جدة آخر محطات الحجاج المغادرين وقبلة الباحثين عن الهدايا والتذكارات

7 أسواق شعبية يحتضنها وسط البلد

«باب جديد» إحد البوابات الأثرية التي تطل على عالمين (جدة الجديدة والحديثة) وتعد مزارا للسياح ومتنفساً للأهالي.. في حين ينتمي المتسوقون في أسواق جدة القديمة لجنسيات مختلفة (الشرق الأوسط)
TT

تشعر وأنت تدلف إلى وسط جدة غرب السعودية، أو ما يعرف بمنطقة وسط البلد، أنك في تجمع دولي متنوع الأجناس واللغات، يجوب أزقة وحواري المدينة القديمة التي تحتضن أحد أهم الأسواق الشعبية والمباني التاريخية العتيقة التي يتجاوز عمرها مئات السنين.

هذا الشعور ينتاب كل القادمين من خارج المدينة للسوق العتيق، فيما يراه سكان المدينة القابعة على شواطئ البحر الأحمر، أمرا اعتياديا أن يلتقوا بأكثر من 130 جنسية مع نهاية كل عام هجري، قبل مغادرة هذه الملايين للأراضي السعودية بعد أداء مناسك الحج، في منطقة لا تزيد مساحتها على 5 كيلومترات، لتكون هذه المنطقة آخر الذكريات قبل الرحيل لديارهم، ومرتع الباحثين عن الوفاء والهدايا ما بين المساحات الضيقة والأزقة. وكلما تجولت وسابقت الجموع نحو العمق التاريخي، تحديدا وأنت قادم من شارع «قابل»، أحد أهم الأسواق الشعبية التي نشأت قبل 80 عاما ويكثر فيها بيع الملابس ومنافذ استبدال وتحويل العملات «الصرافة»، واقتربت من بيت «نصيف» وأنت تسير نحو الشرق للمنطقة الأثرية، يلفت ناظريك ومضات «الفلاش» الصادر من كاميرات التصوير أو الهواتف المحمولة بأيدي جنسيات متعددة من قلب أوروبا إلى وسط الكرة الأرضية في القارة السمراء، إلى الأجسام النحيلة والملامح الآسيوية.يقول زادي محمد، القادم من الهند، إن جولتي في هذه المنطقة «تذكرني كثيرا ببعض الأسواق الهندية القديمة التاريخية، ولا سيما تقارب منافذ البيع وضيق الممرات في الشوارع الجانبية للسوق، إضافة إلى تنوع البضائع المعروضة للبيع ذات الأسعار المغرية التي تقل عما يعرض في مواقع أخرى مثل المجمعات التجارية الكبرى».

وقبل الخروج من السوق الطولي «شارع قابل» ينعطف الكثير من السياح يسارا قبل بلوغ القمة التاريخية، متجهين نحو سوق «الندى» الذي تأسس قبل ما يربو على 150 عاما، بحسب أمانة مدينة جدة، داخل أسوار المدينة القديمة، لشراء الملابس التقليدية من أثواب وأشمغة وعقال وجلابيب نسائية تشتهر بها السوق؛ إذ تنتشر قرابة 500 منفذ تجاري في سوق «الندى» تقدم كافة الملابس التقليدية السعودية. ويعد التجول في سوق «الندى»، رحلة بحد ذاتها؛ إذ ينتهي السائح أو الزائر للمدينة من التسوق وشراء حاجيته من الكماليات والملبوسات، حتى يجد نفسه بين أكبر التجمعات لبيع المأكولات الشعبية، طوعا دون إرادة منه؛ إذ أجبرت روائح الطهي المنبعثة من آخر سوق «الندى» إلى دفع الزائرين لمتابعة مصدر الروائح حتى يكتشفوا أنهم بين طباخي رؤوس المندي، والأسماك الطازجة مع الأرز «البني» المعروف لدى الجداويين بـ«الصيادية»، وهي أكثر الطبخات السعودية التي يستهلك فيها البصل بكميات كبيرة، وإحدى الأكلات الشعبية التي يقبل عليها الزائر.

وبحسب إحصائيات غير رسمية، فإن عدد الزائرين للسوق يصل يوميا إلى ما يقرب من 3 آلاف زائر من مختلف الجنسيات، ويزداد هذا العدد مع نهاية كل بيع فساتين السهرة، بأسعار منافسة تقبل عليها الأسر السعودية وزوار المدينة. ويوضح جادي بلال (من السنغال)، أن قدومه إلى السوق كان برفقة مجموعة من الأصدقاء الذين زاروا سوق «الندى»: «وأنا هنا لشراء ملابس جاهزة لزوجتي وأبنائي ولا سيما ملابس السهرة، ولا أخفي عليك أن رائحة المأكولات المنبعث من آخر السوق دفعني أن أستقطع وقتا لتذوق هذه الأطعمة».

ويقبل الآسيويون والأفارقة على وجبة رؤوس المندي، وهي طهي رؤوس الماشية والتيوس، على وجه التحديد، بوضعها فيما يعرف باسم «الميفا»؛ وهي حفرة بعمق متر أو يزيد، مغلقة توضع بداخلها الرؤوس، وتغطى بالجمر لفترة طويلة يحددها الطاهي الذي يعرف الوقت المناسب لإخراج هذه الرؤوس وعرضها للبيع، فيما يقوم «الشيف» باستخراج اللحم الموجود على رأس الماشية بعد استوائه، والمخ ويقدم في طبق مع سلطة «الطحينة» ويؤكل بالعيش أو الأرز. وبعد الانتهاء من هذه الوجبة يكون الاختيار للزائر لهذه المواقع أما التوجه صوب المنطق التاريخية مباشرة أو التجول ما بين سوق العلوي والخاسكية، انتهاء بسوق البدو، الذي يعد أولى محطات القادمين من الناحية الشرقية للمدينة القديمة، وهو مقصد سكان القرى والبدو المنتشرين على خريطة منطقة مكة المكرمة منذ ما يزيد على 140 عاما، لشراء حاجاتهم من السلع المتمثلة في الأقمشة بكل أشكالها وأنواعها (البراقع، والعباءات، والحبال)، وأنواع محددة من البهارات والزعفران والقرفة، وأنواع من السلع الأساسية كالأرز، والقمح، ودكاكين النحاسين المتخصصين في صناعة الدلاء والقدور.

وتشهد هذه السوق تواجد عدد كبير من الأوروبيين ومن الدول العربية، وهم يتجولون بين أزقة هذا السوق العتيق، ويقبلون على شراء التحف والدلاء القديمة، وبعض الملبوسات التراثية، ومنهم من يعمد لشراء البهارات والتوابل الشرقية. تقول أم محمد (من تونس)، إن «ما يميز هذا السوق هو تنوع المعروضات القديمة من الملابس إلى المواد الأساسية في الطهي، وأحرص كلما قدمت أنا أو أحد أفراد عائلتي على شراء البهارات بكميات كبيرة؛ إذ أعتمد عليها كثيرا في تحضير الطعام». ورويدا رويدا تجد نفسك في أحضان التاريخ، فما أن تطأ قدماك ساحة نصيف، ستتوقف أمام البنايات القديمة والعرض التقليدي للمنتجات والسلع الاستهلاكية، في ممر لا يتجاوز عرضه 3 أمتار ينتهي على أطراف سوق باب مكة، وخلال هذه المدة لا تجد أو ترصد سوى عمليات التصوير والسؤال عن هذا المكان أو ذاك. يقول العم سعد باسلوم، أحد مالكي منافذ البيع في المنطقة التاريخية، إن «هذا المنظر نألفه مرتين في كل عام، مع نهاية موسم الحج أو العمرة، ويغلب على موسم العمرة الجاليات العربية التي تأتي إلى هذه المواقع التاريخية للشراء والاستمتاع بأوقات مشابهة لما عليه في بلادهم، خصوصا في شهر رمضان».

وأضاف أن «موسم الحج يجلب الكثير من الزوار من مختلف الجنسيات، وتلاحظ أن الاحتكاك أجبر أصحاب المحلات التجارية على معرفة بعض اللغات أو جزء منها، لكي يتخاطب بها وإيصال المعلومة الصحيحة للزائر حول نوع البضاعة وسعرها»، لافتا أن «الكثير من الجنسيات العربية والغربية تفد في هذه الفترة للتسوق في المنطقة التاريخية».