الحكومة المصرية تواجه أعنف موجة انتقادات منذ توليها المسؤولية

حزمة أزمات بقطاعات التعليم والصحة والزراعة تربك الوضع الداخلي

TT

تواجه حكومة إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء المصري أعنف موجة انتقادات منذ توليها المسؤولية في فبراير (شباط) من العام الحالي، في أعقاب أزمات تفجرت في قطاعات التعليم والصحة والزراعة، وسط مخاوف من أن تلقي هذه الانتقادات بظلال من الشك على قدرة النظام الجديد في البلاد على التصدي لأزمات تراكمت خلال العقود الماضية.

وبينما تزايد الغضب على خلفية حوادث مقتل تلاميذ وتسمم آخرين بسبب الإهمال في قطاع التعليم، أثارت مقاطع مصورة عن أحوال قطاع الصحة سخط المواطنين، في وقت قدرت فيه مصادر حكومية رسمية خسائر الفلاحين من زراعة القطن الموسم الحالي بنحو مليار و850 مليون جنيه (نحو 265 مليون دولار) بعد فشل لجنة وزارية في تسويق محصول القطن إلى شركات الغزل والنسيج التابعة لقطاع الأعمال العام الحكومي.

وقلصت الحكومة منتصف العام الحالي دعم الطاقة، ورفعت أسعار الكهرباء والغاز الطبيعي المستخدم في المنازل، في محاولة للسيطرة على أزمات هيكلية في بنية اقتصاد أكبر بلد عربي من حيث عدد السكان، لكن تردي الخدمات يرفع من منسوب الغضب الشعبي في وقت طالب فيه رئيس الوزراء مواطنيه بـ«الصبر».

وتشكو أحزاب وقوى سياسية مدنية من تضييق على مناخ الحريات، لكن القطاعات الشعبية التي عانت من التداعيات الاقتصادية والاجتماعية ما بعد ثورة 25 يناير 2011 أولت أهمية أكبر تجاه رفع المعاناة عن كاهلها، مما يضع حكومة محلب على المحك مع عودة الاحتجاجات الفئوية مجددا.

وقال فريد واصل نقيب الفلاحين لـ«الشرق الأوسط» إن «الفلاح المصري لم يعد قادرا على تقديم المزيد من التضحيات، قدمنا أبناءنا شهداء في معركة الإرهاب، تحملنا رفع أسعار السولار والكهرباء، ووفرنا الأمن الغذائي للمصريين منذ ثورة 25 يناير رغم صعوبة الظرف، تحملنا سوء الأوضاع ولم نخرج في مظاهرات فئوية، قدمنا أموالنا في مشروع قناة السويس، لم يعد لدينا المزيد».

وأضاف واصل الذي يستعد لتنظيم مؤتمر صحافي في القاهرة يوم الأحد المقبل بمشاركة فلاحين من عدة محافظات، أن اللجنة الحكومية لم تفشل في بيع محصول القطن، إنها أفشلته لصالح استمرار استيراد القطن الهندي حماية لـ«مصالح شبكات الفساد» على حد وصفه.

وتبلغ نسبة مساحة زراعة القطن 250 ألف فدان. وأشار نقيب الفلاحين إلى أن معظم تلك الأراضي تقع في حيازات صغار الفلاحين (من مالكي أراض مساحتها فدان واحد أو أقل)، لافتا إلى أن بعض المزارعين يحرقون المحصول في الأرض حاليا لأنهم لا يجدون منفذا لتسويقه.

ورفعت الحكومة أسعار السماد الأسبوع الماضي، مما يمثل عبئا إضافيا على كاهل الفلاح. ويقدر حائزو الأراضي الزراعية في مصر بنحو 6 ملايين ونصف المليون حائز، منهم 4 ملايين و300 ألف مساحة حيازتهم أقل من فدان، بخلاف المزارعين غير الحائزين والعمال الزراعيين.

وقال واصل إن الحكومة تخالف الدستور الذي نص على التزام الدولة بشراء المحاصيل بهامش ربح مناسب من الفلاح، مشيرا إلى أنه خلال الشهور الأولى من ثورة 25 يناير صدر قرار حظر استيراد القطن لحين تسويق المنتج المحلي.. «سنطرح هذه الأمور على الرأي العام ونرجو أن يفتح هذا باب الحوار مع الحكومة، وإذا أصرت على التجاهل فلدينا وسائل للتصعيد، لكننا نخشى أن تستثمر جماعات هذه الاحتجاجات (في إشارة على ما يبدو لجماعة الإخوان المسلمين التي تناصب النظام الجديد العداء).

وشكل محلب الحكومة مطلع العام الحالي خلال عهد الرئيس المؤقت عدلي منصور، وجدد الرئيس عبد الفتاح السيسي ثقته في محلب الذي أدخل تعديلات على حكومته الجديدة التي شكلها منتصف العام الحالي، لكن صورته كمهندس ميداني بدأت تهتز على أرض الواقع على خلفية تراكم الأزمات.

وتهشمت، مع زجاج أحد الفصول الدراسية الذي أدى لمقتل تلميذ، مصداقية الحكومة، التي فشلت في توفير خدمات طبية عاجلة لإنقاذه. وارتفعت حدة الانتقادات مع مصرع تلميذين آخرين، أحدهما تحت عجلات حافلة كانت تنقل مواد غذائية توفرها الحكومة لتلاميذ المدارس الحكومية. وتكفلت تلك الوجبات بإصابة عشرات الطلاب بحالات تسمم متكررة.

ونفت مؤسسة الرئاسة أنباء صحافية عن تعديل وزاري مرتقب في حقائب التعليم والصحة والقوى العاملة، وقال علاء يوسف المتحدث باسم الرئاسة إن تلك الأنباء «غير صحيحة»، مستبعدا إدخال تعديلات على تشكيل الحكومة أو المحافظين قبل إجراء الانتخابات البرلمانية التي يرجح إجراؤها مطلع العام المقبل، الأمر الذي فاقم الشعور بالإحباط بحسب مراقبين.

واتهم إعلاميون الحكومة بممارسة ضغوط على قنوات فضائية خاصة لمنعها من تسليط الضوء على ملف الإهمال وتردي الخدمات في قطاع التعليم، الأمر الذي نفاه مجلس الوزراء.

وأثارت مقاطع مصورة الغضب تجاه المؤسسات الصحية في البلاد، كان آخرها اضطرار سيدة لوضع مولودها في الشارع أمام أحد المستشفيات بعد أن أصر الأطباء على إجراء جراحه قيصرية لها. وأحالت السلطات مدير المستشفى للتحقيق، لكنها لم تنجح في محو آثار مشهد آخر لمحافظ الإسكندرية اللواء طارق المهدي خلال جولته بالمستشفى الجامعي الذي تحول إلى «بيت أشباح» بعد أسابيع من افتتاحه بحضور رئيس مجلس الوزراء.

كما تسبب استنساخ مجموعات إرهابية عمليات تستهدف جنود الجيش والشرطة، في المناطق ذاتها وبالأدوات نفسها حالة من السخط والشك في جدوى وفعالية الخطط الأمنية. ويحذر متابعون من مغبة انفلات الغضب الشعبي حيال هذه الأزمات المزمنة، فـ«للصبر حدود»، كما يردد المصريون في أمثالهم وأغانيهم العاطفية.