى الحيوانات، والمرضى الذين يتحلون بالشجاعة والإقدام من أمثال إرازتورزا، تمكن الباحثون من تقريب تنفيذ الوعود والآمال الغامضة المبالغ بها حول العلاج بالخلايا الجذعية قريبا من الواقع.

وكان هذا الأسلوب من العلاج قد دخل في أذهان الناس في أوائل الـتسعينات، وبأنه قادر على التغلب على أمراض مثل أوجاع الظهر، والضمور والانحلال، مثل مرض «ألزهايمر»، وتنمية أجزاء جديدة لمعالجة حالات، كالعمود الفقري وإصاباته. لكن التقدم كان بطيئا، مما دفع مؤسسات مثل مؤسسة «مايكل فوكس» لأبحاث «باركنسون» التي كانت من أوائل الداعمين لأبحاث مثل هذه، إلى سحب دعمها المالي قبل سنتين، قائلة إنها تفضل استثمار الأموال في أبحاث تكون أقرب إلى تأمين مساعدات فورية لضحايا هذا المرض.

بيد أن الباحثين شرعوا يدركون ببطء كيفية استخدام هذه الخلايا بأفضل طريقة ممكنة، وما هي الأنواع الواجب استخدامها، وكيفية إدخالها ووضعها في الجسم، بعدما وجدوا أنها ليست قادرة إفراديا على إحداث التحول المطلوب، لكن بأسلوب تصاعدي وتدرج واقعي وعملي.

وهنالك حاليا نحو 4500 عيادة للتجارب السريرية في الولايات المتحدة لعلاج مرضى مصابين بأمراض القلب، والعمى، و«باركنسون»، والإيدز، والسكري، وسرطان الدم، وإصابات العمود الفقري، وغيرها من حالات كثيرة.

وأظهرت الدراسات الأولية أن العلاج بالخلايا الجذعية يمكن إجراؤه بطريقة سلمية، كما يقول الدكتور إلين فيغال كبير نواب رئيس قسم الأبحاث والتطوير في معهد كاليفورنيا للطب التجديدي، الذي هو عبارة عن إدارة تابعة للولاية للخلايا الجذعية، التي نالت أكثر من ملياري دولار للإنفاق على أبحاثها منذ عام 2006. والتي تعالج مرضى موزعين على 10 عيادات تجريبية خلال العام الحالي.

والفكرة من الخلايا الجذعية التي يجري جمعها من الأجنة أنها قد تتحول إلى أي من خلايا الجسم بأنواعها الـ200. وهي تعيش نظريا فترة عيش جسد الإنسان، خلافا لغالبية الخلايا. وهي قد تعمل ببساطة عن طريق حقنها مثلا في الدماغ الذي شرعت خلاياه تموت، لتقوم هي افتراضيا بالنمو والحلول محلها. والشيء ذاته ينطبق على العضلات، والدم، والأعضاء، والعظام. ونظريا فهي تقوم بأعمال الترميم والتعويض عن القديم والمفقود بنموها من جديد.

لكن الحماس لهذا العلاج قد يتعدى العلم، فعندما جرى حقن ريك بيري حاكم تكساس بخلايا جذعية بالغة في عموده الفقري في عام 2011 بعد إصابته في الظهر، وكان جراحوه لم يختبروا هذا الأسلوب من قبل. لكن تبين فيما بعد، وفقا لمجلة «نيوإنغلند» الطبية، أن العملية هذه التي روجها عدد من الرياضيين لم تنفع، تماما مثل وعود أطباء الجلد الذين يعدون ببشرة ناعمة ملساء، أو قيام المنتجعات الطبية والحمامات الصحية بتقديم وعود بمعجزات طبية التي نتيجتها وضع المريض في حالة أشد خطورة.

ومثل هذه الأخبار، قد تعني أن الأبحاث في الخلايا الجذعية متقدمة أكثر مما تبدو، كما يقول الدكتور تشارلز مري المدير المشارك في معهد الخلايا الجذعية والطب التجديدي في جامعة واشنطن، في حيث لـ«نيويورك تايمز».

وطالما تركت بعض المواقع الماكرة على الشبكة الإلكترونية التي تعلن عن علاجات بالخلايا الجذعية انطباعا بأن مثل هذه العلاجات جاهزة للاستخدام، لكن المشكلة الوحيدة هي الحكومات والأطباء الأشرار الذين يفصلون بين الأفراد، والعلاج المنقذ للأرواح، وفقا إلى مري الطبيب المتخصص بأمراض القلب والشرايين. وفي الواقع وباستثناء زراعة النخاع، فإن القليل من أساليب العلاج هذه أظهر فعاليته، كما يضيف: «فغالبية هذه المواقع هي دجالة ومزيفة»، على حد تعبيره.

وكان الباحثون في جامعة «هارفارد» بالتعاون مع مستشفى «برغهام والنسائية» في بوسطن، الذين يعملون مع العلماء اليابانيين، قد أعلنوا عن إنجاز كبير في إنتاج خلايا جذعية قوية عن طريق استخدام حمام حمضي بسيط، لكن بعد شهور قليلة، ووسط مزاعم عن سوء سلوك علمي، قامت مجلة «نتشر» بالتراجع عن هذا الإعلان. وأعقب ذلك أيضا سحب الكثير من ادعاءات الإنجاز من قبل مجلات ونشرات مثل «سيركيوليشن» و«لانسيت».

واليوم ما يزال العلماء يستخدمون الخلايا الجذعية المأخوذة من الأجنة التي تعتبر المقياس الذي تقارن به الخلايا الجذعية الأخرى، بيد أن الطب بات أقل اعتمادا عليها.

وفيما يتجاوز أساليب العلاج المباشرة، تقوم الخلايا الجذعية بتوفير عدد وأدوات جديدة للباحثين في المختبرات، وذلك عن طريق استخدام الخلايا المنتجة من المرضى الذين يعانون من علل معينة، وبذلك يمكن إعادة إنتاج أمراض ودراستها في الأوعية المختبرية. ويستخدم كيفين إيغان الذي يعمل أيضا في معهد الخلايا الجذعية في «هارفارد» هذا الأسلوب لدراسة مرض التصلب الجانبي الضموري amyotrophic lateral sclerosis (ايه إل إس ALS)، أو مرض «لو غيهريغ» Lou Gehrig’s disease. فقبل 5 سنوات، قام بأخذ خلايا جلدية من امرأتين على وشك الوفاة من هذا المرض الوراثي وحولها إلى خلايا جذعية وبعد ذلك إلى خلايا عصبية، ولاحظ أن هنالك مشكلة كهربائية. فهذه الخلايا كانت لا تتبادل الإشارات فيما بينها بصورة صحيحة، وهذا ما سبب ربما الضمور العصبي، المسبب بدوره لمرض «ايه إل إس».

وقام بنسخ هذه الخلايا العصبية آلاف المرات، ثم اختبر آلاف المركبات الدوائية لمعرفة أي منها قادر على معالجة مشكلة الإشارات الكهربائية، فوجد مرشحا منها يستخدم حاليا لعلاج داء الصرع. وسيجري اختبار هذا العقار على مرضى «ايه إل إس» قبل نهاية العام الحالي. وهكذا فوجود خلية عصبية في وعاء هو أكثر سهولة وبساطة من دراسة المرض على البشر، الذي يضم الجسد الواحد منهم تريليونات من الخلايا والنظم المتشابكة.

وكعودة إلى الاختبار الذي تطوع إرازتورزا الخضوع له في جامعة ميامي، أظهر أن القلب الذي يحقن بخلاياه الجذعية، من شأنه ترميم ذاته، لا بل وجد أن المرضى تحسنوا أيضا بالنسبة ذاتها، إذا ما جرى حقنهم بخلايا جذعية مأخوذة من إنسان آخر، وأن أجسادهم لم ترفضها بسبب نظام المناعة. وقد قام الباحثون بأخذ خلايا بالغة، يعتقد أنها جذعية، من نخاع عظم إرازتورزا وأدخلوها بالقسطرة مباشرة في قلبه. واليوم يقول الأطباء له، إن قلبه يتعافى، وفي طريقه إلى الشفاء، وقد عاد إلى صحته السابقة حتى الآن بنسبة الثلث.

إذن كالحرب على السرطان التي أعلنت عام 1971. والتي لم تحقق أهدافها كلها، لكن آلاف الناس هم أحياء اليوم بسبب الانتصارات الصغيرة التي تحققت، والذين سيزداد عددهم مع مرور كل سنة، كذلك الأمر مع العلاج بالخلايا الجذعية الذي سيستغرق بعض الوقت، لكن إذا نظرنا إلى 20 سنة من الآن، فإن الطب وصحة الإنسان سيتأثران به حتما.