معارك طرابلس تنتقل إلى باب التبانة.. وتنذر بأيام عصيبة

مقتل 6 جنود وخطف آخر.. والجيش يحصر المعركة في شارعين رئيسين

أعمدة الدخان تتصاعد في مدينة طرابلس اللبنانية خلال معارك بين الجيش اللبناني ومسلحين أمس (أ.ب)
TT

لم تكد الاشتباكات، التي اندلعت الجمعة في أسواق مدينة طرابلس القديمة في شمال لبنان بين الجيش ومسلحين إسلاميين متشددين، تهدأ، حتى اشتعلت معارك ضارية في محلة باب التبانة (ذات الغالبية السنية) عند الطرف الشمالي للمدينة.

وقالت مصادر أمنية بأن قوات الأمن نفذت مداهمات في مدينة طرابلس، وأضافت أن 6 جنود ومدنيين اثنين و9 من المقاتلين الإسلاميين على الأقل قتلوا منذ تفجر القتال يوم الجمعة.

ودارت طوال نهار أمس، في منطقة باب التبانة، اشتباكات شرسة استخدمت فيها القذائف والرشاشات والمضادات المدفعية، بين الجيش اللبناني وما يقارب من 100 إلى 150 مسلحا من لبنانيين وسوريين، تابعين لمجاميع مسلحة، متحصنة في المنازل والمحال التجارية المكتظة بالمدنيين.

ووجهت المستشفيات نداء للمواطنين للتبرع بالدم، فيما جابت سيارات الإسعاف، طوال النهار، شوارع طرابلس ناقلة المصابين. وقد أقفرت المدينة بالكامل، فالمعركة لا تشبه ما كان يدور في سنوات ماضية بين باب التبانة وجبل محسن (أغلبية علوية)، ووصفها البعض بالحاسمة لمستقبل المدينة، ودور الدولة اللبنانية ووجودها فيها.

ويصعب تحديد الانتماءات الدقيقة لجميع المقاتلين الذين شاركوا في الاشتباكات، لكن المصادر قالت: إن بينهم مقاتلين سوريين ولبنانيين على صلة أو متعاطفين مع تنظيم «داعش» أو جبهة النصرة ذراع تنظيم القاعدة في سوريا.

وانتقلت الاشتباكات في طرابلس، أمس، من المدينة القديمة حيث كان المتشددون يتمركزون من قبل إلى باب التبانة. وكان أبرم أول من أمس اتفاق أسهم في إنهاء المعارك في أسواق المدينة القديمة، وسمحت التسوية لمقاتلي المعتقل بتهم إرهابية أحمد سليم ميقاتي المتحصنين بالأسواق، بالخروج من أزقة المنطقة الأثرية القديمة، مقابل الإفراج عن رهائن من المدنيين.

وهذه هي المرة الأولى التي يخوض فيها الجيش معركة بهذه الضراوة في طرابلس، بعد أن عمل طويلا على تأجيلها وحل قضية هذه المجموعات المسلحة سلميا دون جدوى. وبدأت المعارك بسبب الاعتداءات المتواصلة على الجيش في طرابلس، كان آخرها أثناء مداهمة، الجمعة، في خان العسكر، لمنزل ميقاتي.

وقال الوزير السابق فيصل كرامي لـ«الشرق الأوسط»: «الجيش عازم على الحسم، وهو لا يستطيع أن يتراجع. أولا لأن الجيش هو من اعتدي عليه من قبل المسلحين، وثانيا لأن التراجع يعني سيطرة المسلحين على المدينة وهنا الطامة الكبرى، لأنه حينها يصبح كلام قائد الجيش حول الخوف من السيطرة على طرابلس وتحويلها إلى مرفأ للدولة الإسلامية واقعا». وأضاف: «هؤلاء المسلحون يتمترسون في مناطق شعبية مكتظة بالمدنيين والأطفال الذين حولوهم إلى رهائن بالفعل، والجيش لا يستطيع الحسم بسرعة لهذا السبب الإنساني». واعتبر أن «على الجميع تغطية الجيش في هذه الظروف الصعبة».

وشهد محور سوق الخضار في التبانة كما محور الغربا، والجسر، أشرس المعارك، وتمكن الجيش من حصر حركة المسلحين في شارعين اثنين، وإحكام المخارج خوفا من هربهم خارج مناطق الاشتباك. وناشد مواطنون احتجزوا في بيوتهم، عبر وسائل الإعلام إجلاءهم من مناطق المعارك، فيما ترك بعض سكان طرابلس البعيدين عن التبانة منازلهم خوفا من امتداد رقعة الاشتباكات.

وعقد اجتماع في منزل النائب محمد كبارة لنواب وفعاليات طرابلس، قال بعده النائب كبارة أن «مدينة طرابلس كانت ولا تزال في كنف الدولة».

وطالب المجتمعون بمعالجة الأمور لجهة إنصاف طرابلس ومعالجة الظلم والقهر، وتحقيق العدالة والمساواة، وأكدوا «رفض أي اعتداء على المواقع العسكرية والعسكريين». كما طالبوا «بتطبيق الخطة الأمنية بشكل سلمي».

وقال عبد الغني كبارة، مستشار الرئيس الأسبق للحكومة سعد الحريري، لـ«الشرق الأوسط» بعد الاجتماع: «أكدنا، أننا مع تطبيق الخطة الأمنية والعسكرية، وهي مستمرة، وإنما طالبنا بتصويب الأعمال العسكرية، لأنها تجري في منطقة يقطنها نحو 90 ألف شخص. ونحن مع الحكمة في إدارة المعركة وتصويب السلاح في اتجاه المخلين، وتحييد المدنيين والحفاظ على أرواحهم، وقد قمنا باتصالات مع الرئيس الحريري والرئيس فؤاد السنيورة، الذين اتصلوا بدورهم بقائد الجيش جان قهوجي، للتفاهم على هذه النقاط».

وعمد المسلحون أثناء المعارك إلى خطف المعاون أول في الجيش اللبناني فايز العموري، الذي يقطن باب التبانة. واشترط شادي مولوي، قائد إحدى المجموعات المسلحة، وقف المعارك لإطلاق سراح العموري.

كما اندلع حريق في محطة ملص للوقود على مدخل سوق الخضار من جهة جسر نهر أبو علي. وتوقفت المعارك ظهر أمس لإفساح المجال أمام سيارات الإسعاف وفرق الإنقاذ لإجلاء المصابين. ثم عادت واشتدت حدة الاشتباكات مرة أخرى عند ساعات المساء الأولى، ليطالب وزير العدل أشرف ريفي مرة ثانية بممر إنساني لإجلاء المزيد من الجرحى والمدنيين الذين يستغيثون للخروج. وعلم في المساء، أن الجيش اللبناني بدأ بإجلاء بعض أهالي التبانة الذين يريدون المغادرة، بتأمين طريق لهم من جهة جبل محسن.

وفي ظل معلومات عن أن المعارك قد تطول لأكثر من يومين كان قد توقعها الجيش بسبب حساسة المنطقة، والاكتظاظ السكاني فيها، يتحضر الطرابلسيون لأيام عصيبة، خاصة أن النزول من بعض المنازل أصبح مستحيلا، وشراء المؤن غير متاح للبعض. وأعلن وزير التربية عن إقفال للمدارس الرسمية والخاصة في كل من طرابلس والمنية بسبب الوضع الأمني.