أكرم النقيب نجل الملكة ناريمان: والدتي عاشت حياة قاسية وأخطأت بتركها مصر

يسعى لإقامة متحف يوثق حياتها ويحمي مقتنيات آخر الملكات

ناريمان مع د. أدهم النقيب
TT

في قلب الإسكندرية وفي مبنى عريق من المباني التي تحمل لمسات المعماريين الإيطاليين، اختار أن يكون محل عمله، لكن لا بد أن تضبط ساعتك بدقة قبل أن تلتقيه، فهو دقيق جدا في مواعيده ويستعد لأي موعد بفاصل من الأغاني الفرنسية والإنجليزية الكلاسيكية. قد يكون أمرا غريبا أن تستمع لأغاني إديث بياف تخرج من مكتب محاماة، لكن الأمر لن يكون غريبا حينما تكون على وشك لقاء المحامي المرموق أكرم النقيب نجل آخر ملكات مصر والسودان وشقيق آخر ملوك مصر الملك أحمد فؤاد الثاني.

فور دخولك لمكتبه الفخم، سوف تعتقد لوهلة أنك دخلت إلى متحف ملكي، فهنا صور للملك فاروق وصور لشجرة أسرة محمد علي باشا وصور للطوابع الملكية التذكارية وشهادات وأوسمة ونياشين، وهنا صور أخرى للملكة الراحلة ناريمان مع طفلها ووالده د. أدهم النقيب.

ينحدر أكرم النقيب من عائلة النقيب العريقة التي عمل معظمها أطباء للأسرة المالكة في مصر، وهو يعمل حاليا محاميا بالإسكندرية، ومشهود له بالعمل الخيري والاجتماعي وحريص على تنظيم الفعاليات الثقافية عبر أنشطة الروتاري. يحرص أكرم النقيب على تطبيق أصول وقواعد البروتوكول في كل مراحل لقائه بأي شخص، بأناقته المعهودة يحيي ضيفه بابتسامة ملكية ويتأهب ويتفرغ تماما لضيفه.

«إياك والتكبر على الناس، نحن لا نتميز عن أحد سوى بالعمل»، هكذا تحدث عن نصائح والدته الملكة التي كانت دائما ما ترفض أن يظن الناس أن ابنها ولد وفي فمه ملعقة ذهب، وكانت تلقنه أن «العادات الملكية التي يجب أن تطبقها في حياتك هي الالتزام والانضباط والمسؤولية في كل التصرفات».

يقول: «كانت دائما تذكرني بأن أتباسط وأتواضع وأختلط بالناس وأستمع إليهم لأساعدهم في حل مشكلاتهم، وكانت تروي لي أنه في العهد الملكي كان البيت الملكي المصري يؤمن بأهمية العمل الأهلي، وكانت الأميرات كثيرات التبرع والعطايا، وكن معروفات بتباسطهن مع الفقراء، وكان مطلوبا منهن النزول إلى القرى والأرياف، وكان أبرز مثال على ذلك فريدة والأميرات شقيقات الملك فاروق، أما الملك فؤاد فقد كان خشنا وحادا ولا يحب أن تنزل الملكة والأميرات دون إذن منه، وعلى العكس كان فاروق مؤمنا بدور المرأة».

ويستطرد قائلا: «هناك الكثير عن حياة الملكة ناريمان لا يعرفه الكثيرون، فقد كانت حياتها شاقة جدا ولم تستمتع بلقب ملكة، فمنذ لحظة خطبتها للملك فاروق سافرت إلى إيطاليا باسم مستعار لتعلم الإيتكيت والبروتوكول الملكي، وإتقان اللغة الإيطالية، وكانت تساندها دائما شقيقته الأميرة فوزية، كانت ناريمان ملكة مصر والسودان وعمرها 18 سنة، فلا يمكن أن نلومها على تقصير، وثانيا قصر الفترة التي تربعت فيها على العرش، والتي كانت فعليا حقبة مآسٍ وكانت فترة عصيبة جدا، مرت بظروف قاسية، من بينها تعرضها للاغتيال من شرفة قصر عابدين، ومرة أخرى من شرفة قصر رأس التين، فضلا عن أن تلك السنة مرت فيها بمعاناة الحمل والولادة، ثم انشغالها برعاية أول طفل لها، وولي عهد مصر. لكن رغم صغر سنها حذرت الملك فاروق أكثر من مرة من الجيش، وطلبت منه الاستماع لمطالبهم، لكنه لم يهتم بكلامها، في تلك الفترة أيضا تغيرت 4 وزارات».

وبعد رشفة من فنجان القهوة التركية، يقول بأسى: «لكن أتصور الخطأ الأكبر أنها كانت يجب أن تتدخل وتمنع الملك فاروق من بعض تصرفاته، لكنها تركته في عزلته وانصاعت لتجنيبه لها في الفترة الأخيرة من حكمه. ثم تنازلت عن حضانة ابنها، وتركت مصر.. كل ذلك كان خطأ جسيما».

ثم ينظر إلى بورتريه يجمعه معها بحنين جارف قائلا: «لم يكن اختياره لناريمان محض صدفة وإنما كان اختيارا واعيا، فقد وقع اختيار فاروق عليها من بين فتيات البيت الملكي المصري، والبيت الملكي العثماني، ولم يكن اختياره عشوائيا، فهي تنحدر من أسرتين عريقتين، فقد كان جد ناريمان لوالدتها حسين صادق هو من أعاد ترسيم مناسك الحج لكل العرب من المغرب إلى الأراضي المقدسة، وكان يتولى تأمين القوافل، وموكب المحمل، وكان مسؤولا عن هيئة المواني والمنائر في مصر، وكان له الفضل في ترسيم منائر الدولة المصرية، وكان من شدة إعجاب الملك فاروق بعمله أن ولاه رئاسة الديوان الملكي».

وحول الملك فاروق وكيف كانت تراه، قال: «كان طيب القلب، محبا لمصر ولشعبها، ظلمه المؤرخون كثيرا، وكان متحفظا في ما يخص ظهور الملكة المصرية والأميرات، وكانت الملكة ترتدي اليشمك في حال خروجها للشعب، عدا الصور والحفلات والمناسبات. كان بمثابة نوع من الاحتشام والوقار، فقد كان اليشمك الزي الرسمي للمرأة المصرية، مثل الطربوش. ولا يزال البيت الملكي الهاشمي والمغربي يحافظون على الاحتشام، أما البيت السلطاني العماني فلا ظهور للسيدات».

يرى أكرم النقيب أن دور الملكة في المملكة المصرية لا يختلف كثيرا عن دور السيدة الأولى في الجمهورية المصرية، ويفند محللا: «شويكار كانت ضعيفة، أما نازلي فكانت لعوبا، وفريدة كانت عنيدة، وأما ناريمان فكانت لديها خبرات ضئيلة، وتحية كانت غير مؤثرة، وجيهان كانت مؤثرة ولها دور اجتماعي، أما سوزان فكانت متكبرة وطاغية».

نظرت إلى صورة مع شقيقه الملك أحمد فؤاد الثاني في نزهات خلوية، وسألته عن النقاشات التي تدور بينهما حول الوضع في مصر، تنهد قائلا: «عقب الثورة، ساد الكثير من الفوضى وكان لا بد أن تسود الحياة العسكرية في تلك الفترة الحرجة من تاريخ مصر، نحتاج إلى أن نرى أناسا ملتزمين أمامنا، فهم تعلموا أن يقسوا على أنفسهم من أجل الوطن، والشعوب لا يمكن أن ترتقي بالفوضى، الثورة تعني أن نغير نظاما ونعيد ترتيب أنفسنا بصرامة... وكان هذا هو رأيه أيضا، رغم مطالبات بعض الشباب الثوري بعودة الملكية، وكان رأيه أن الملكية اختفت من مصر بلا رجعة. تحول الربيع العربي إلى كابوس مريع. كنا قد وصلنا قبل 25 يناير (كانون الثاني) إلى الانهيار، البلاد أصابها الكثير وكنا متجهين إلى هذه الثورة بلا شك. النظام السابق كان متكبرا وكلنا يعلم ذلك».

يوقع بعض الأوراق الخاصة بعمله ثم يقطع الصمت مستعرضا الموقع الإلكتروني الذي صممه ليخلد ذكرى والدته آخر ملكات مصر والسودان، فهو يقتطع من وقته كلما استطاع ليطوره، قائلا: «أرغب أن أسلم كل ممتلكات والدتي لمؤسسة أمينة بالطبع هي المؤسسة العسكرية لكي تعرض العرض اللائق بها ليتم عمل متحف يتعرف من خلاله المصريون على حياتها، للأسف هي لم تكتب مذكراتها، وقد حاولت عبر الموقع الإلكتروني للملكة ناريمان أن أوثق لحياتها وأسرد قصة حياتها للأجيال القادمة، لكن المتحف سوف يمكنهم من خلاله وعبر الصور والقصاصات والمقتنيات التعرف على حياتها بشكل أقرب».

يؤمن أكرم بأنه من حق أجيال المصريين التعرف على حياة الأسرة العلوية عن قرب: «يجب أن يتعرف المصريون على تراثهم ومن حقهم زيارة القصور الملكية، ولا بد من قرار جمهوري لفتح تلك القصور للزيارة، فهي ملك للشعب، كما هو الحال في كل بلاد العالم، ففي إنجلترا نصف قصر باكنغهام مفتوح للشعب، والملكة مقيمة فيه».

وبنبرة حزن دفين يقول: «مصر تحتاج إلى كل مصري بمجهوده وإتقانه لعمله، وقد حزنت جدا لأنه لأول مرة في تاريخ مصر يتنازل حاكم مصري أو حتى مسؤول حكومي عن راتبه أو ممتلكاته من أجل مصر ولو حتى قولا، لقد كانت مصر دوما قوية وتساند كل العرب حتى الوقت الذي كانت فيه تحت الاحتلال البريطاني، فكان أمرا محزنا للغاية يعكس واقعا مريرا نعيشه، وبالفعل كانت بمثابة صفعة لنا من الرئيس السيسي لنفيق ونلتف جميعا حول مصر. ومن تحتاج إليه مصر فعليا هو الرئيس السيسي بنشأته المصرية الأصيلة، وتربيته العسكرية والمخابراتية، في ظل ما يشهده العالم العربي حاليا.