رفع السبابة اليسرى تحية التونسيين في يوم الانتخابات البرلمانية

عاينت الإقبال على التصويت في بعض مركز الاقتراع

TT

تحول رفع أصبع السبابة من اليد اليسرى إلى تحية بين التونسيين خلال توجههم أمس إلى صناديق الاقتراع لانتخاب برلمان جديد في ظل الدستور الجديد، وبات من لم يؤد واجبه الانتخابي محرَجا أمام بقية التونسيين، إذ أصبح الحبر الانتخابي دليل براءة من تهمة التراخي عن التصويت.

وفي أحد مقاهي العاصمة التونسية، اضطر أحد الموظفين إلى إخفاء يده اليسرى داخل سرواله خجلا من تعليقات زملائه وانتقاداتهم إياه لعدم توجهه إلى مكاتب الاقتراع كما وعد بذلك قبل أيام.

وللتعبير عن الابتهاج بحلول الموعد الانتخابي، سارع أحد رواد المقهى إلى جلب القليل من أكلة «البسيسة» المزينة بحبات الرمان، ووزعها على الحاضرين، لكن بعضهم مازحه قائلا: «كلوا طعامه وصوتوا لغيره»، في إشارة إلى تصريح أدلى به الرئيس التونسي المنصف المرزوقي بشأن المال السياسي الفاسد «خذوا أموالهم ولا تصوتوا لهم».

لكن التعليق هذه المرة ذهب عكس ما يشتهي جالب الأكلة المعروف بمساندته لحركة «نداء تونس»، إذ علقوا على مبادرته بقولهم «كلوا بسيسة (نداء تونس) وصوتوا لحركة النهضة»، وهو ما أثار موجة من الضحك بين الحاضرين الذين تحلقوا حول الطاولة من دون أن يتجرأ أحد بسؤال غيره عن الطرف السياسي الذي صوت لصالحه.

ولم تخل الشوارع أمس (الأحد)، وهو يوم عطلة أسبوعية في تونس، من حركة نشيطة، إذ بدأ توافد الناخبين على مراكز الاقتراع منذ ساعات الصباح الأولى ولم يمنعهم تدني درجة الحرارة في السادسة والنصف من صباح أمس (أقل من 12 درجة مئوية في العاصمة التونسية) من الاحتماء بجدران إحدى المدارس الابتدائية في انتظار فتح الأبواب لاستقبال الناخبين.

وفي محيط مركز الاقتراع «الفارابي» بحي الغزالة القريب من العاصمة، كانت مجموعة من قوات الأمن والجيش تؤمن كل الطرق المؤدية إلى مقر الانتخابات وتطلب بشكل سريع من السيارات التي تتوقف لإنزال الناخبين الإسراع بمغادرة مدخل مركز الاقتراع. وقبل فتح الأبواب أمام الناخبين، كانت سيارتان فارهتان تحملان علامة «سلك دبلوماسي» توقفتا ونزل منهما بعض الأشخاص، عرفنا فيما بعد أنهم من المراقبين الأوروبيين للانتخابات البرلمانية.

وفي الحي نفسه، كان سي أحمد (موظف متقاعد) يسرع الخطى في اتجاه مدرسة أبو القاسم الشابي، وفي إجابة عما دفعه إلى الخروج المبكر من منزله، قال إنه منتش بممارسة حقه الذي حرم منه عقودا متتالية. وشبه مشاركته الثانية في هذه الانتخابات بالعودة المدرسية بعد عطلة الصيف، وقال إنه على موعد مع مجموعة من رفاق دربه للإدلاء بأصواتهم وممارسة حقهم.

أما محمود، أستاذ الرياضيات، فقد شغل محرك سيارته قبل فتح أبواب مركز الاقتراع، وتوجه فورا إلى الصفوف الأمامية منتظرا دوره للتصويت.

وخلال الفترة الصباحية، كانت الفئات العمرية المتوسطة (من 30 إلى 50 سنة)، هي الأكثر وجودا أمام مكاتب الاقتراع، أما العنصر النسائي فكان وجوده ملحوظا سواء على مستوى المشاركة في الانتخابات أو كذلك من خلال الحضور داخل مراكز الاقتراع لإنجاز العملية الانتخابية وتسهيل مهمة الناخبين.

ومن خلال معاينة «الشرق الأوسط» عددا من مراكز الاقتراع، فإن فئة الشابات من نساء تونس كن الأكثر إقبالا على المشاركة، وهو ما عدته الطالبة صابرين الهمامي بمثابة إجابة فورية عن العملية الإرهابية التي استهدفت قبل أيام تعطيل الانتخابات، وذلك لتأكيد أن المرأة التونسية ليست موافقة على الاتهامات القائلة بتأنيث الإرهاب والانخراط في الجريمة.

وفي مركز الاقتراع «الفارابي» القريب من العاصمة، قالت إحدى الموظفات ممن تشرفن على العملية الانتخابية إن نسبة الإقبال تعد جيدة بالنظر للمشكلات السياسية والاجتماعية المتراكمة. وقدمت بعض الأرقام الخاصة بالانتخابات، فمن بين قرابة 570 ناخبا مسجلا ضمن دائرة عملها، شارك حتى حدود الساعة الواحدة ظهرا قرابة 350 ناخبا، وهو ما يعني تجاوز عتبة الـ61 في المائة. لكن هذا الرقم يبقى نسبيا وقابلا للزيادة أو النقصان، إذ إنه لا يعكس بالضرورة ما يحدث في بقية مكاتب الاقتراع، ذلك أن البعض منها كان خاليا تماما ولم يعرف مشاركة مقبولة من الناخبين.

وأضافت الموظفة التي فضلت عدم ذكر اسمها، أن الضغط قل نسبيا مقارنة مع الفترة الصباحية التي شهدت تدفقا كبيرا للناخبين، وتوقعت أن تعود الحركة خلال الساعات التي تسبق غلق مراكز الاقتراع المقررة عند الساعة السادسة مساء.