الربيع العربي.. هل كان وبالا على الناشرين؟

صناعة النشر تواجه أكبر أزمة منذ قرنين

محمد رشاد رئيس «الدار المصرية - اللبنانية» و مصطفى الفرماوي
TT

على مدار 3 أعوام من «الربيع العربي»، في تونس ومصر وليبيا، بالإضافة إلى ما يحدث في سوريا والعراق ولبنان واليمن، ما أحوال الكتاب العربي، وتوزيعه محليا وخارجيا، وصناعة النشر، وكذلك مدى تضرر توزيع الكتاب بعد تقلص أو انعدام معارض الكتاب التي كانت تنظم في بلدان الربيع العربي، ارتباطا بعمليات التبادل التجاري؟

هنا تحقيق عما يدور في أروقة دور النشر العربية لإلقاء الضوء على حجم الأضرار التي أصابت حركة الكتاب، ليس في بلدان الربيع العربي فقط، بل امتدت إلى كل المنطقة.

من مصر، يرى الناشر محمد رشاد، رئيس الدار المصرية اللبنانية للنشر، أن ثورات الربيع العربي تسببت في أكبر أزمة تواجه صناعة النشر التي قامت منذ أكثر من 200 عام، خصوصا في مصر. يقول «حتى أيام مقاطعة الدول العربية لمصر إبان معاهدة السلام، كان الناشر المصري موجودا في الأسواق العربية. لكن تدمير صناعة النشر لم يقتصر على مصر فقط بل على الأسواق الخليجية أيضا». لقد تأثرت دور النشر العربية تأثرا سلبيا كبيرا بقيام الثورات العربية نتيجة لإلغاء معرض القاهرة الدولي للكتاب في 29 يناير (كانون الثاني) 2011؛ المكان الجامع الشامل لكل صناع النشر في العالم العربي من ناشرين وموزعين وأصحاب مطابع ومؤلفين، وأيضا مسؤولي شراء الكتب للمؤسسات والجامعات والوزارات الذين يتجهون لتبادل المعلومات وإبرام الصفقات بخصوص كل ما يخص صناعة الكتاب؛ فقد تكبدوا أعباء مالية باهظة. وكانت نتيجة إلغاء المعرض، تعرض هؤلاء الناشرين لخسائر كبيرة، ومنهم الناشرون العرب الذين كان مقررا مشاركتهم في المعرض. وكانت الخسائر أكبر بالطبع للناشرين المصريين، نظرا لسوء الحالة الأمنية والاقتصادية إذ توقف نشاط بعض دور النشر والبعض أغلق والبعض الآخر قام بتسريح العمالة، بل إن البلدان التي لم يحدث بها ثورات قد تأثرت سلبا بتوقف حركة تداول الكتاب من بيع وشراء، كما تراجعت عمليات التبادل التجاري، وتقلصت أسواق كثيرة (ثقافية وغيرها)، لأن هناك ارتباطا عضويا بين الأسواق المصرية والخليجية.

وأكد رشاد أنه يمكن تعويض ذلك، أو التقليل من أثره، لو اهتمت الحكومات العربية خاصة بمكتبات الجامعات والمدارس فهي السبيل للحفاظ على صناعة النشر، وكذلك من الضروري، كما يضيف، إلغاء الرسوم الجمركية والضرائب على مستلزمات الكتب والمطبوعات، بتخفيض الضرائب على الكتاب وتصديره.

أما مصطفى الشيخ، مدير عام دار آفاق للنشر والتوزيع بالقاهرة، فيقول «للأسف هناك أسواق كاملة أغلقت تماما، وتأثرت مصر باختفاء سياحة الكتب حيث انخفض عدد السياح العرب في 2011 بشكل كبير، إذ كنا نعتمد على السائحين، الذين اعتادوا شراء أعداد هائلة من الكتب. وكان موقع المكتبة في شارع القصر العيني، الذي أغلق أثناء الثورة بالكتل الإسمنتية فتأثرت مبيعات الكتب لدي بعد أن كانت حركة الشحن والتزويد كل شهر أصبحت كل 4 أشهر».

ويضيف «انخفضت المبيعات أيضا مع زيادة الانفلات الأمني منذ عام 2011، وأصبحت الناس تخاف النزول إلى الشوارع في وسط القاهرة والتسوق وزيارة المكتبات التي كانت متعة لهم، وأيضا الحالة الاقتصادية السيئة التي تمر بها مصر أدت لحرص الناس على الإنفاق في المأكل والمشرب والتغاضي تماما عن مسألة شراء الكتب».

وعن تجربة دار «الشروق» العريقة، يقول مصطفى الفرماوي، مدير تزويد مكتبات «الشروق» بمصر، إن «الربيع العربي كان له عظيم الأثر على تراجع مبيعات الكتب في مصر والعالم العربي»، لافتا إلى أن تراجع السياحة أضر ضررا كبيرا بمكتبات مصر ونسب مبيعاتها. كما أوضح أن الانفلات الأمني أثر أيضا على زيارة الناس للمكتبات وشراء الكتب.

ويلفت الفرماوي النظر إلى أن الأوضاع السياسية تؤثر بشكل مباشر على ذائقة القارئ العربي، وتحدث عن الحالة المصرية قبل وبعد الربيع العربي قائلا «في عهد مبارك كان توجه القارئ للأدب الساخر، وصدرت عنوانين كثيرة، بينما غيرت فترة ثورة يناير من الذائقة وأصبح الميل كله للكتاب السياسي وأدب الثورات، وصدر وقتها نحو 90 كتابا عن الثورات في العالم، عقب الثورة عاد القارئ إلى الرواية، وخلال حقبة الإخوان اتجهوا لأدب الرعب وما وراء الطبيعة، وكانت بالفعل ظاهرة غريبة جدا، ثم ما لبثوا أن عادوا خلال الأشهر الأخيرة للأدب الرومانسي والكتب الخفيفة».

ويؤكد الفرماوي، الذي يعمل منذ أكثر من 25 عاما كمستشار للتزويد في أهم المكتبات المصرية والعربية أن «أقل حركة مبيعات هي تلك التي نشهدها حاليا». ويتفق معه أيضا عماد عبد الحميد، مدير عام دار نشر «جداول» اللبنانية، مشيرا إلى أن صناعة النشر تأثرت كثيرا بالأحداث السياسية وخصوصا بعد الثورة المصرية وتردي الأوضاع الأمنية التي أدت لخسائر فادحة في معرض القاهرة للكتاب يناير 2014، قائلا «أدى وجود تفجيرات إلى عدم الإقبال على المعرض، حتى أنني ألغيت زيارتي للقاهرة وعدد من أصحاب دور النشر اللبنانية أيضا، ولم تبع دور النشر العربية ما يوازي تكلفة الكتب التي قامت بشحنها للمعارض، وكذلك كان الحال في عدد من المعارض العربية التي يقل الإقبال عليها يوما بعد يوم، وقد خسرت دور النشر سوقا جيدة في سوريا والعراق، ويعتبر معرض الرياض للكتاب الأكثر نجاحا في السنوات الـ3 الأخيرة». وأضاف «بالطبع أثر وجود كيان إرهابي في الشرق الأوسط على الاقتصاد عامة وصناعة مهمة كصناعة النشر، وهناك عدد كبير من الكتب التي توقعنا أن تنفد طبعتها الأولى لكن لم يحدث».

لكن الناشر فتحي المزين، مالك دار نشر «ليان»، يختلف مع الآراء السابقة، معتبرا أن الربيع العربي ساهم في رواج القراءة «بشكل لا يصدق»، ويقول: «رغم الأزمة الاقتصادية والتخبط السياسي في المنطقة فإن صناعة النشر انتشرت وبقوة وخصوصا مع اختفاء (الرقيب)، فخرجت دور النشر الخاصة للنور وبقوة، ولعل مؤشر تزوير الكتب خير دليل، حيث كان التزوير منصبا على 5 أو 6 دور نشر كبرى في مصر ولكن اليوم أصبح تزوير الكتب لأكثر من 20 دار نشر نصنفهم من دور النشر الجديدة، كما أن ظاهرة (البيست سيلر) قد ازدهرت».