أوكرانيا تختتم حملتها الانتخابية.. وبوتين يكشف عن كواليس فرار يانوكوفيتش

كتلة الرئيس بوروشينكو تتجه للفوز بالاقتراع.. وتطبيق إصلاحاته لفترة ما بعد الحرب

أوكرانيون يمرون أمام إعلانات انتخابية في مدينة سلافيانسك بشرق البلاد أمس (رويترز)
TT

اختتمت أوكرانيا أمس الحملة الدعائية للانتخابات التشريعية المبكرة المقررة يوم غد، والتي يتوقع أن يعزز خلالها الموالون للغرب الذين انبثقوا عن حركة الاحتجاج في وسط كييف سلطتهم في أوج أزمة مع روسيا في الشرق الانفصالي.

وتجري الانتخابات في فترة صعبة جدا لهذه الجمهورية السوفياتية السابقة الطامحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي والتي خسرت القرم في مارس (آذار) الماضي بعدما انضمت إلى روسيا، وتواجه حركة تمرد مسلحة موالية للروس في حوض الدونباس، في نزاع أوقع أكثر من 3700 قتيل منذ منتصف أبريل (نيسان) الماضي.

وعشية الاقتراع التشريعي في أوكراني، كشف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمس عن بعض الكواليس التي سبقت الإطاحة بالرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانوكوفيتش في فبراير (شباط) الماضي. وأشار بوتين الذي كان يتحدث في ختام أعمال منتدى «فالداي» في منتجع سوتشي، إلى ما قامت به موسكو حين استجابت لإرادة سكان القرم وما أسفرت عنه نتائج الاستفتاء الشعبي هناك بالاستقلال والانضمام إلى روسيا الاتحادية على نفس النحو الذي جرى في كوسوفو وبما يتفق مع المادة الثانية في ميثاق الأمم المتحدة حول تقرير المصير. وكشف بوتين عن الكثير من ملابسات اللحظات الأخيرة التي جرت قبيل ما وصفه «بالانقلاب» في أوكرانيا. وقال إنه نصح الرئيس السابق فيكتور يانوكوفيتش بعدم مغادرة كييف بعد التوقيع على وثيقة التسوية مع زعماء المعارضة بضمان من وزراء خارجية ألمانيا وفرنسا وبولندا، لكنه لم يستمع إلى النصيحة، بل وأمر القوات الحكومية بإخلاء العاصمة وهو ما كان في مقدمة أسباب اندلاع الفوضى المسلحة واستيلاء المتظاهرين على مقار الرئاسة والحكومة في العاصمة الأوكرانية، فيما جرت ملاحقة يانوكوفيتش حين كان في طريقه إلى خاركوف. وقال بوتين إن الجانب الروسي ساعد يانوكوفيتش في الوصول إلى القرم هربا من ملاحقة المعارضة.

وحول اعتراف روسيا بأوكرانيا كدولة مستقلة في حدودها الحالية قال بوتين إن موسكو لا تتراجع عن هذا الاعتراف، وإن أشار إلى اتفاقه مع كل من يستشهد بالتاريخ الذي يقول إن الكثير من الأراضي الأوكرانية كانت أراضي روسية حتى عام 1922 حين أقرت السلطة السوفياتية آنذاك نقل تبعية منطقة الدونباس وهي التي تسمى اليوم «نوفوروسيا» (لوغانسك ودونيتسك) لأنها كانت تتخذ من ميناء نوفوروسيسك القريب منها عاصمة لهذه المناطق، فضلا عن الكثير من مناطق خاركوف وخيرسون وغيرها والتي جرى نقل تبعيتها الإدارية إلى أوكرانيا الجديدة في إطار تقوية مواقع البلاشفة من خلال نفوذ البروليتاريا. أما عن غرب أوكرانيا فقال بوتين إن ذلك ليس سرا لأحد لأن لفوف والكثير من مناطق غرب أوكرانيا اقتطعت من بولندا والمجر مقابل ضم أراض ألمانية إلى بولندا في الغرب. وطالب بوتين، من ناحية أخرى، الاتحاد الأوروبي إلى الاضطلاع بمسؤولياته في أوكرانيا، مشيرا إلى ضياع فرص الاستفادة بكل ما طرحته موسكو للتعاون من أجل الخروج من الأزمة الأوكرانية بما في ذلك اقتراحاتها حول مسألة الغاز.

من جهة أخرى، أعلنت مفوضية الأمم المتحدة العليا للاجئين، من مقرها في جنيف، أمس أن أكثر من 824 ألف شخص اضطروا لترك منازلهم في أوكرانيا بسبب النزاع منذ مطلع السنة. وقالت المفوضية إن 430 ألف شخص نزحوا داخل البلاد فيما فر 387 ألفا إلى روسيا وطلب 6600 اللجوء إلى الاتحاد الأوروبي و581 إلى بيلاروسيا.

يذكر أن عملية السلام التي أطلقها الرئيس الأوكراني لم تكن كافية لوقف المعارك بشكل كامل فيما يستعد الانفصاليون الذين يسيطرون على قسم من منطقتي دونيتسك ولوغانسك لتنظيم انتخاباتهم في موعد منفصل هو الثاني من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. وتم التوصل إلى وقف لإطلاق النار في مطلع سبتمبر (أيلول) الماضي بين كييف والمتمردين بمشاركة روسيا، لكن معارك قوية تتواصل في بعض جيوب المقاومة وتتسبب بمقتل مدنيين بشكل يومي تقريبا. وفي دونيتسك سمع دوي مدفعية أمس في منطقة المطار، إحدى النقاط التي كانت محور المعارك في الأسابيع الماضية. ويتوقع الانفصاليون والسلطات في كييف استئناف المعارك قريبا حسبما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن ممثليهم أمس.

من جهته، دعا الرئيس بوروشينكو على حسابه على «تويتر» الأوكرانيين إلى التصويت بكثافة «لإنجاز تشكيل السلطة الجديدة الذي بدأ في يونيو (حزيران) مع توليه مهامه خلفا للرئيس السابق يانوكوفيتش الذي فر إلى روسيا منذ فبراير الماضي.

وتتقدم كتلة الرئيس بترو بوروشينكو الذي انتخب في مايو (أيار) الماضي بوعد بإرساء السلام في الشرق، في استطلاعات الرأي بنسبة أكثر من 30 في المائة من نيات الأصوات وبعده تنظيمات أخرى موالية للغرب. ويأمل الرئيس في تشكيل «غالبية دستورية» في ختام هذه الانتخابات تتيح له القيام بالإصلاحات الضرورية في هذا البلد الذي يشهد فسادا وانكماشا عميقا بسبب النزاع المسلح.

وللمرة الأولى في تاريخ أوكرانيا ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، يتوقع أن تهيمن على البرلمان كتلة موالية للغرب بسبب تصاعد المشاعر المناهضة لروسيا فيما لن يتمكن نحو 5 ملايين من أصل 36.5 مليون ناخب من التصويت، وهم المقيمون في القرم والمناطق المتمردة في الدونباس الذي يعتبر تقليديا مواليا للروس.

وعند إعلانه عن حل البرلمان، قال بوروشينكو إنه ليس بإمكانه أن يحكم مع مجلس نواب يدعم سلفه الرئيس المؤيد لروسيا فيكتور يانوكوفتيش الذي تخلى عن اتفاق شراكة مع الاتحاد الأوروبي من أجل التقارب مع روسيا وقمع حركة الاحتجاج التي ادت في نهاية المطاف إلى إسقاطه. وهو ينتقد أيضا قسمًا من النواب ال 450 الذي انتخبوا في 2012 لدعمهم الانفصاليين الذين تدعمهم روسيا، بحسب ما تقول كييف والغرب.

ويمكن ان يتجاوز تنظيمان من ورثة «حزب المناطق» الذي كان يرأسه الرئيس المخلوع فيكتور يانوكوفيتش، «أوكرانيا قوية» و«كتلة المعارضة» عتبة ال 5% اللازمة لدخول البرلمان لكن لا يتوقع ان يحظى الشيوعيون بتمثيل. والبرلمان الجديد يمكن أن يضم في المقابل عدة صحافيين شبان وناشطين برز دورهم خلال حركة الاحتجاج الهادفة للتقارب مع أوروبا في ساحة الميدان في كييف وأصبحوا حاليا على لوائح أبرز التنظيمات وكذلك متطوعين قاتلوا في الشرق ويريدون اسماع «صوت الجبهة» في البرلمان.

وبعد الانتخابات التشريعية، ستكون المهمة الأولى لرئيس الدولة تشكيل تحالف متين قادر على اعتماد إجراءات التقشف الصعبة التي يطالب بها المانحون الدوليون، وفي مقدمهم صندوق النقد الدولي والمفوضية الأوروبية. وحذر رئيس الوزراء الأوكراني ارسيني ياتسينيوك أول من أمس من أن أوكرانيا يجب ان تسعى عند انتهاء الانتخابات التشريعية للحصول على مساعدة إضافية من صندوق النقد الدولي. وقال «يجب ان نشكل في اسرع وقت ممكن حكومة جديدة وان ندعو بعثة من صندوق النقد الدولي». وأضاف «نحن بحاجة للمزيد من المساعدة».

ومع اقتراب فصل الشتاء، على كييف المحرومة من الغاز الروسي منذ يونيو الماضي أن تحل أيضا بشكل طارئ الخلاف حول الغاز مع موسكو الذي يمكن أن يعطل الإمدادات إلى أوروبا. وفي هذا السياق، دعت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل الرئيس الروسي أثناء مكالمة هاتفية أمس إلى التدخل للتوصل إلى حل سريع للخلاف بين بلاده وأوكرانيا بشأن الغاز مع اقتراب فصل الشتاء. وأكدت ميركل كذلك أن الانتخابات المقبلة في شرق أوكرانيا التي يسيطر عليها الانفصاليون الموالون لروسيا يجب ان تحترم قانون البلاد.

وبشأن المحادثات التي تجري بوساطة الاتحاد الأوروبي لحل الخلاف المرير بين روسيا وأوكرانيا حول سعر الغاز، دعت ميركل بوتين إلى «تقديم الدعم الحاسم للبحث عن حل سريع قبل الشتاء». ومن المقرر أن يعقد اجتماع جديد الأسبوع المقبل وسط مخاوف من ان توقف موسكو خلال الأشهر المقبلة امدادات الطاقة لأوروبا التي تحصل على ثلث امداداتها من الغاز الروسي يمر نصفها تقريبا عبر أوكرانيا. يذكر ان روسيا الخاضعة لعقوبات غربية غير مسبوقة تواجه أيضا عواقب كبرى يخلفها النزاع على اقتصادها. وقد تراجع الروبل الروسي أمس مجددًا أمام اليورو والدولار وذلك على خلفية الأزمة الأوكرانية والعقوبات الاقتصادية على موسكو بالإضافة إلى تراجع أسعار النفط.