فاعلية ضربات التحالف تثير التساؤلات.. و«البنتاغون» يحقق في الأخطاء

محدوديتها وغياب قوة برية مؤازرة على الأرض أبرز المعوقات * خبير عسكري عراقي يصفها بـ «مفيدة»

TT

لم تتمكن الضربات الجوية التي نفذتها طائرات التحالف العربي والدولي ضد الإرهاب في سوريا، بعد شهر على إطلاقها، من القضاء على «داعش»، رغم أن نتائج ملموسة تحققت، أهمها تقويض نفوذ التنظيم وإعاقة تحركه في مناطق واسعة بسوريا، وتجفيف مصادر تمويله إلى حد كبير، التي تتمثل بشكل أساسي في عائدات النفط الذي يبيعه. ويرجع خبراء عسكريون ومعارضون سوريون هذا الواقع إلى «غياب قوة برية مؤازرة على الأرض»، إضافة إلى «محدودية عدد الضربات» التي رأت تقارير غربية أنه من المفترض أن تتضاعف لتصل إلى مائة غارة يوميا.

ونفذت طائرات التحالف أكثر من 260 غارة جوية في سوريا خلال شهر، تركز أكثر من 130 منها على أهداف للتنظيم في مدينة كوباني (عين العرب) التي تسكنها أغلبية كردية، ومحيطها، منذ مطلع الشهر الحالي. ووصل عدد الضربات في ليلة واحدة إلى 20 ضربة أحيانا، إضافة إلى ضربات بصواريخ «توما هوك» التي استهدفت مقرات وتحصينات لتنظيمات متشددة، في أول ضربة لقوات التحالف ضد المتشددين في سوريا، في 23 سبتمبر (أيلول) الماضي. وشملت الهجمات بالصواريخ والضربات الجوية 7 محافظات سورية، هي دير الزور (شرق) وحمص (وسط) والحسكة (شمال شرق) وحماه والرقة وحلب وإدلب (شمال)، واستهدفت مقرات التنظيمات، ومستودعات ذخيرة، وآبار نفط، ومنشآت لتكرير النفط والغاز، كما استهدفت مقاتلين أجانب، مما دفع بالتنظيمات إلى إخلاء مقراتها، وتنفيذ إعادة انتشار في مواقع أخرى، بينما تسببت الضربات بأزمة وقود في المناطق التي يسيطر عليها «داعش».

لكن عدد الضربات، خلال شهر، كان محدودا بالمقارنة مع الضربات التي نفذها حلف شمال الأطلسي في ليبيا عام 2011. وقال رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الدكتور هشام جابر لـ«الشرق الأوسط» إن «الناتو» نفذ نحو 16 ألف طلعة جوية فوق ليبيا في عام 2011، مما أسهم في تحقيق نتائج مهمة على الأرض، كما مكّن القوات البرية التي كان تؤازرها الضربات الجوية من التقدم ميدانيا، مشيرا إلى أن ذلك «لم يتحقق في سوريا لأن عدد الضربات كان قليلا، خصوصا في غياب قوة عسكرية على الأرض تتقدم في الميدان». ولفت جابر، وهو عميد متقاعد من الجيش اللبناني، إلى أن الضربات «حققت نتائج مهمة في كوباني، لكنها لا تُعدّ كافية أيضا، إذ يجب أن تضرب قوافل (داعش) وأرتاله العسكرية، قبل وصولها إلى المواقع المقصودة وتنفيذ انتشارها».

ويُعد ضرب القوافل العسكرية لـ«داعش» التي تتنقل بين المدن السورية، وتتجه أخيرا إلى كوباني، أبرز مطالب قوات وحدات حماية الشعب الكردي التي تقاتل في المدينة، ومطالب الخبراء العسكريين. وركزت ضربات التحالف في كوباني على استهداف آليات عسكرية ومدافع ورشاشات وسيارات نقل ومحمولات عسكرية يستخدمها التنظيم في هجماته، علما بأن التكلفة المالية للضربات تتخطى الأهداف التي دمرتها. أما في مناطق أخرى في سوريا، فإن الضربات استهدفت بشكل كبير مقرات التنظيم وقواعده ومعسكرات تدريبه، وأسفرت عن مقتل المئات من المقاتلين الجهاديين من التنظيمات المتشددة، بحسب التقديرات الأميركية، وأدت إلى تدمير بعض محطات تكرير النفط المحلية التي يسيطر عليها التنظيم في شرق سوريا، التي كانت تحقق له إيرادات بنحو مليوني دولار يوميا. كما أجبرت الضربات مقاتلي التنظيم على الاختفاء، وسط ترجيحات بتغلغلهم بين السكان المدنيين.

ويرى معارضون سوريون أن تعثر الضربات «يعود إلى غياب قوة عسكرية برية تؤازرها الضربات»، كما قال عضو المجلس الوطني السوري حسان نعناع لـ«الشرق الأوسط»، وأضاف أن الضربات «لم تجبر (داعش) على التراجع عن مواقع تقدمه في كوباني، كما لم تجبره على الانكفاء في مواقع سيطرته في شمال وشرق سوريا». وقال: «نفوذ التنظيم لا يزال على حاله، إذ يسيطر على المدن والقرى التي كانت بحوزته، ولم يفقد سيطرته عليها»، معربا عن اعتقاده بأن غياب قوة مؤازرة على الأرض «لن يضعضع التنظيم حتى لو ضربت مقراته وثكناته». ورأى نعناع أن القوة العسكرية الوحيدة القادرة على طرد «داعش» من مواقع نفوذه في سوريا، هي «الجيش السوري الحر الذي يحتاج إلى تسليح كي يتمكن من تحقيق مكاسب على الأرض»، مطالبا قوات التحالف «بتزويد مقاتلي الجيش الحر بالأسلحة النوعية، لأنه بغياب هذا الدعم، لن تتمكن الضربات الجوية من تحقيق أي مكسب». وأضاف: «مخاوف الغرب من تسليح الحرب لا مبرر لها».

وبرر الخبير العسكري والأمني العراقي اللواء المتقاعد عبد الكريم وقوع بعض أخطاء من قوات التحالف الدولي بأن ذلك يعود لتداخل المناطق والقوات مع مقاتلي «داعش»، خاصة ما حدث في كوباني قبل يومين، عندما أسقطت طائرات أميركية مساعدات عسكرية وإنسانية لقوات «داعش» كانت متجهة للأكراد، مشيرا إلى أن 90 في المائة من تلك الأسلحة والمواد الغذائية كانت قد وصلت إلى المقاتلين الأكراد المدافعين عن كوباني. وقال خلف لـ«الشرق الأوسط»: «هناك تغيير ملموس في استراتيجية القصف الجوي لطائرات التحالف الدولي»، منبها إلى أن «الضربات الجوية، ومنذ 5 أيام، أحدثت خسائر فادحة بين صفوف مقاتلي (داعش)، خاصة في تكريت والفلوجة؛ ففي محور صلاح الدين استطاعت هذه الضربات أن تقطع الطريق على (داعش) بين تكريت ومصفى بيجي، وأول من أمس، حقق القصف الجوي لقوات التحالف الدولي إنجازات كبيرة على الأرض في عامرية الفلوجة، مما مكَّن القوات العراقية ومعها مقاتلو العشائر (البوعيسى) من عزل مقاتلي (داعش) وقطع الطريق عليهم»، مشيرا إلى أن «محمر عامرية الفلوجة مهم للغاية، إذ يمكن مقاتلي (داعش) من الاقتراب من مطار بغداد الدولي من جهة، وتهديد محافظتي بابل وكربلاء من جهة أخرى». وقال: إن «مقاتلي (داعش) كثفوا من هجومهم على عامرية الفلوجة لامتصاص الهجوم الذي استهدفهم في صلاح الدين. ولسحب طائرات التحالف الدولي والقوات العراقية إلى محور الفلوجة، كي يحققوا بعض النتائج في تكريت وبيجي».

وقال اللواء خلف إن «الدعم الذي تقدمه قوات التحالف الدولي مهم للغاية للقوات العراقية ولفك الحصار عن بعض المدن، لكن هناك أهدافا تتداخل، وليس من السهل الفصل بين وجود قوات (داعش) أو المدنيين أو مقاتلين محليين ضد (داعش)». وشدد خلف على أن «الموضوع الأهم هو تسليح الجيش العراقي وتدريبه، فالإدارة الأميركية لم تسلح سوى ما نسبته 1 في المائة من الأسلحة الثقيلة لمسرح العمليات القتالية، وقبل يومين، تمت الموافقة على تجهيز دبابات (برامز) الأميركية بـ40 ألف قذيفة بكلفة 600 مليون دولار، وهذه الأسلحة مهمة جدا للقائد الميداني، خاصة أن أهداف (داعش) متحركة ويمكن رصدها ومهاجمتها بالدروع، وهذا يساعد الجهد الجوي ويخفف منه»، مشيرا إلى أن «سلاح الدروع مهم للغاية في ميدان القتال، ووصول الذخائر من أميركا فيه الكثير من الدعم للقوات العراقية». وحول موضوع تأخر تجهيز الولايات المتحدة العراق بالأسلحة وبطائرات «إف 16» المتفق عليها، قال اللواء خلف الذي كان يشغل منصب المتحدث باسم عمليات بغداد: «المعروف أن الإدارة الأميركية تتصرف بحذر خاصة بموضوع التسليح، وتدرس صفقات الأسلحة».

من جهتها، أكدت وزارة الدفاع الأميركية صحة الفيديو الذي ظهر فيه مقاتلو «داعش» وفي حوزتهم حزمة من الأسلحة والمساعدات التي قامت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة بإنزالها عند بلدة كوباني الحدودية. وقال الكولونيل ستيف وارن أن اثنتين من حزم شحنات الأسلحة والمساعدات ضلت طريقها، وواحدة جرى تدميرها، والأخرى سقطت في يد «داعش» وشملت أسلحة صغيرة وقنابل يدوية وإمدادات طبية.

وقال الكولونيل وارن: «يبدو أن الرياح هي التي تسببت في ابتعاد الشحنة عن مسارها وسقوطها في يد (داعش)، ودائما ما يكون هناك هامش للخطأ عند إسقاط المعونات جوا، والرياح يمكن أن تعيق التحرك نحو الهدف المنشود».

وشدد المسؤول الأميركي على أن الأسلحة التي وقعت في يد «داعش» ليست كافية لإعطاء «داعش» نوعا من المزايا، والتقدم في المعركة. وكان الأدميرال دون كيربي المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية سبقه بإعلان أن الخبراء العسكريين يجرون تحقيقا حول الفيديو الذي يظهر مقاتلين من تنظيم «داعش» وهم يحملون حزمة من الإمدادات العسكرية الأميركية التي تم إسقاطها قرب مدينة كوباني عين العرب السورية، لمساعدة المقاتلين الأكراد، بينما أشار بيان لمركز القيادة الأميركية الوسطى إلى أنه تم تدمير شحنة أسلحة سقطت بالقرب من تجمعات «داعش».

وأثيرت عدة تساؤلات حول تلك الشحنة من الأسلحة، وكيف سقطت في يد «داعش»، وهل ضلت طريقها أم هناك أخطاء في الحملة الجوية ضد «داعش». وقد سبب سقوط هذه الشحنة في يد «داعش» إحراجا للبنتاغون غطى على نجاح عمليات مساعدة القوات الكردية في كوباني في دفاعها ضد تنظيم «داعش». وقال كيربي في مؤتمر صحافي: «نحن لا نعرف الإجابة، والمحللون في تامبا (مركز القيادة الأميركية الوسطى) وهنا في البنتاغون يدرسون هذا الفيديو، ونحاول تقييم صحة ذلك، ولا أعرف ما إذا كانت تلك الأسلحة هي إحدى الشحنات التي أسقطناها». وأشار الأدميرال كيربي إلى أن معظم الشحنات من الأسلحة - التي بلغت 28 شحنة - تم إنزالها ووصلت ليد الأكراد، وقال: «نحن واثقون أن الغالبية العظمي من الشحنات التي تم إنزالها وصلت إلى الأكراد، وندرك أن حزمة واحدة فقط لم تصل، ويمكنني أن أؤكد أن حزمة واحدة فقط لم تصل، وسنقوم بالتأكيد بالتحقيق لمعرفة المزيد عن أسباب ذلك».

من ناحية أخرى، أشار الأدميرال كيربي إلى أن كلفة الحرب على «داعش» بلغت، منذ 8 أغسطس (آب) الماضي، حتى الآن، نحو 424 مليون دولار، بمتوسط 7.6 مليون دولار في اليوم.