تحديات اقتصادية بالجملة تنتظر الفائزين في الانتخابات

300 مؤسسة أجنبية غادرت تونس خلال 3 أعوام.. وعشرات الآلاف فقدوا أعمالهم

TT

يعتبر كبار الخبراء الاقتصاديين والأمنيين أن «فرحة» الفائزين في الانتخابات التونسية لن تدوم طويلا، لأنهم سيواجهون تحديات اقتصادية بالجملة قد يتسبب الفشل في رفعها في أزمات اجتماعية وأمنية وسياسية جديدة للبلد الذي انفرجت فيه قبل 4 أعوام «شرارة الربيع العربي».

وحسب نداء وجهه مائة من الشخصيات الثقافية والسياسية المستقلة قبل أسابيع إلى صناع القرار الاقتصادي والسياسي في تونس فإن ما لا يقل عن 300 مؤسسة أجنبية غادرت البلاد «منذ ثورة يناير (كانون الثاني) 2011»، فيما فقد عشرات الآلاف من عمالها موارد رزقهم. وقد أقر حكيم حمودة، وزير الاقتصاد والمالية الحالي، بتراكم التحديات الاقتصادية والاجتماعية في تونس هذا العام، رغم تشكيل حكومة «تكنوقراط» بزعامة المهندس مهدي جمعة وشخصيات مستقلة عن كل الأحزاب. كما أقر بتعثر فرص التشغيل في آلاف المؤسسات التونسية والأجنبية بسبب آلاف الإضرابات والاعتصامات العمالية والفوضوية.. إلى جانب انتشار حالة «غير مسبوقة من الاستقرار الأمني والسياسي».

وسجل الجامعي والخبير الاقتصادي مكي الشريف أن تونس ستمر بعد الانتخابات «بمرحلة تاريخية حاسمة اقتصاديا داخليا وخارجيا»، من بين ملامحها «استفحال البطالة بين الشباب وتدهور أوضاع الطبقة الوسطى وتعقد التحديات الأمنية والاقتصادية والسياسية وتفكك بعض مؤسسات الدولة الوطنية وإضعاف هيبتها مركزيا ومحليا، وتراكم النقائص واستفحال المشاكل التي فجرت الانتفاضات الاجتماعية في العهد الماضي ثم ثورة الشباب من أجل (الشغل والحرية والكرامة)، وفي مقدمتها غياب العدالة الاجتماعية والفشل في تلبية مطالب التشغيل وفتح الآفاق السياسية والتنموية».

لهذا يعتبر عدد من الجامعيين والساسة والخبراء التونسيين، مثل الخبير الاقتصادي والعميد السابق لكلية الحقوق والعلوم الاقتصادية في تونس د.الصادق بلعيد، أنه «على رأس أولويات الفريق الذي ستفرزه الانتخابات التمهيد لرفع التحديات الاقتصادية عبر رفع التحديات الأمنية التي تواجه تونس وإجهاض مخططات العصابات الإرهابية».

ودعا الجنرال المتقاعد المدير العام السابق للأمن العسكري في وزارة الدفاع، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «تعالج المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والأمنية بعد الانتخابات من خلال جهد حكومي وإسناد شعبي يسهم فيه كل المواطنين كل من موقعه، ومكونات المجتمع، لمعاضدة قوات الأمن الداخلي والجيش الوطني في مهامهم، مع العمل على بناء منظومة أمنية - دفاعية تستند إلى مشاركة شعبية مباشرة وفعّالة».

* هيبة الدولة في الميزان

* يشترط بعض الخبراء الاقتصاديين، مثل الجامعية المستقلة جنات بن عبد الله، التمهيد للنهضة الاقتصادية بعد الانتخابات عبر إجراءات مهمة من بينها «إعادة هيبة الدولة»، والحفاظ على وحدة البلاد واستمرارية المؤسسات القائمة والخدمات العامة، وإنجاح المسار السياسي، وبذل جهود أكبر في مجال التنمية البشرية والاقتصادية الشاملة مع تفعيل الإصلاحات التي بدأتها حكومات الأعوام الماضية، والتي لم تنل حظها من التعريف بما يطمئن المستثمرين التونسيين والعرب والأجانب، مثل استعادة نسبة النمو الإيجابي بالمرور من 2 في المائة سلبي سنة 2011 إلى 3.9 في المائة سنة 2012، وتراجع البطالة من 18.9 في المائة سنة 2011 إلى 15.3 في المائة في نهاية سنة 2013، وتطور نفقات التنمية من 802 مليون دينار تونسي (قيمة الدينار نحو ثلاثة أرباع دولار أميركي) سنة 2011 إلى 1144 مليون دينار سنة 2013.

* الرشوة والتهريب

* ويتوقع عدد من قادة الأحزاب الليبرالية والعلمانية والإسلامية أن تكون أبرز أولويات الفائزين في الانتخابات اقتصادية، بدءا من «اعتماد خطة عمل تربط بين مخططات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وإعادة الاعتبار لقيمة العمل مع تحسين الإنتاج وتطوير الإنتاجية والقطع مع كل أشكال التسيب والفوضى والانتهاكات للدستور وللقوانين السارية المفعول والابتعاد عن كلّ مظاهر العنف وعن كلّ ما ينال من الانسجام الاجتماعي».

ويطالب كثير من الساسة والنقابيين من تيارات مختلفة الفائزين في الانتخابات بالاهتمام بـ«أولوية الأولويات الاقتصادية والسياسية في تونس»، أي «تكريس الشفافية خلال المعاملات المالية والصفقات العمومية واعتماد خطة عاجلة لتطوير موارد الدولة عبر إصلاحات فورية لقطاعي التجارة الخارجية والجباية، تبدأ بوضع حد للتهرب من تسديد الأداءات الجمركية والضرائب بما يمهد لتحسين مناخ الاستثمار والادخار وتخفيف نسب الأداءات والضرائب المباشرة والأعباء المالية للمؤسسات التي تحترم تعهداتها».

* الفساد المالي والإداري

* كما أنه من المتوقع أن فرحة الفائزين في الانتخابات البرلمانية التونسية لن تطول لأن المجتمع والرأي العام ينتظران منهم مبادرات ملموسة تحسن أوضاع القطاعين العام والخاص وتخفف من معاناة الأفراد والعائلات التونسية.

ويعتبر بعض النشطاء في المجتمع المدني وجمعيات «الشفافية» أن من شروط إنجاح السياسات الاقتصادية لأي حكومة جديدة في البلاد مقاومة كل مظاهر الفساد المالي والإداري عبر الاستفادة من التجارب التي اعتمدتها بعض الدول المتقدمة مثل تركيا وبلدان أوروبا الشمالية وألمانيا (من بينها وضع سقف للمعاملات المالية نقدا).

* فرار المستثمرين

* وسيكون أكبر نجاح للفائزين في الانتخابات رفع تحديات اقتصادية اجتماعية أخرى بالجملة من بينها جلب مزيد من المستثمرين التونسيين والعرب والأجانب، وإشاعة الأمن الاقتصادي برفع القيود والمعوقات عن المبادرات الاقتصادية، خاصة منها الإدارية والإجرائية والتشريعية وغيرها.

يذكر أنه «بسبب هذه المعوقات غادرت البلاد منذ يناير 2011 أكثر من 300 مؤسسة أجنبية مستثمرة تشغّل 40 ألف مواطن، والبعض الآخر منها عدل عن توسيع مشاريعه أو قلص في عدد العاملين»، بحسب الخبير الاقتصادي علي الشاوش. ويدعو كثير من الخبراء المستقلين إلى إعطاء صبغة عاجلة لـ«تأمين التوازنات المالية والاجتماعية والجهوية عبر تلافي نقائص منوال التنمية والسعي إلى تقليص عجز ميزانية الدولة والميزان التجاري وموازين الصناديق الاجتماعية وخسائر المؤسسات العمومية الكبرى».