التونسيون يصوتون اليوم في ثاني اقتراع تشريعي منذ إطاحة بن علي

رئيس الحكومة: تجربتنا مستهدفة والإرهاب لن يعيقنا عن تحقيق غايتنا

موظفون تابعون لهيئة الانتخابات يتسلمون صناديق الاقتراع من أعوان الجيش في إحدى النقاط الانتخابية في ولاية نابل بتونس أمس (أ.ف.ب)
TT

يتوجه اليوم نحو 5 ملايين و285 ألفا و160 ناخبا تونسيا إلى صناديق الاقتراع للمشاركة في ثاني انتخابات برلمانية تجري بعد ثورة 2011. وسيدعى التونسيون لتجديد أعضاء البرلمان التونسي (المجلس التأسيسي الحالي) واختيار 217 نائبا برلمانيا يمثلونهم في الغرفة النيابية خلال الخمس سنوات المقبلة.

قال مهدي جمعة رئيس الحكومة التونسية إن «تجربة تونس الديمقراطية مستهدفة»، مؤكدا خلال زيارة أداها، أمس (السبت)، إلى مقر الهيئة الفرعية للانتخابات بمحافظة نابل (60 كلم جنوب شرقي العاصمة التونسية)، إن «تونس ماضية قدما في بناء الديمقراطية، ولن يعيقها الإرهاب عن تحقيق هذه الغاية». وتأتي تصريحات جمعة عشية الانتخابات التشريعية التي تجري اليوم في تونس، وبعد قيام قوات الأمن باقتحام منزل كان يتحصن به مسلحون بمنطقة «وادي الليل» من محافظة منوبة (30 كلم غرب العاصمة التونسية) بعد أكثر من 24 ساعة من الحصار والمفاوضات، مما أدى إلى مقتل أحد المسلحين و5 نساء وجرح طفل.

وتجري الانتخابات التشريعية في تونس اليوم في ظل إجراءات أمنية مشددة، حيث أعلن وزير الدفاع غازي الجريبي أن «80 ألف عنصر من وحدات الأمن والجيش والحرس والديوانة سيشاركون في تأمين الانتخابات اليوم»، داعيا التونسيين إلى «الإقبال بكثافة على صناديق الاقتراع».

تجري الانتخابات التشريعية في تونس اليوم، وتتنافس أكثر من 1300 قائمة حزبية وائتلافية ومستقلة من أجل الفوز بـ217 مقعدا في مجلس نواب الشعب (البرلمان التونسي). كانت عمليات الاقتراع في الخارج انطلقت، منذ أول من أمس (الجمعة)، لتتواصل حتى اليوم (الأحد). ويبلغ عدد المسجلين على قوائم الناخبين أكثر من 5 ملايين ناخب. وتمثل نسبة المشاركة المنتظرة أحد أهم رهانات هذه الانتخابات، حيث هناك مخاوف من ضعف إقبال الناخبين على التصويت.

وانطلقت العملية الانتخابية في الخارج منذ يوم الخميس الماضي، وتتواصل لمدة ثلاثة أيام خارج تونس، في حين أن الانتخابات البرلمانية داخل البلاد تجري اليوم وخلال يوم واحد.

وأعدت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات (الهيكل المشرف على الانتخابات الرئاسية والبرلمانية) العدة لإنجاح ما بقي من مرحلة الانتقال الديمقراطي، في ظل تخوف من حصول عمليات إرباك للمسار الانتخابي وكذلك من إمكانية عزوف التونسيين عن المشاركة نتيجة تراجع منسوب الثقة في الطبقة السياسية.

وجندت وزارتا الداخلية والدفاع قرابة 80 ألف عنصر لتأمين الانتخابات وإنجاحها. وستنتشر قوات الأمن والجيش على نحو 11 ألف مكتب اقتراع موزعة على 27 دائرة انتخابية.

وعلى الرغم من حالة الانفتاح السياسي ووصول عدد الأحزاب المرخص لها حدود 194 حزبا سياسيا، فإن عدد الأحزاب السياسية التونسية التي تقدمت في كل الدوائر الانتخابية خلال الانتخابات البرلمانية التي تجري اليوم، لم يتجاوز خمسة أحزاب فقط، وهو ما عده المتابعون لمرحلة الانتقال السياسي في تونس «ضئيلا للغاية»، بالمقارنة مع عدد الأحزاب التي حازت على تراخيص قانونية بعد الثورة.

وتشمل اللائحة النهائية للأحزاب التي تمكنت من التقدم في الانتخابات البرلمانية بل الدوائر حركة النهضة (حزب إسلامي يتزعمه راشد الغنوشي)، وحركة نداء تونس (حزب ليبرالي يترأسه الباجي قائد السبسي)، وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية (حزب وسطي أسسه المنصف المرزوقي، ويتزعمه حاليا عماد الدايمي)، بالإضافة إلى حزب تيار المحبة (حزب قومي يترأسه الهاشمي الحامدي)، والاتحاد الوطني الحر (حزب ليبرالي بزعامة سليم الرياحي).

ويبلغ عدد الدوائر الانتخابية في تونس 33 دائرة انتخابية من بينها 27 داخل البلاد و6 موزعة على التونسيين في الخارج، وتتنافس 1327 لائحة انتخابية مرشحة للانتخابات البرلمانية على 217 مقعدا برلمانيا، ووفق نتائج أحدث استطلاعات الرأي التي أجريت في تونس، فإن حركة نداء تونس تُعدّ مرشحة لأن تكون أبرز منافس سياسي لحركة النهضة في هذه الانتخابات.

يذكر أن «نداء تونس» تأسست منتصف شهر يونيو (حزيران) 2012 ولم تشارك بالتالي في انتخابات المجلس التأسيسي التي جرت يوم 23 أكتوبر (تشرين الأول) 2011 والتي فازت فيها «حركة النهضة» بأغلبية الأصوات وحصلت على 89 مقعدا برلمانيا من إجمالي 217.

وأبرز أحدث استطلاع للرأي أجرته إحدى المؤسسات التونسية المختصة وشمل الفترة الزمنية الممتدة بين 7 و11 أكتوبر الحالي، أن 86.2 في المائة ينوون التصويت في الانتخابات البرلمانية مقابل 6.1 في المائة لا ينوون المشاركة.

ولا تزال المنافسة على أشدها بين حركة النهضة (حزب إسلامي) وحركة نداء تونس (حزب ليبرالي) إذ احتلت الحركتان المراتب الأولى وتبعتهما الجبهة الشعبية (تجمع 11حزبا يساريا وقوميا) بزعامة حمة الهمامي في المرتبة الثالثة، وحل الاتحاد الوطني الحر (يرأسه سليم الرياحي) وحزب المبادرة (بزعامة كمال مرجان) في المراتب الموالية.

لكن متابعين للمشهد السياسي التونسي يتوقعون حدوث مفاجآت مثل تلك التي حصلت عليها العريضة الشعبية بزعامة الهاشمي الحامدي في انتخابات 2011 بحصولها على المرتبة الثالثة دون أن يكون للتونسيين أية معلومات مسبقة عنها.

وباستثناء الأحزاب الـ5، فإن بقية الأحزاب فشلت في التقدم بمرشحين للانتخابات البرلمانية في كل الدوائر الانتخابية، إلا أن عدة أحزاب سياسية أخرى نجحت في تجاوز حاجز الـ30 دائرة انتخابية، ومن بينها تحالف الجبهة الشعبية، والحزب الجمهوري، وحركة وفاء، والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، والتيار الديمقراطي، وهي كلها أحزاب وسطية يمكن أن تستحوذ على نصيب من أصوات الناخبين التونسيين.

وتختلف الوضعية الحالية لمعظم الأحزاب السياسية عن الانتخابات التي جرت سنة 2011، فالأحزاب المشاركة، إما وُلدت قبل الثورة وبقيت محدودة الفاعلية السياسية بسبب التضييق السياسي وانعدام المناخ الديمقراطي السليم، أو من بين الأحزاب التي وُلدت بعد الانفتاح السياسي الذي تلا ثورة 2011، وهي لا تزال في مرحلة نمو وغير قادرة على المنافسة الجدية لأحزاب أخرى تُعرف بصرامتها التنظيمية واستقرار قاعدتها الانتخابية، وانتشار هياكلها على مختلف المستويات.

وفي انتظار نتائج الانتخابات التي لن تظهر قبل يوم الأربعاء المقبل حسب تصريحات شفيق صرصار رئيس هيئة الانتخابات، فإن التشخيص الأولي للخارطة السياسية التي ستفرزها الانتخابات البرلمانية يؤكد على أن عدة أحزاب سياسية انقسمت بعد انتخابات2011، نتيجة كثرة الزعامات السياسية، على غرار حزب المؤتمر الذي أفرز التيار الديمقراطي وحركة وفاء وحزب الإقلاع، وهو ما قد يؤثر على نتائجها الانتخابية.

ووفق تحاليل سياسية متعددة، فإن الخارطة السياسية التي تلت انتخابات 2011 لا يمكنها أن تتكرر خلال هذه الانتخابات، إذ إن حركة النهضة التي حصدت الأغلبية في أول انتخابات قد لا تجد الطريق ممهدة للمرة الثانية على التوالي، وهذا بفعل المنافسة الشديدة التي تعرفها من قبل عدة تيارات سياسية وبروز حركة نداء تونس التي أحدثت توازنا على المشهد السياسي في تونس.