إسلاميون ويساريون يتهمون السبسي وأنصار بن علي: «التصويت المفيد» وراء تفوق حزب «نداء تونس»

حديث في الكواليس عن لقاء مرتقب بين قائد السبسي والغنوشي

الهيئة العليا للانتخابات في تونس خلال مؤتمر صحافي أثناء مواصلة إعلانها عن النتائج الجزئية للانتخابات البرلمانية في مقرها بتونس أمس (أ.ف.ب)
TT

يتابع سياسيون بارزون في تونس، بينهم عدد من نشطاء حركة النهضة والأحزاب التي كانت تهمين على المشهد السياسي قبل انتخابات 26 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، انتقاداتهم لخطة «التصويت المفيد» التي اعتمدها قياديون من الأحزاب التي خرجت من حزب الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، التي دعت جميع التونسيين إلى انتخاب «حزب نداء تونس» بزعامة الباجي قائد السبسي، مع اتهام من لم يصوت له بالتصويت لفائدة «حركة النهضة».

وسائل إعلام تونسية كثيرة قريبة من حركة النهضة الإسلامية بينها مواقع اجتماعية وقناتا «الزيتونة» و«المتوسط» التلفزيونيتان، نشرت سلسلة من التصريحات لزعماء من حركة النهضة ومرشحيها في الانتخابات اتهمت قيادات من «رموز النظام السابق» - بينها الباجي قائد السبسي - بمحاولة «تقسيم التونسيين إلى إسلاميين وحداثيين أو إلى سلفيين وليبراليين مع تجاهل خطوة التوافق الوطني على الدستور الجديد في يناير (كانون الثاني) 2014 وهو توافق حسم خلافات قديمة في تونس بينها الموقف من الهوية العربية الإسلامية لتونس والمبادئ الكونية لحقوق الإنسان».

واتهم هؤلاء القياديون في التيار الإسلامي التونسي مثل عبد الفتاح مورو نائب رئيس حركة النهضة، بعض وزراء بن علي ورموز النظام السابق بكونهم «حاولوا ترويع الناخبين، عبر حثهم على (التصويت المفيد) و(معاقبة) حركة النهضة بسبب عجزها عن معالجة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية المتراكمة في البلاد منذ عقود». أثار تقدم حزب الباجي قائد السبسي اهتمام المراقبين لأنه تزامن مع «إخفاق كبير جدا» لبقية الأحزاب «الدستورية والتجمعية» بما في ذلك تلك التي يتزعمها سياسيون من الحجم الكبير مثل نائب رئيس الحزب الحاكم في عهد بن علي لمدة 15 عاما والوزير منذ عهد بورقيبة حامد القروي، والوزير الأسبق للنقل والسياحة عبد الرحيم الزواري، ووزير الخارجية والدفاع الأسبق كمال مرجان، والسفير الصحبي البصلي.. بل لقد أكدت مصادر حقوقية وسياسية كثيرة أن عملية الفرز العلنية في مكتب الاقتراع الذي صوت فيه حامد القروي نفسه كشفت أنه لا وجود لأي شخص صوت لفائدة حزبه «الحركة الدستورية»، بما يعني أن زعماء الأحزاب الدستورية والتجمعية أنفسهم صوتوا لفائدة قائمة «نداء تونس» بزعامة قائد السبسي، حسب محمد الفوراتي رئيس تحرير صحيفة «الفجر» الناطقة باسم حركة النهضة، الذي واكب عمليات الفرز في عدة مكاتب، وأكد أن «عدد الأصوات التي حصل عليها مرشحو الأحزاب الدستورية كان قريبا من الصفر»، وهو ما اعتبره مؤشرا على «تواطؤ بين قيادات حزب نداء تونس وبقية رموز النظام السابق خارجه ضد قائمات حزب النهضة الذي كان له الفضل في مصادقة البرلمان الانتقالي على قانون يسمح لهم بالترشح للانتخابات للمرة الأولى بعد الثورة».

القيادي في حركة النهضة عبد الفتاح مور الذي كان من بين أبرز الفائزين في الانتخابات عن دائرة العاصمة تونس، أورد أن مسار الانتخابات التونسية كشف أن لديها «3 أعداء توحدوا ضدها؛ على رأسهم خصومها الآيديولوجيون من (اليسار المتطرف)»، في إشارة إلى الشيوعيين والماركسيين والبعثيين، ورموز النظام السابق الذين وصفهم بـ«الاستئصاليين»، واتهمم بتشويه صورة الإسلاميين المعتدلين والخلط عمدا بينهم وبين «السلفيين التكفيريين والمتشددين» خدمة لأجندات سعت إلى إقناع الطبقة الوسطى والفقراء الذين تدهورت أوضاعهم المادية بعد الثورة «بالتصويت المفيد» أي الانحياز إلى قائمات حزب الباجي قائد السبسي والتضحية ببقية الأحزاب الدستورية بما فيها حزب «المبادرة» الذي كان البعض من المراقبين يرجح تفوقه كما يرجح زعيمه للفوز في الانتخابات الرئاسية.

ولم يقتصر الأمر على هذا النوع من الاتهامات، بل تعداها إلى «طعون» في سلوكيات بعض قادة الأحزاب الدستورية والتجمعية التي خرجت من رحم حزب بن علي، وقد أورد كمال الحجام القيادي في حركة النهضة بأن ملفات الطعون التي ستقدم للقضاء والهيئة العليا المستقلة للانتخابات تعد بالمئات.

في الوقت نفسه انتقد عبد الحميد الجلاصي، نائب رئيس حركة النهضة ورئيس الهيئة العليا للانتخابات في حزبه، ما وصفها بـ«الممارسات التي لا تشرف تونس» وبالضغوطات التي أورد أنها مورست على الناخبين خاصة في الأوساط الشعبية الفقيرة وأنه «ثبتت ممارسات غير قانونية» لإبعاد تيار من الناخبين عن التصويت لفائدة حزب النهضة، بما في ذلك عبر محاولة تشويهها من قبل بعض القوى «المعادية للثورة ومبادئ الثورة» أو عبر «المال السياسي الفاسد».

ولئن لم يسم عبد الحميد الجلاصي حزب نداء تونس والأحزاب «التجمعية» بالاسم، فقد جاءت تصريحاته المؤكدة لتقدم حركته بطعونات كثيرة للقضاء عن «شكوك» في نزاهة بعض الأطراف السياسية التي كانت تطالب بالمصالحة ورفض الإقصاء فتورطت في محاولات لإقصاء «النهضة»، عبر دعوات لـ«التصويت العقابي» أو «التصويت المفيد»، وعبر انتهاكات صارخة للقوانين ومن بينها القانون الانتخابي، لا سيما في ما يتعلق بتوظيف الأموال بشكل غير قانوني في السباق الانتخابي.

ولعل من أكثر التصريحات «إثارة» عند تقييم حصيلة الانتخابات التشريعية التونسية وتجربة تراجع شعبية حزب النهضة الإسلامي، تلك التي صدرت عن زعماء من أنصار الحوار السياسي مع «رموز الدولة في العهد السابق» مثل راشد الغنوشي زعيم الحركة ومستشاره السياسي لطفي زيتون ونائبة رئيس المجلس الوطني التأسيسي محرزية العبيدي ورئيس المكتب السياسي السابق عامر العريض.

وقد أقر عدد من هؤلاء بـ«تهرئة» نسبية في شعبية حركة النهضة الإسلامية «بسبب سنوات المشاركة في الحكم»، واعتبروا ذلك «أمرا طبيعيا» في بلد لا يزال قادة النظام السابق يلعبون فيه دورا كبيرا مستفيدين من «اعتدال حركة النهضة ومن معارضتها مقترحات مشروع قانون الإقصاء السياسي» الذي صادق عليه أول الأمر نصف أعضاء البرلمان الانتقالي تقريبا.

ورغم تنويه هؤلاء القياديين ببعض «الخطوات الإيجابية» التي قام بها عدد من منافسيهم «الدستوريون والتجمعيون» في مرحلة سابقة «دعما للتوافق السياسي الوطني » - خصوصا شخصيات مثل الوزراء السابقين منهم كمال مرجان وحامد القروي وعبد الرحيم الزواري - فإنهم يحملونهم جانبا من مسؤولية «دفع المجتمع التونسي مجددا نحو الانقسام حسب موقفهم من الهوية والمكاسب التقدمية للمرأة والشباب وحقوق الإنسان رغم الإجماع الذي وقع عند صياغة الدستور الجديد».

ولئن أعلنت عدة أحزاب وقائمات مستقلة أنها ستطعن أمام القضاء في نتائج بعض الدوائر الانتخابية وبعض القائمات الحزبية، فإن عبد الحميد الجلاصي (المسؤول الأول عن ملف الانتخابات في حركة النهضة) أكد أن قائمات حركته ستتقدم بطعون بالجملة في التجاوزات، كما انتقد محاولات بعض الأحزاب «الاستئصالية» للترويج مجددا «لمنطق العنف ولعقلية الهيمنة والإقصاء». واعتبر أن ذلك «لا يقود إلا إلى التصادم».

وضمن خطة تمزج بين سياستي «العصا والجزرة» دعا عدد من قادة «النهضة»، مثل عماد الحمامي الناطق الرسمي بالنيابة باسمها، زعامات الأحزاب اليسارية والدستورية والتجمعية وبينها «نداء تونس» إلى الحوار مع «الأطراف القوية في البلاد وعلى رأسها حركة النهضة الفائزة بالمرتبة الثانية في الانتخابات عند تشكيل الانتخابات. واعتبر أن «محاولات إقصاء (النهضة) فشلت؛ وإن أضعفت عدد نوابها في البرلمان المقبل من نحو 90 إلى أقل من 70، وذكر خصوم حركته من رموز النظام السابق وحلفائه بكون التعقيدات في البلاد تؤكد أنه لا يمكن لأي حزب بمفرده «التحكم في مستقبل البلاد ومعالجة الملفات الحارقة المفتوحة وعلى رأسها ملفات التشغيل والاقتصاد والأمن».

في الأثناء أكدت مصادر مسؤولة لـ«الشرق الأوسط» أن «لقاء وشيكا سينظم بين زعيمي حركتي النهضة راشد الغنوشي والباجي قائد السبسي فور إعلان الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عن النتائج المؤقتة كاملة». ويؤمل قياديون من عدة أحزاب، خصوصا من الحزبين الكبيرين في تونس، أن يسفر اللقاء عن توافقات سياسية بينهما عشية اجتماع الهيئة القيادية الموسعة لحركة النهضة (مجلس الشورى) يوم السبت المقبل لاختيار اسم الشخصية التي ستدعمها في الانتخابات الرئاسية المقررة فى شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.