المصالحة الوطنية في العراق بين الأمنيات والعقبات

علاوي يتولى التحضيرات.. وسياسيون لـ «الشرق الأوسط»: الأجواء الآن أفضل

TT

تتطابق رؤية الرئيس العراقي فؤاد معصوم مع رؤية نائبه إياد علاوي بشأن أهمية المصالحة الوطنية في العراق من أجل تحقيق الانتصار على الإرهاب والتطرف. فالرئيس معصوم، ولدى لقائه عددا من ممثلي وسائل الإعلام العراقية والعربية ومنها «الشرق الأوسط»، أول من أمس، ركز على مسألة المصالحة الوطنية للمرحلة المقبلة بعد أن «لم تتمكن الجهة السابقة التي تولت هذا الملف من تحقيق أي تقدم حقيقي فيه، لأن من يتوجب عليه التصدي لهذه المهمة لا بد أن يكون موضع ثقة وإجماع من قبل الجميع».

معصوم، وفي سياق كشفه عن الخطوات العملية اللازمة لتفعيل هذا الملف، قال إن «رئاسة الجمهورية هي من تولت هذا الأمر، وقد عقد اجتماع بين الرئيس ونوابه لهذا الغرض ومن ثم عقد اجتماع موسع للرئاسات الثلاث بشأن ذلك وقدمت أوراق لغرض دراستها، على أن يصار إلى عقد مؤتمر شامل للمصالحة يتم الإعداد له بصورة جيدة وشفافة»، مبينا في الوقت نفسه أن «المصالحة يجب أن تكون في الهواء الطلق لا في الغرف المظلمة لأن المصالحة للجميع بين كل أبناء الشعب العراقي».

وبانتظار المؤتمر الموسع الذي يجري العمل على إنضاج مفرداته ينهمك نائب الرئيس لشؤون المصالحة الوطنية، إياد علاوي، في إعداد وتحضير الملفات الخاصة بالمصالحة وفي سياق خطوات سياسية وقضائية وإجرائية.

وعلاوي، الذي يحظى بمقبولية واسعة داخل العراق وخارجه، بات هو اليوم الأكثر قدرة على تبني قضية المصالحة شريطة أن تتوفر الأرضية القانونية والسياسية لإنجاحها. ويرى علاوي أن «المصالحة الوطنية التي نعمل على تحقيقها تعد الفرصة الأخيرة للعراق لكي ينهض ويتعافى ويسير في طريق السلام والاستقرار وليكون العراق لكل العراقيين، عدا الإرهابيين والقتلة وسراق المال العام». وقال علاوي في لقاء تلفزيوني إن «الشعب العراقي من حقه أن يعيش بأكمله بحالة صلح وسلم اجتماعي وأهلي، وإذا لم يتم هذا فلن يفيق العراق من هذه الكبوة»، عازيا سبب اشتراكه في الحكومة الحالية إلى حرصه على تحقيق المصالحة الوطنية «وما سيتمخض عنها لإخراج العراق من النفق المظلم الذي يسير فيه، فلم تكن هناك مصالحة وطنية في السابق، وكأنما المصالحة هي بين أطراف موجودة أصلا في العملية السياسية».

وكشف علاوي عن خطوات وصفها بالعملية لتحقيق المصالحة الوطنية، وقال إن «القضاء على الطائفية السياسية وأن يكون العراق لكل العراقيين أولى الخطوات، وثانيا البعثيون السابقون، وثالثا القوات المسلحة، ورابعا القوة التي قامت بمقاومة المحتل، وخامسا المجموعات التي تضررت في عهد النظام السابق، هي الشرائح التي يجب أن تشملها المصالحة الوطنية».

رئيس لجنة المصالحة الوطنية في الدورة الماضية للبرلمان العراقي قيس الشذر يقول في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن «المصالحة الوطنية ليست شعارات أو كلاما براقا، بل هي إجراءات على الأرض، ولو كانت قد طبقت بشكلها الصحيح سواء من خلال إجراءات العدالة الانتقالية مثل المساءلة والعدالة أو قانون العفو أو التمييز الطائفي والقضاء على التهميش والإقصاء لكانت رسالة واضحة وصريحة وحقيقية لجميع العراقيين بأنهم متساوون في الحقوق والواجبات، ولكانت قد حصلت على مساندة الجميع، ولكانت قد حلت نحو 90 في المائة من المشكلات التي نعانيها والتي تفاقمت خلال الفترة الأخيرة».

ويضيف الشذر قائلا إن «هناك أمورا كان ينبغي الإسراع في الانتهاء منها، مثل قانون العفو أو إجراءات المساءلة والعدالة وإعادة التحقيق في حق الموقوفين من الذين سجنوا ظلما، والاهتمام بأبناء الصحوات الذين لم يتحقق لهم شيء رغم صدور أمر ديواني بإعادة دمجهم في دوائر الدولة بنسبة 80 في المائة والأجهزة الأمنية بنسبة 20 في المائة». ويرى الشذر أنه «لو كانت هناك جدية في هذا المجال لكانت العملية السياسية قد حمت نفسها بنفسها ولم تكن بحاجة إلى ما باتت بحاجة إليه اليوم»، كاشفا أن «هناك فصائل مسلحة دخلت في مشروع المصالحة الوطنية ولكنها لم يتحقق لها ما وعدوها به فتراجعت، وكانت هذه واحدة من النكسات التي عانت منها المصالحة في الفترة الماضية».

وبشأن ما إذا كانت لا تزال هناك عقبات تحول دون تحقيق الأماني المرتبطة بالمصالحة الوطنية، يقول الشذر إن «الأجواء الآن أكثر إيجابية من أجل تحقيق المصالحة الوطنية، ويبدو أن هناك جدية في التعامل مع هذا الملف الذي في حال لم يجرِ تطبيقه بصورة صحيحة فإن العراق سيواجه المزيد من المشكلات والمآسي».

بدوره، يرى النائب في البرلمان العراقي حامد المطلك الذي ينتمي إلى كتلة الوطنية التي يتزعمها علاوي، في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن «المطلوب الآن هو ترسيخ مفهوم المصالحة الوطنية بشكل حقيقي في جميع فئات المجتمع العراقي دون استثناء». ويضيف المطلك أن «الصراع بين الأطراف السياسية حال دون تطبيق مبدأ المصالحة الوطنية في البلاد»، مشيرا إلى أن «الحكومة هي من تؤجج تلك الفتن وتخلق صراعا بين الأطراف السياسية». وحمل المطلك الحكومة السابقة برئاسة نوري المالكي مسؤولية إفشال المصالحة بسبب «غياب رؤية الحكومة وعجزها عن إدارة البلد ومعالجة المشكلات، مما حال دون وجود شعب متصالح بسبب الخلافات بين الأطراف السياسية التي تؤثر بصورة مباشرة على أبناء الشعب العراقي». ويشير إلى أن «الحكومة لم تتمكن من سماع الأصوات المطالبة بالإصلاح في محافظة الأنبار من خلال المظاهرات التي خرج فيها أهالي الأنبار»، لافتا إلى أن «محافظة الأنبار كانت من أهدأ المحافظات في العراق وأن الأعمال الإرهابية كانت تظهر في ديالى ونينوى وكركوك وفي المناطق المحيطة بالعاصمة بغداد».

من جانبه، يرى عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي ومنسق التيار الديمقراطي في العراق، رائد فهمي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «المصالحة الوطنية حقيقية هذه المرة، إذ يبدو أن هناك أفقا حقيقيا لها وقد أصبحت تحظى بأولوية بسبب التحديات الكبيرة التي نواجهها اليوم وهي الإرهاب و(داعش)». ويضيف فهمي أن «قوة الإرهاب جاءت من تفكك النسيج الوطني وغياب الرؤية الوطنية الموحدة، لذلك فإن الحاجة باتت ماسة اليوم إلى إعادة بناء الثقة»، مبينا أن «هناك اتفاقا بين الجميع وأن الخلاف يتمحور الآن حول مع من نتصالح وكيف نتصالح»، مطالبا بأن «تكون هناك معالجة مجتمعية لمسألة المصالحة، وهو ما يتوجب على رجال الدين وغيرهم من قادة المجتمع المدني معالجته، وهناك الإطار السياسي والمتمثل بمجموعة القوانين والإجراءات التي يجب أن تتولاها الحكومة، سواء عبر قوانين العدالة الانتقالية مثل المساءلة والعدالة وغيرها، أو مثل قوانين العفو والتمييز بين المجرمين ومن اضطروا إلى الانتماء إلى البعث في مرحلة معينة».