وزير الخارجية الإسرائيلي أبا إيبان كان رائدا في الاستخبارات البريطانية.. لكنه وقع تحت رقابتها

لندن تفرج عن ملفات سرية تعود إلى ما قبل الحرب العالمية الثانية

TT

أفرج جهاز الاستخبارات البريطاني (إم آي 5) اليوم عن ملفات تعود إلى فترة الحرب العالمية الثانية والحقب التي تبعتها، والتي تتناول فترة مهمة من الحرب الباردة والعلاقة التناحرية مع الاتحاد السوفياتي. وبخصوص الشرق الأوسط كان من بين ما أفرج عنه من قبل الأرشيف الوطني البريطاني في غرب لندن عدد من الملفات التي تتناول بإسهاب نشاطات وزير الخارجية الإسرائيلي الراحل أبا إيبان، الذي عمل ضابط استخبارات في الجيش البريطاني، وكان مسؤولا عن تدريب العناصر اليهودية في فلسطين تحضيرا لمقاومة أي محاولة احتلال ألماني للمنطقة. أبا إيبان كان يحمل الجنسية البريطانية وجواز سفر صادرا من القدس، إلا أن نشاطاته البريطانية تزامنت أيضا مع نشاطاته في الوكالة اليهودية التي عمل مديرا لها. كما أن أبا إيبان قد أعلن للسلطات البريطانية أنه ينوي الحصول على الجنسية الإسرائيلية، ويبدأ يعمل لصالح الدولة الجديدة.

وعلى الرغم من أنه لم تكن هناك مفاجآت في الوثائق، فإن فائدتها تكمن فيما تقدمه حول عمل أجهزة الاستخبارات البريطانية، التي تغيرت مهماتها بعد الحرب العالمية الثانية. ومن هنا فقد وصف، المؤرخ كريستوفر آندرو، في تقديمه لهذه الوجبة من الملفات الأمنية، وأخرى كان قد أفرج عنها في بداية العام الحالي، بأنها قد غيرت طريقة البحث والكتابة حول الإمبراطورية البريطانية، التي ما زالت قائمة في تلك الفترة وتعتبر الأكبر في التاريخ.

الوثائق تبين أن جهاز الاستخبارات راقب وبشكل مبرمج ولعقود المكالمات التليفونية والرسائل والاتصالات الشخصية وغير الشخصية لعشرات من النشطاء في الحزب الشيوعي، خصوصا الكثير من الأكاديميين في جامعتي أكسفورد وكمبردج، ممن كانوا معروفين بنشاطاتهم في الحزب الشيوعي. وكان من بينهم أيضا المؤرخ اليساري الآخر إيه جي بي تيلاور الذي كانت كتاباته من خلال عمله الأكاديمي في جامعة أكسفورد تعتبر مصدر إلهام للمنظمات اليسارية والماركسية في بريطانيا. وكان قد طلب إيريك هوبزبون الذي توفي عام 2012 الاطلاع على ملفاته، إلا أن طلبه رفض. أما هيل فقد توفي عام 2009، لكن بعض الوثائق أخفت بعض الأسماء وبعض التقارير التي كتبت عنهما في تلك الفترة من خلال عملاء يعملون لصالح جهاز شرطة أو «إم آي 5»، كانوا قد اخترقوا المنظمات اليسارية التي عملوا فيها.

وتتضمن الملفات مادة مهمة حول نهاية الانتداب البريطاني على فلسطين، وبداية إنشاء دولة إسرائيل. الوثائق بهذا الخصوص جاءت في مجلدين وتتناول بإسهاب أبا إيبان (أوبري سولومون إيبان)، البريطاني المولد، والذي عمل في قلم الاستخبارات البريطانية قبل وخلال الحرب العالمية الثانية، وقبل أن يحمل الجنسية الإسرائيلية ويعمل في السلك الدبلوماسي الإسرائيلي في الأمم المتحدة ويصبح وزيرا للخارجية لمدة 8 سنوات.

الملفات تبين نشاطات أبا إيبان ومراسالاته مع الشخصيات والمنظمات اليهودية، وتبين أن هذه الشخصية المتنفذة قدمت خدمات جليلة لإسرائيل ومن خلال نشاطاته الاستخباراتية بشكل عام، وفي جهاز العمليات الخاصة خلال الحرب العالمية الثانية لصالح بريطانيا، وعمله كضابط اتصال في الوكالة اليهودية في لندن. ومن الوثائق التي يتضمنها الملف رسالته التي يعلن فيه نيته الحصول على الجنسية الإسرائيلية.

الملفات تغطي الفترة ما بين يناير (كانون الثاني) 1939 وفبراير (شباط) 1957. وتبدأ منذ أن كان يعمل باحثا في جامعة كمبردج في اللغات الشرقية (يتمتع أبا إيبان بقدرات عالية في اللغات الشرقية وكان يتكلم العربية والعبرية والفارسية والإنجليزية والفرنسية والألمانية). وتبين الوثائق أنه عمل في استخبارات الجيش البريطاني في فلسطين برتبة رائد، وكان مسؤولا عن تدريب العناصر اليهودية في حرب العصابات لمواجهة أي احتلال ألماني. رغم عمله في الاستخبارات البريطانية، فإن نشاطاته اليهودية أثارت الشكوك حوله بخصوص نياته السياسة وطموحاته في إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين. وهذا كان سببا لمراقبته.

ويتضمن الملف تقريرا للشعبة الخاصة البريطانية التابعة لشرطة لندن، وذلك بعد تفتيشه في مطار في غرب لندن بعد رجوعه إلى لندن بعد حضوره اجتماعا في جنيف حول فلسطين. وهناك بعض الرسائل الخاصة التي بعث بها والد زوجته سوزي الذي كان يعيش في القاهرة، وأخرى حول تعيينه سفيرا لإسرائيل لدى الأمم المتحدة.

اسمه أوبري سولومون إيبان، لكن يختصر إلى أبا إيبان. يظهر تقرير جهاز شرطة لندن أنه تم توقيفه عدة مرات لدى دخوله أو خروجه من بريطانيا في السنين الأولى بعد الحرب العالمية الثانية مع ازدياد نشاطات المنظمات اليهودية على إنشاء دولة إسرائيل. وتم إيقافه بإيعاز من جهاز الاستخبارات خصوصا بعد أن تحولت نشاطاته باتجاه الوكالة اليهودية. وفي 5 أغسطس (آب) عام 1947 تم تفتيشه في مطار «نورثهولت» العسكري في غرب لندن من قبل رجال الشعبة الخاصة.

ويقول التقرير: «إن الشخص المعني قد وصل إلى مطار نورثهولت بعد الظهر من جنيف.. إنه من مواليد كيب تاون في جنوب أفريقيا ويحمل الجنسية البريطانية (رقم سي 191549) صادر من القدس. ويضيف التقرير أن إيبان عرف نفسه بأنه فلسطيني ويعمل مديرا للوكالة اليهودية. «الشخص المعني كان قادما من اجتماعات الأمم المتحدة حول فلسطين، وأنه كان ممثلا ليهود فلسطين في تلك الاجتماعات». كان أبا إيبان يسكن في تلك الفترة في هاي غيت بشمال لندن. ويضيف التقرير أنه «تم تفتيشه بشكل لا يثير الشبهات، وأنه لم يكن لديه أي معلومات تفيد جهاز الشرطة الخاصة البريطانية».

وهناك تقرير آخر شبيه حول قدومه إلى ميناء ساوثمبتون البحري في أغسطس عام 1948. ويقول التقرير، إن «إيبان وصل إلى الميناء قادما من نيويورك على متن الباخرة (الملكة إليزابيث). وكان إيبان مع زوجته سوزان. هذا الشخص الذي يسكن في شمال لندن يحمل الجنسية البريطانية ويصف نفسه بأنه مدير الوكالة اليهودية في فلسطين، وأنه كان في طريقه إلى باريس لحضور جلسة الجمعية العمومية للأمم المتحدة حول فلسطين». ويقول التقرير إن رجال الشعبة الخاصة قابلوه وتكلموا معه حول نشاطاته. كما يحتوي الملف على تسجيلات لمكالماته الخاصة مع زوجته وعائلة زوجته التي كانت تسكن القاهرة.