«النهضة» تقر بفوز «نداء تونس».. وتدعو إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية

الهاشمي الحامدي ينسحب من السباق الرئاسي إثر خسارة حزبه

جانب من عمليات نقل صناديق الاقتراع إلى مراكز فرزها قبل إعلان النتائج (أ.ف.ب)
TT

أقرت حركة النهضة الإسلامية أمس بفوز خصمها العلماني «نداء تونس» بالانتخابات التشريعية التي جرت أول من أمس، التي سينبثق عنها أول برلمان وحكومة دائميْن في تونس منذ الإطاحة مطلع 2011 بنظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، ودعت إلى تشكيل حكومة «وحدة وطنية».

وأعلنت «الهيئة العليا المستقلة للانتخابات» مساء أمس عن النتائج الجزئية الرسمية للاقتراع.

ويمنح دستور تونس الجديد الذي صادق عليه المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان المؤقت) في 26 يناير (كانون الثاني) الماضي، صلاحيات واسعة للبرلمان والحكومة، مقابل صلاحيات محدودة لرئيس الجمهورية.

وقال زياد العذاري، المتحدث الرسمي باسم حركة النهضة استنادا إلى إحصاءات مراقبي حزبه في مراكز الاقتراع: «لدينا تقديرات غير نهائية، أنهم (نداء تونس) في المقدمة.. سيكون لنا نحو 70 مقعدا (في البرلمان) في حين سيكون لهم نحو 80 مقعدا».

وقال العذاري في تصريح لإذاعة «موزاييك إف إم» التونسية الخاصة: «نهنئ (نداء تونس) الذي حقق نتيجة قوية»، ودعا إلى تشكيل «حكومة وحدة وطنية لتكون قادرة على مواجهة استحقاقات وتحديات البلاد الكبيرة، خاصة في السنوات المقبلة التي ستكون صعبة على المالية العمومية وعلى الميزانية وعلى أوضاع البلاد».

ومساء أول من أمس، قال راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة لقناة «حنبعل» التونسية الخاصة: «سواء كانت (النهضة) الأولى أو الثانية (...) تونس تحتاج إلى حكم وفاق وطني».

وأضاف أن «سياسة التوافق (بين حزبه والمعارضة) أنقذت بلادنا مما تتردى فيه دول الربيع العربي»، معتبرا أنه «من المهم أن نرسخ قضية الديمقراطية، والثقة في المؤسسات».

وكانت حركة النهضة فازت في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي التي أجريت في 23 أكتوبر (تشرين الأول) 2011 بنسبة 37 في المائة من الأصوات و89 من مقاعد المجلس الـ217.

وحكمت حركة النهضة تونس عامي 2012 و2013. ومطلع 2014، اضطرت النهضة إلى التخلي عن السلطة لحكومة غير حزبية بموجب خريطة طريق طرحتها المركزية النقابية القوية (الاتحاد التونسي للشغل) لإخراج البلاد من أزمة سياسية حادة اندلعت إثر اغتيال اثنين من قادة المعارضة العلمانية في 2013. وتقود هذه الحكومة التي يرأسها مهدي جمعة، البلاد حتى الانتهاء من الانتخابات.

ومساء أول من أمس، أعلن الطيب البكوش الأمين العام لحزب نداء تونس (يمين وسط) فوز حزبه في الانتخابات.

ونشر الحزب أمس على صفحته الرسمية في «فيسبوك» صورة مؤسسه ورئيسه الباجي قائد السبسي وكتب عليها: «انتصرنا والحمد لله.. تحيا تونس».

وكان «نداء تونس» الذي أسسه قائد السبسي في 2012، رشح هذا الأخير للانتخابات الرئاسية المقررة في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

ويضم «نداء تونس» منتمين سابقين لحزب «التجمع» الحاكم في عهد الرئيس المخلوع بن علي، ونقابيين ويساريين.

وسينبثق عن نتائج الانتخابات «مجلس نواب الشعب» المكون من 217 مقعدا. وسيمارس المجلس السلطة التشريعية لمدة 5 سنوات.

وبحسب القانون الانتخابي، يتعين على هيئة الانتخابات إعلان «النتائج الأولية» للانتخابات التشريعية في فترة أقصاها الأيام الثلاثة التي تلي الاقتراع؛ أي الخميس.

ويلزم القانون الهيئة بإعلان النتائج النهائية خلال فترة 48 ساعة من آخر حكم صادر عن الجلسة العامة القضائية للمحكمة الإدارية بخصوص الطعون المتعلقة بالنتائج الأولية.

في غضون ذلك، أعلن الهاشمي الحامدي رئيس «تيار المحبة» في تونس أمس عن انسحابه من السباق الرئاسي المقرر في نوفمبر المقبل إثر الخسارة الكبيرة لحزبه في الانتخابات التشريعية.

وقال الحامدي مؤسس الحزب والمقيم في العاصمة البريطانية لندن في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية عبر البريد الإلكتروني إن بقاءه ضمن السباق الرئاسي لم يعد مبررا بعد خسارة حزبه الانتخابات، وإنه قرر الانسحاب رسميا ونهائيا من الانتخابات الرئاسية.

وكانت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات قد أعلنت عن قبول ملفات 27 متنافسا في الانتخابات الرئاسية من بينهم الحامدي.

وأوضح رئيس تيار المحبة: «عندما قدم وكيلي مطلب ترشحي للانتخابات الرئاسية، في 8 أكتوبر الماضي، أصدرت بيانا أوضحت فيه الأهداف والتعهدات التي ترشحت من أجلها للرئاسة، وطلبت من الشعب التونسي منح أغلبية نيابية لتيار المحبة في الانتخابات التشريعية لتمكيني من تنفيذ تلك الأهداف والتعهدات».

وأضاف: «أمس (الأحد) تكلم الشعب التونسي عبر صناديق الاقتراع، واتضح جليا أنه لم يمنح تيار المحبة حضورا يذكر في مجلس نواب الشعب الجديد، بما يجعل استمراري في سباق الانتخابات الرئاسية غير مبرر على الإطلاق ومخالفا للأسس التي أعلنتها في بيان ترشحي للرئاسة».

ولم يفز تيار المحبة سوى بمقعدين في الانتخابات التشريعية حسب النتائج الأولية، تحصل عليهما في دائرتي سيدي بوزيد والقيروان.

وكانت التكهنات التي قدمتها مؤسسات استطلاع الرأي قد أربكت المشهد السياسي؛ إذ أعطت حركة نداء تونس المرتبة الأولى بنحو 37 في المائة (نحو 81 مقعدا)، وحركة النهضة في المرتبة الثانية بنسبة 26 في المائة من الأصوات (56 مقعدا)، وحل تحالف الجبهة الشعبية بزعامة حمة الهمامي (تحالف يضم 11 حزبا يساريا وقوميا) في المرتبة الثالثة، وذلك بنسبة بعيدة عن الحزبين الأولين وذلك بـ5.4 في المائة من الأصوات (16 مقعدا)، واحتل الحزب الوطني الحر الذي يتزعمه رجل الأعمال سليم الرياحي المرتبة الرابعة بـ4.8 في المائة من الأصوات، بما يعني حصوله على 13 مقعدا، وتمكن حزب آفاق تونس (حزب ليبرالي) بزعامة ياسين إبراهيم من تحقيق نسبة 2.8 في المائة من الأصوات (8 مقاعد).

وبحسب هذه النتائج المبنية على استطلاع أولي مباشرة بعد التصويت، فان 3 أحزاب سياسية على الأقل ستسجل نتائج من دون المأمول وهو ما يمثل صدمة لمناصريها، وهي حزب المؤتمر من أجل الجمهورية (حزب الرئيس المنصف المرزوقي)، وحزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات (يرأسه مصطفى بن جعفر) والحزب الجمهوري بزعامة أحمد نجيب الشابي.

وتمكنت هذه الأحزاب السياسية من تحقيق مراتب أولى في انتخابات 2011، وتحالف كل من حزب المؤتمر والتكتل مع حركة النهضة لقيادة أول حكومة تونسية بعد الثورة. وحصل حزب المؤتمر في الانتخابات الماضية على المرتبة الثانية بعد النهضة (29 مقعدا) والتكتل (19 مقعدا) والحزب الجمهوري (17 مقعدا).

وحصلت هذه الأحزاب وفق هذا الاستطلاع الأولي لانتخابات 2014 على نسبة أقل من 2 في المائة من الأصوات.

وحسب النتائج الأولية، فقد استحوذت حركة «نداء تونس» على الدوائر الانتخابية في العاصمة والمدن القريبة منها، وهي 5 دوائر انتخابية فيما يعرف بتونس الكبرى، التي تضم 4 ولايات (محافظات)، وهي: تونس الأولى، وتونس الثانية، وأريانة، ومنوبة، وبن عروس. في حين حققت حركة النهضة نتائج مهمة في مناطق الجنوب الغربي والجنوب الشرقي من البلاد.

ولا يبدو من خلال التصريحات الفورية التي أعقبت الإعلان عن النتائج غير النهائية، أن حركة نداء تونس وحركة النهضة على استعداد للتحالف السياسي فيما بينهما لتشكيل حكومة وحدة وطنية أو حكومة ائتلافية. ونبهت عدة أطراف سياسية تونسية إلى مساوئ الاستقطاب الثنائي بين حزبين سياسيين فقط، على المشهد السياسي.

وأظهرت نتائج الانتخابات الأولية أن المشهد السياسي التونسي وخريطة توزيع الأحزاب، سيختلف اختلاف جذريا عما عرفته انتخابات 2011. وقال المحلل السياسي التونسي جمال العرفاوي لـ«الشرق الأوسط» إن حركة نداء تونس صاحبة الأغلبية قد تسعى إلى تشكيل ائتلاف حكومي بعيدا عن حركة النهضة بعد الأداء الضعيف الذي ظهر به شريكاها في الترويكا السابقة، و«نعني بذلك حزبي المؤتمر والتكتل».

وقد يلجا «نداء تونس» إلى عدة أحزاب دستورية من أجل التحالف، كما أنه قد يجد في تحالف الجبهة الشعبية والاتحاد الوطني الحر وحزب آفاق تونس بعض التجاوب من أجل تشكيل حكومة جديدة.

وستؤثر نتائج الانتخابات البرلمانية لا محالة على الانتخابات الرئاسية التي تجري في دورة أولى يوم 23 نوفمبر المقبل، ذلك أن من تداعياتها انسحاب رئيس حزب تيار المحبة من منافسات الانتخابات الرئاسية. كما أن استحواذ حركة نداء تونس على أغلبية مقاعد البرلمان وإمكانية تشكيلها الحكومة، قد يقلص، وفق متابعين للشأن السياسي التونسي، من حظوظ الباجي قائد السبسي في منافسات الرئاسة، وذلك تحسبا وتخوفا من مخاطر «تغول» بعض الأحزاب السياسية وسيطرتها على المؤسسات الدستورية (البرلمان والحكومة والرئاسة).