مهرجان «أبوظبي السينمائي 4»: مهرجان أبوظبي يحتفي برشيد بوشارب وإد برسمان

قدما أعمالا من واقع حال المنطقة

رشيد بوشارب (يسار) خلال تصوير «خارجون عن القانون»
TT

يحتفي مهرجان أبوظبي السينمائي الذي انطلق يوم الخميس الماضي ويستمر حتى 1 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل بشخصيتين سينمائيتين بارزتين، وهما المخرج الفرنسي ذو الأصل الجزائري رشيد بوشارب، والمنتج الأميركي إد برسمان. وفي حفل الافتتاح تم تقديمهما إلى الجمهور الذي امتلأت القاعة الكبيرة به، وأوجزا كلمتهما شاكرين المهرجان على هذه الحفاوة.

* لكن الحفاوة مستحقة

* رشيد بوشارب، الذي عرض له مهرجان برلين السينمائي في مطلع هذا العام فيلمه الأخير «رجلان في المدينة»، مخرج (ومنتج) قصد منذ بدايته في مطلع الثمانينات الاهتمام بالمواضيع التي تدور حول المهاجرين العرب في مواطن هجرتهم، ففي عام 1985 أخرج فيلمه الروائي الطويل الأول (بعد أن كان حقق حفنة من الأفلام القصيرة) «العصا الحمراء»، وفيه حكاية 3 شبّان (عبد النور وكريم والفرنسي ألان) يحلمون بالهجرة إلى أميركا، وما يتبع محاولة تحقيق هذا الحلم.

بعده، ابتعد المخرج عن السينما لبضع سنوات. يخاله المرء درس أكثر وأمعن في مسيرته على نحو أشمل لأنه عاد قويّا سنة 1991 بفيلم «شب». لعله أيضا استمد من حياته وظروفها حياة بطله مروان (مراد بوناس)؛ إذ إن الفيلم يدور حول طالب جزائري يدرس في فرنسا ويقرر العودة إلى الجزائر ليفاجأ أنه بات غريبًا في المجتمع الأم. وحدته مؤثرة على نطاق شخصيته ووضعه ما بين ثقافتين يجعله يبدو كما لو أنه فقد هويته.

هذا يحدث، بالمناسبة، مع بطله ويليام (فورست ويتيكر) في فيلمه الأخير «رجلان في المدينة». يتناول المخرج هنا حكاية أميركي أسود اسمه ويليام (فورست ويتيكر) خرج من السجن بعد 18 سنة من المكوث داخله بعدما قتل نائب رئيس الشرطة في بلدة تكساسية قرب الحدود المكسيكية. خلال فترة اعتقاله اعتنق الإسلام وخرج للدنيا بقناعات مختلفة محاولا نبذ العنف في داخله والعيش بسلام مع محيطه وعدم زيارة ذلك الماضي الأسود بعد ذلك. بصواب، رصد بوشارب المواجهات المضادة: رئيس البوليس (هارفي كايتل) الذي لم يغفر لويليام بعد قتله لنائبه، وأضاف عليه شعورا عنصريا وطائفيا عندما علم بأن ويليام بات مسلما. ألم يرتكب مسلمون كارثة نيويورك؟ رئيس البوليس رفض الهدنة التي يرغبها ويليام لنفسه، وأخذ يؤلب عليه الأبواب المفتوحة قليلا لكي يعمل ويعيش ويحب. في النهاية، ويليام هو الذي يخسر المواجهة؛ إذ اضطر لقتل طرف آخر من المعادلة، ذاك المكسيكي الأصل ترنس (لويس غوزمان) الذي كان يحاول شدّه إلى الجريمة من جديد وفي سبيل ذلك اعتدى بالضرب على المرأة التي أمنت لويليام وأحبّته (دولوريس هيريديا).

بقي بوشارب في واقع الرجال المنفيين من المجتمع عندما حقق «سنغال الصغيرة» سنة 2001 و«أيام المجد» سنة 2006. هنا وسّع المخرج من شمولية بحثه.. هذه المرة كل الشخصيات المغاربية المحاربة في سبيل استقلال فرنسا عن الاحتلال الألماني تم تهميشها. يكشف الفيلم، الذي هاجمه اليمين الفرنسي ومدحه اليسار، كيف بذل الجنود العرب الذين تم جمعهم من شمالي أفريقيا لينضموا إلى الحلفاء الساعين لتحرير الدول الأوروبية التي سقطت تحت دبابات الاحتلال النازي، التضحيات على قدر متساو مع الفرق الأجنبية والمقاومين الفرنسيين، لكنهم نالوا تقديرا أقل شأنا من سواهم.

أتبع ذلك بفيلم يستمد أحداثه من الإرهاب الذي ضرب لندن سنة 2005 حول ذلك الأفريقي المسلم الذي جاء يبحث عن ابنه المفقود إثر الأحداث فيلتقي بالأم البريطانية المنكوبة بفقدانها ابنتها.. هناك جسر من الوئام الممكن بين الثقافتين الإسلامية والمسيحية اسمه «الثقافة الإنسانية».

* كثيرة ومتنوعة

* في عام 2010 عاد بوشارب إلى الموضوع الجزائري في فيلم عنوانه: «خارجون عن القانون».. فخلال حرب الاستقلال التي كانت دائرة في الجزائر قام مهاجرون جزائريون في فرنسا بمحاولة مساندة الجزائر في حربها بإنشاء قوة مقاتلة.. ذلك من بعد أن واجه الفرنسيون مظاهرة مسالمة من المهاجرين العرب الذين احتجوا على الاحتلال الفرنسي وممارساته، وتصدت لها القوات الفرنسية بعنف شديد.. بالشدة ذاتها سيقوم الجيش الفرنسي بالتصدي للخلية الجزائرية العاملة في فرنسا ولو أصاب في ذلك العزّل من الناس.

«خارجون عن القانون» لم يكن فيلما جيدا بمستوى «أيام المجد» و«رجلان في المدينة».. كان ركيكا في أكثر من ناحية (حُمّل ما لم يستطع أن يتناوله بطلاقة وواقعية)، لكن بوشارب لا يزال، على ذلك، أحد أبرز السينمائيين العرب العاملين دوما في مجال السينما الغربية، وقد حقق فيلميه الأخيرين: «رجلان في المدينة» و«تماما كامرأة» Just Like a Woman، في الولايات المتحدة، بينما أنتج الكثير من الأفلام لآخرين من بينها الأفلام الثلاثة الأخيرة للمخرج الفرنسي برونو دومون، «النخلات الـ29» (2003)، و«فلاندرز» (2006)، ثم «كاميل كلوديل 1915». كما أنتج «قتلني عمر» الذي حققه رشدي زم (تعاون ممثلاً مع بوشارب في عدة أفلام).

بالنسبة لإدوارد برسمان، فإن قافلته الإنتاجية تمتد لتشمل أكثر من 80 فيلما أميركيا وأوروبيا. ليس صحيحًا ما ورد على لسان مقدم الحفل في يوم افتتاح مهرجان أبوظبي، من أنه أخرج «الكثير من الأفلام» فهو اكتفى بالإنتاج وحده.

بدأ حياته المهنية في الستينات، وتعاون عن كثب مع المخرج برايان دي بالما عندما قام هذا بتحقيق فيلمه الهيتشكوكي «شقيقتان»، وكان منتجا منفذا لفيلم ترنس مالك الأول «بادلاندز»، ثم أكمل مع دي بالما حين أخرج هذا «شبح الفردوس» (1974). الفيلم الأول للمخرج أوليفر ستون كان أيضا، وهو «اليد»، من إنتاج برسمان. بعده، سنة 1981، قام بتنفيذ إنتاج «القارب» الألماني (إخراج وولفغانغ بيترسون).

مشاريع برسمان كبرت وتنوعت منذ مطلع الثمانينات، فأنتج «كونان البربري» (وبعده «كونان المدمر» وفيلم أوليفر ستون «وول ستريت»/ 1987، و«معدن أزرق» لكاثرين بيغلو) ثم تعددت على نحو لا يمكن إيجازه في هذا المجال، وشملت أعمالا كثيرة لجون فرانكنهايمر وآبل فيريرا وماري هارون، وصولا إلى إعادة صنع لفيلم «شقيقتان» مع مخرج جديد هو دوغلاس بَك سنة 2006، ومنه إلى «وول ستريت: المال لا ينام» مع أوليفر ستون.

وقد انتهى من تصوير «الرجل الذي عرف الأبدية» الذي كان مشروعا مؤجلا منذ أكثر من 6 سنوات، حول حادثة حقيقية لشاب من الهند (يؤديه دف باتل الذي ظهر في «مليونير العشوائيات») ينضم إلى طلبة جامعة كامبريدج في مطلع العقد الثاني من القرن الماضي (قبيل نهاية الحرب العالمية الأولى) وكيف شق طريقه ليصبح مرجعا في علم الحساب.