بناء مزيد من المستوطنات في القدس يعمق الخلافات بين واشنطن وتل أبيب

مسؤولون أميركيون يصفون نتنياهو بالجبان.. وإسرائيل ترد بعدم تقديم أي تنازلات للفلسطينيين

عمال إسرائيليون يقومون بهدم أكواخ فلسطينية في ضواحي بلدة سلوان أمس (أ.ف.ب)
TT

اتخذت العلاقات الأميركية الإسرائيلية المتوترة منعطفا جديدا خلال اليومين الماضيين، بعد إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بناء 1060 وحدة استيطانية جديدة بالقدس الشرقية، وخرجت تصريحات مسؤولين بالإدارة الأميركية تحمل انتقادات مباشرة وحادة لرئيس الوزراء الإسرائيلي، وتصفه بالجبان، في سابقة غير مألوفة من المسؤولين الأميركيين.

فقد نقلت مجلة «أتلانتيك» عن مسؤول أميركي قوله إن «نتنياهو جبان، والأمر الوحيد الذي يهتم به هو حماية نفسه من هزيمة سياسية، وهو ليس شجاعا»، وقال مسؤول أميركي آخر لذات المجلة، إن «نتنياهو لا يهتم إلا ببقائه السياسي، وإنه لا يفعل شيئا من أجل التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين أو الدول العربية». وحاول البيت الأبيض أن ينأى بنفسه عن تلك التصريحات القوية، حيث قال أليستر باسكي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في هذا الصدد «بالتأكيد هذه ليست وجهة نظر الإدارة، ونحن نعتقد أن مثل هذه التصريحات غير مناسبة وغير مثمرة.. والرئيس أوباما ورئيس الوزراء نتنياهو لديهما شراكة فعالة، ويتشاوران عن كثب وبشكل متكرر».

إلا أن المتحدث باسم مجلس الأمن القومي اعترف بأن العلاقات بين البلدين تشهد نوعا من التوتر، وقال موضحا «هناك أوقات تشهد بعض التوتر، وذلك عندما نختلف مع تصرفات الحكومة الإسرائيلية، ونقوم بإعلان قلقنا، فمثلا نحن لدينا مخاوف من سياسة الاستيطان الإسرائيلية، وعندما نقوم بتقديم تلك المخاوف كشريك، فإن ذلك يعني أننا نشعر بقلق عميق إزاء مستقبل إسرائيل، ونريد أن نرى إسرائيل تعيش جنبا إلى جنب في سلام وأمن مع جيرانها».

وإثر صدور هذه التعليقات رد وزير الاقتصاد الإسرائيلي نفتالي بينت الليلة الماضية على هذه التصريحات قائلا، إن «إسرائيل أقوى من كل شاتميها.. ورئيس الحكومة ليس شخصية مستقلة، وإنما زعيم لدولة اليهود والعالم اليهودي كله، ومثل هذه الشتائم بحق رئيس الحكومة الإسرائيلية تمس بملايين المواطنين في إسرائيل وباليهود في كل العالم». وأضاف بينت «إنه لم يتم وصف الزعيم السوري الذي ذبح 150 ألفا من مواطنيه بأنه جبان. وإذا صح ما تم نشره فهذا يعني أن الإدارة الأميركية الحالية تنوي إلقاء إسرائيل تحت عجلات الحافلة».

وبعد الهجوم القاسي عليه من طرف الإدارة الأميركية لرفضه التوصل إلى تسوية من أجل السلام، تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أمس، بعدم تقديم أي تنازلات للفلسطينيين. وقال نتنياهو أمام البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) «لن أقدم تنازلات ستعرض دولتنا للخطر.. ومصالحنا العليا وعلى رأسها الأمن ووحدة القدس لا تقف على رأس سلم أولويات المصادر المجهولة التي تهاجمنا وتهاجمني شخصيا»، واعتبر أن «الهجوم عليه جاء فقط لأنه يقوم بحماية دولة إسرائيل»، حسب تعبيره.

وقال المحلل السياسي جيفري غولدبرج، الخبير في العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل، إن «المسؤولين الأميركيين لا يستخدمون مصطلح جبان مع الصحافيين، على الأقل، عند الحديث عن دول غير صديقة، مثل روسيا أو عن فلاديمير بوتين، أو عن فنزويلا ونيكولاس مادورو، فكيف تستخدم هذا اللفظ مع حليف رئيسي مثل إسرائيل؟».

وأشار غولدبرج إلى أن استمرار هذا التوتر قد يدفع الإدارة الأميركية إلى رفع يدها عن حماية إسرائيل في المنظمات الدولية، خصوصا مع سعي الفلسطينيين نحو إقامة دولتهم، من خلال استصدار قرار من الأمم المتحدة، وقال بهذا الخصوص «لو اعترضت الولايات المتحدة بالفيتو على قرار لإقامة الدولة الفلسطينية فإنها قد تدعو بذلك إلى صياغة قرار بديل يركز على المستوطنات، وتدفع به للتصويت في مجلس الأمن».

من جهتها، أشارت صحيفة «واشنطن بوسط» إلى أنه ليس سرا أن أوباما ونتنياهو يكرهان بعضهما البعض، وأن السنوات الماضية شهدت علاقات فاترة بين الرجلين، خصوصا بعد إعلان نتنياهو دعمه للمرشح ميت رومني، مقابل الرئيس أوباما في الانتخابات الرئاسية عام 2012. وقد برز التباعد بين واشنطن وتل أبيب بشكل كبير خلال زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعالون إلى واشنطن الأسبوع الماضي، حيث التقى بنظيره الأميركي تشاك هاغل، بينما اعتذر نائب الرئيس الأميركي جون بايدن عن لقائه، كما اعتذرت سوزان رايس، مستشارة الأمن القومي أيضا عن لقائه، ولم تتم أي ترتيبات للقاءات مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري بسبب انتقادات يعالون للسياسات الأميركية بشكل حاد، وتصريحاته ضد جون كيري التي وصفه في تلك التصريحات بـ«المهووس».

وكان جون كيري قد وجه انتقادات جديدة للأوضاع بين الفلسطينيين والإسرائيليين الأسبوع الماضي خلال زيارته لألمانيا. وقد أثارت تصريحات سابقة لكيري غضبا كبيرا داخل إسرائيل، بعد أن اتهم كيري إسرائيل بالتسبب في صعود التطرف الإسلامي في المنطقة، مع عدم التقدم في حل القضية الفلسطينية والتوصل إلى سلام بين الجانبين. وعلى إثر ذلك وجه مسؤولون إسرائيليون انتقادات حادة لكيري رافضين ربط تصاعد التطرف الإسلامي بحل القضية الفلسطينية.

وحذرت ديبرا ديلي، رئيسية منظمة «أميركيون من أجل السلام الآن»، التي يوجد مقرها في واشنطن، من مضي حكومة نتنياهو في بناء المزيد من المستوطنات، ومن العواقب المحتملة لهذه التدابير، وقالت في بيان، إن «الإعلان عن بناء مستوطنات جديدة في الضفة الغربية ومشاريع استيطانية في القدس الشرقية يعني أن رئيس الوزراء نتنياهو يلعب بالنار، ليس فقط بالمخاطرة بزيادة تدهور الوضع الأمني في القدس، بل إنه يجازف أيضا بخلق أزمة عميقة في علاقات إسرائيل مع واشنطن ومع المجتمع الدولي».

ودعت رئيسة المنظمة رئيس الوزراء نتنياهو إلى التصرف بمسؤولية، وعدم القيام بأفعال استفزازية وغير مقبولة في القدس الشرقية، وطالبته بتجنب غضب المجتمع الدولي الذي بدأ يفقد صبره مع سلوك نتنياهو.

كما حذر باحثون إسرائيليون في معهد دراسات الأمن القومي، التابع لجامعة تل أبيب، من أن العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة تتجه إلى صدام بسبب الخلافات حول عملية السلام مع الفلسطينيين والوضع في سوريا، وسياسات واشنطن حول الملف النووي الإيراني. ويشير المحلل السياسي الوف بن، من صحيفة «هآرتس»، إلى أن الرئيس أوباما يكثر من الحديث عن حل الدولتين وحقوق الفلسطينيين، ويطالب الإسرائيليين بوقف الاستيطان، وتجميد البناء وتفكيك البؤر الاستيطانية، لكنه استبعد أن يؤدي ذلك إلى صدام مباشر بين الطرفين، مؤكدا أنه حتى في حالة حدوث هذا الصدام فإنه لن يؤثر على العلاقات الخاصة بين الطرفين.

وكانت الولايات المتحدة والمجتمع الدولي قد انتقدا إسرائيل بسبب خططها لبناء آلاف من الوحدات السكنية الاستيطانية في القدس الشرقية والضفة الغربية المحتلتين. وقد سبق للبيت الأبيض أن حذر في أوائل أكتوبر (تشرين الأول) الحالي من أن مواصلة النشاط الاستيطاني «سيبعد إسرائيل حتى عن أقرب حلفائها».