موسكو تدعم انتخابات الانفصاليين.. وكييف تتهمها «بتقويض السلام»

اجتماعات في بروكسل لمناقشة العقوبات ضد روسيا وإمدادات الغاز المتوقفة

الرئيس بوروشينكو (يسار) ورئيس الوزراء ياتسينيوك يحملان وردا قبل وضعه أمام قبر الجندي المجهول في كييف أمس في إطار إحياء الذكرى السبعين لتحرير أوكرانيا من النازية خلال الحرب العالمية الثانية (رويترز)
TT

أعلنت روسيا أمس عزمها الاعتراف بالانتخابات التي سينظمها الانفصاليون في شرق أوكرانيا يوم الأحد المقبل، متحدية كييف قبل اجتماع للاتحاد الأوروبي مخصص لتقييم العقوبات الاقتصادية المفروضة على موسكو. وعلى الفور، ندد دبلوماسي أوكراني كبير بهذه التصريحات الروسية معتبرا أنها «تقوض» عملية السلام التي أطلقها الرئيس بيترو بوروشينكو الذي يواجه نزاعا خلف أكثر من 3700 قتيل.

وفي وقت تتفاوض فيه في كييف الأحزاب الأوكرانية الموالية للغرب التي احتلت الطليعة في الانتخابات التشريعية لتشكيل ائتلاف، ذكرت موسكو بأن جزءا من الأراضي الأوكرانية يخرج عن سيطرتها. فقد قاطع نحو 3 ملايين ناخب يعيشون في مناطق الانفصاليين في حوض دونباس المنجمي الناطق بالروسية، الانتخابات التشريعية التي جرت الأحد الماضي، بينما سينظم المتمردون الانفصاليون، الأحد المقبل، انتخابات رئاسية وتشريعية منفصلة، في الجمهوريتين الشعبيتين دونيتسك ولوغانسك المعلنتين من جانب واحد.

وصرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف «سنعترف بالطبع بنتائجها ونأمل أن يكون تعبير الشعب حرا وأن لا يأتي أحد من الخارج لتعكيرها». ولم تعترف موسكو التي يقول الغربيون وكييف إنها تدعم عسكريا التمرد المسلح الموالي لروسيا، رسميا في مايو (أيار) الماضي باستفتاء حول الاستقلال نظمه الانفصاليون خلافا لذلك الذي سمح بعد شهرين من ذلك بضم القرم إلى روسيا. لكن بالنسبة لوزير الخارجية الروسي فإن الأمر يتعلق «بتشريع السلطات» المتمردة في إطار اتفاقات مينسك التي فتحت الطريق أمام وقف لإطلاق النار في الخامس من سبتمبر (أيلول) مما سمح بتهدئة المعارك من دون أن يضع حدا نهائيا لها. وينص هذا الاتفاق على منح حكم ذاتي واسع للمناطق الانفصالية وانتخابات محلية في إطار لامركزية وليس استقلالا.

وفي رد فعل على تصريحات لافروف اعتبر ديمتري كوليبا المسؤول الكبير في وزارة الخارجية الأوكرانية أن هذه التصريحات «تقوض الانفراج وعملية السلام مع أضعاف الثقة في روسيا بصفتها شريكا دوليا موثوقا به». وأدت الأزمة الأوكرانية مع إطاحة الرئيس الموالي لموسكو فيكتور يانوكوفيتش وضم شبه جزيرة القرم والنزاع المسلح في شرق أوكرانيا إلى تدهور العلاقات بشكل غير مسبوق بين موسكو والدول الغربية منذ عام 1991.

وبعد فرز 90 في المائة من الأصوات، تأكد أمس فوز القوى الموالية للغرب، ويتوقع أن تتوصل بسرعة إلى اتفاق على ائتلاف يكلف إجراء إصلاحات في البلاد لتقريبها من الاتحاد الأوروبي والسعي إلى إخراجها من أزمة اقتصادية ومالية كبيرة تفاقمت بفعل النزاع. ويبدو رئيس الوزراء ارسيني ياتسينيوك المعروف بمواقفه المتشددة تجاه موسكو، في موقع قوة لا سيما أن حزبه الجبهة الشعبية احتل الطليعة (22.1 في المائة) في استطلاعات الرأي لدى الخروج من صناديق الاقتراع فيما حصلت حركة الرئيس بوروشينكو على 21.8 في المائة. ويحتاج هذا التشكيلان إلى حلفاء آخرين لتحقيق أغلبية، لا سيما حزب ساموبوميتش (11 في المائة من الأصوات) الذي يضم خصوصا ناشطين شبانا يتحدرون من حركة احتجاج «الميدان». لكن زعيم هذا الحزب أندري سادوفي قال إنه لن يشارك في أي مفاوضات في الوقت الراهن وإنه سيبت في مسألة المشاركة وفق برنامج وليس وعودا بمقاعد في الحكومة. ويبقى تكتل المعارضة لحلفاء الرئيس السابق الموالي لروسيا يانوكوفيتش في الجمعية الوطنية مع 9.4 في المائة من الأصوات على عكس الحزب الشيوعي (3.8 في المائة). ولن يعرف توزيع مقاعد البرلمان بدقة قبل انتهاء فرز الأصوات بالكامل في الدوائر بسبب طريقة الاقتراع المعقدة.

وكانت روسيا اعتمدت لهجة تصالحية أول من أمس بعد الانتخابات التشريعية وأقرت بصحتها ورحبت فعليا بفوز أنصار الحل السلمي للنزاع. وتحت وطأة العقوبات التي تستهدف خصوصا مصارفها الكبرى وقطاعها النفطي الحيوي بات الاقتصاد الروسي على شفير الانكماش. وسجل الروبل أمس تدهورا قياسيا جديدا مقابل اليورو والدولار الأوكراني، بينما أقر وزير الاقتصاد أليكسي أوليوكاييف بأن الظاهرة كان لها انعكاس مباشر على الأسعار مع تضخم تجاوز معدله 8 في المائة.

وكان مقررا أن يجري سفراء دول الاتحاد الأوروبي في بروكسل أمس تقييما للعقوبات لكن المحللين في مصرف «ألفا الروسي» قالوا مسبقا «إن الأمل ضئيل في حصول تقدم ما». ويبدو أن اجتماعا آخر سيكون صعبا هو الذي يتعلق بالمحادثات اليوم الأربعاء في بروكسل الرامية إلى ترتيب وضع إمدادات أوكرانيا بالغاز الروسي المنقطعة منذ يونيو (حزيران) الماضي. وإذا اتفق الطرفان على سعر مؤقت، فإن تسوية الديون المترتبة على أوكرانيا جراء مشتريات الغاز تبقى مسألة شائكة. وأعرب وزير المالية الأوكراني أولكسندر شالباك عن «انطباعه بأنه لا أحد يريد التوصل إلى اتفاق». والنزاع قد يؤدي إلى إرباك الإمدادات الأوروبية لكنه قد يفاقم أيضا الأزمة الاقتصادية والمالية في أوكرانيا.

في هذه الأثناء، يبقى الوضع متوترا بعد الهدوء النسبي الذي ساد في الأيام التي سبقت الانتخابات التشريعية مع احتدام المعارك في شرق أوكرانيا. وتحدث الناطق العسكري الأوكراني أندري ليسينكو أمس عن مقتل جنديين في شرق أوكرانيا، مشيرا إلى أن القوات الأوكرانية اضطرت للانسحاب من «نقطة المراقبة 32» وهي قطاع في منطقة لوغانسك قتل فيها أكثر من 10 جنود منذ سبتمبر الماضي. ففي دونيتسك المعقل الرئيس للانفصاليين سمع دوي إطلاق نار أمس مصدره المطار الذي يبقى إحدى النقاط الساخنة على خط الجبهة.