سياسيون من حزب بن علي يعودون للبرلمان التونسي عبر «نداء تونس»

الحركة اعتمدت على خبرتهم في إدارة المعارك السياسية والتعامل مع المعارضة

TT

لم تمكن حركة «نداء تونس» قيادات «التجمع الدستوري الديمقراطي» (حزب الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي) المنحل من الظهور في الصفوف الأمامية عند تأسيس الحزب الجديد قبل نحو سنتين ونصف السنة، أو كذلك خلال فترة الانتخابات البرلمانية، بل اعتمدت على خبرتهم في إدارة المعارك السياسية وحنكتهم في التعامل مع المعارضة السابقة، وجندتهم لإرساء دعائم الحزب وضمان انتشاره دون أن تمكنهم من الظهور العلني في واجهة الحزب الليبرالي الذي بات منافسا أول لحركة النهضة في ظرف زمني قياسي.

وإلى حد فترة قصيرة قبل إجراء الانتخابات البرلمانية، اعتمدت الحركة على خبرة محمد الغرياني آخر أمين عام للتجمع المنحل، الذي لم يبخل على الحزب الناشئ بالمشورة، ولكن تحت ضغط القيادات اليسارية والنقابية داخل «نداء تونس» اضطر الغرياني إلى التنحي والمغادرة وترك منصب المستشار السياسي للباجي قائد السبسي.

وضم حزب «نداء تونس» منذ تأسيسه خليطا غير متجانس من التيارات اليسارية والنقابية وقلة من القيادات التجمعية، لكن غالبية كوادر الحزب الحاكم السابق تعمل في الحلقة الوسطى والصغرى من حركة نداء تونس، وهي الآلة الفعلية في توجيه الناخبين لقربها من التونسي العادي ومعايشة مختلف ظروفه الاجتماعية والاقتصادية. وتثير سيطرة التوجه التجمعي على الحزب الفتي مخاوف مختلف الطبقات السياسية من إمكانية عودة النظام السابق تحت مسميات أخرى وتحت غطاء مختلف من حيث الصورة ولكن بنفس الممارسات. ولا تأبه كثيرا للتطمينات المتكررة التي تطلقها القيادات التجمعية بأن عودة النظام السابق باتت من قبيل المستحيل.

لكن «نداء تونس» لم يرتكب الخطأ الذي ارتكبته الحركة الدستورية التي أسسها حامد القروي رئيس حكومة بن علي من 1989 إلى 1999، وذلك بدفاعه المفضوح والعلني عن حزب التجمع وأنصاره واعترافه الصريح بأنه من أزلام النظام السابق. فالحركة استخدمت الآلة التي حكمت تونس بيد من حديد منذ سنة 1956 سنة الاستقلال عن فرنسا، بيد أنها خبأتها بعيدا عن الأعين، على حد تعبير أحد المحللين السياسيين.

إذ أعلن القروي عن تقديم عبد الرحيم الزواري، الأمين العام السابق لحزب بن علي، مرشحا لمنافسات الانتخابات الرئاسية، وهو ما نأى الباجي بنفسه عنه حتى لا يتهم بإرجاع أزلام النظام السابق إلى الحكم من جديد. وفي المقابل، أحاط الباجي حزب نداء تونس بغطاء سميك من العناصر اليسارية الفاعلة على مستوى العمل السياسي، بفضل خبرة السنوات الطويلة في التعامل مع بقية التيارات السياسية خاصة في المؤسسات الجامعية.

واستفادت حركة نداء تونس من التنظيم المحكم للتجمع الدستوري الديمقراطي الذي كان منتشرا في كل المناطق التونسية، إذ إن الحزب المنحل في بداية 2011 كان مسيطرا على المشهد السياسي طوال 23 سنة، ويتكون هذا الحزب من ديوان سياسي وأمانة عامة ولجنة مركزية، إضافة لهياكل استشارية وقاعدية. وتشرف الأمانة العامة لحزب التجمع على 28 لجنة تنسيق موزعة على ولايات (محافظات) تونس، بمعدل لجنة تنسيق في كل ولاية (محافظة) باستثناء تونس العاصمة التي تضم خمس لجان تنسيق.

وتضم هذه اللجان 358 جامعة تغطي المعتمديات (السلطات المحلية)، ويشرف على كل لجنة تنسيق أمين عام يعين من قبل رئيس التجمع. وتتكون الجامعات من 8100 شعبة موزعة على كامل تراب البلاد، إضافة لـ40 شعبة تضم أساتذة التعليم العالي، و509 شعب تنشط خارج تونس.

ووفق آخر الإحصائيات، يقدر عدد المنخرطين في حزب التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل بأكثر من مليوني منخرط، وهو الحزب الوحيد المهيكل بالمقارنة مع بقية الأحزاب التي كانت ضعيفة ومتآكلة من الداخل. وكل هؤلاء انكفأوا على أنفسهم في بداية الثورة ثم أعادوا إحياء علاقاتهم وعادوا إلى النشاط السياسي بعودة القيادات العليا وتعبيرها العلني عن أهمية تجربة التجمع في المحافظة على القدرة الشرائية للتونسيين وضرورة التقييم المحايد لفترة حكم بن علي.

كل هذه الآلة القوية وضعت خبرتها ودرايتها في التعامل مع عموم التونسيين لخدمة حركة نداء تونس في المقام الأول، باعتبار أن حركة النهضة سعت بمعية شريكيها في الحكم، ونعني بذلك حزبي المؤتمر والتكتل، إلى التصديق على قانون لإقصاء القيادات التجمعية وكل من ناشد الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي. لكن الشق التجمعي هو الذي ضغط على الباجي قائد السبسي من أجل تعطيل قانون الإقصاء وفتح أبواب العودة لرجال بن علي للعودة إلى النشاط السياسي، لكن الأمر تم بشكل ملتبس بعيدا عن الصفوف الأمامية للحزب.