مخاوف على أسواق طرابلس القديمة بعد تحولها إلى ساحة معارك

عمرها أكثر من 700 عام وقامت على أسس دفاعية - عسكرية

TT

بعدما كانت المعارك في مدينة طرابلس شمال لبنان ومنذ عام 2008 تقتصر على منطقتي باب التبانة حيث الأكثرية السنية وجبل محسن حيث الأكثرية العلوية÷، متخذة طابعا طائفيا - مذهبيا، انتقلت في اليومين الماضيين إلى المدينة القديمة وأسواقها لتتحول إلى مواجهات بين الجيش ومسلحين وجدوا في الأزقة والشوارع الضيقة خاصة منطقة الأسواق القديمة ملاذا آمنا لهم نظرا لضيق الممرات وتشعبها وعدم إمكانية ملاحقتهم بسهولة.

وتعتبر طرابلس أكبر مدينة أثرية في لبنان، فهي تضم أكثر من 300 معلم أثري مصنف من قبل البلدية، و164 أثرا مدرجا على لائحة للتراث الوطني. ويسعى المعنيون في المدينة لإدراج هذه المعالم على لائحة التراث العالمي، إلا أن غياب القوانين والأنظمة التي تساعد في هذا المجال يجعل الأمر مستبعدا في المدى المنظور، كما أكّدت الأستاذة الجامعية ورئيسة مركز الدراسات العليا المتخصصة في الترميم والحفاظ على الأوابد والمواقع التاريخية الدكتورة راوية مجذوب.

وقالت مجذوب لـ«الشرق الأوسط»: «قلبنا يدمي على ما أصاب الأسواق جراء الاشتباكات، علما بأننا لم نتمكن بعد من النزول إليها لاستكشاف ما خلفته المواجهات»، لافتة إلى أن المدينة «مملوكية» (نسبة إلى المماليك) بمعالمها وتركيبتها ونسيجها العمراني، «وهي لا تزال تحافظ على تسمية أسواقها ووظائفها منذ مئات السنوات مما يجعلها جوهرة لا تقدر بثمن». وأعربت مجذوب عن أسفها لكون عدد من المنشآت داخل الأسواق أعيد ترميمها حديثا ولم يُعد افتتاحها بعد.

ويعيد المؤرخون التأسيس الثاني لمدينة طرابلس لعهد المماليك قبل 700 عام، بعد تأسيسها الأول على يد الفينيقيين على ضفاف البحر. فقد ارتأى المماليك أن ينقلوا المدينة إلى الداخل لتكون بمأمن عن الهجمات البحرية المباغتة، فأسسوها على مسافة 3 كم إلى الداخل على ضفتي النهر وتحت سفح القلعة آنذاك. واللافت أن المدينة القديمة قامت على أسس دفاعية وعسكرية بالدرجة الأولى، ومن المتوقع أن يكون المسلحون اليوم يستفيدون منها.

وبحسب الخبراء المعماريين، شيدت الأبنية بشكل متلاصق، متراصة يشد بعضها أزر بعض، ليس ضد هجمات الأعداء فقط، بل توقيا من الزلازل أيضا، إذ إن المنطقة تقع على خط الزلازل، وكانت بنفس المستوى من الارتفاع، مما كان يسمح للسكان بالتنقل عبر الأسطح والانقضاض على الأعداء من الأعلى، وبعضها معلق تمر من تحته شبكة من الأزقة الضيقة المتعرجة تعرف بالسِباط، لا يستطيع أن يعبرها سوى فرد واحد وليس مجموعة، مما يجعل من الصعب على العدو الاجتياح بأعداد كبيرة.

ويشير المؤرخون إلى أن أول حي أنشئ في طرابلس هو حي السويقة الذي أسسه الأمير أفندم الكرجي بعد دخول المماليك بفترة قصيرة، وعرف بالسويقة كتصغير لسوق، لأنه أول سوق أنشئ على ضفة النهر.

وانتظمت الأسواق الطرابلسية وسط الساحات المكشوفة على شكل طرقات، وأخرى مغطاة بأروقة مسقوفة، وصل عددها إلى نحو 29 سوقا متعددة التخصصات. وتنطلق الأسواق من مدينة طرابلس القديمة وفقا لتخطيط العمارة الإسلامية من محور رئيس هو الجامع المنصوري الكبير في حي النوري. وكانت لكل سوق تجارة خاصة به، وكان يقترن اسمها بنوع البضائع والسلع التي يحتويها. ومن أبرز هذه الأسواق، سوق الكندرجية، سوق الصاغة، سوق العطارين، وسوق البازركان.