سقوط شريكي «النهضة» في الترويكا

رئيس «المؤتمر من أجل الجمهورية» يعترف بالهزيمة والحركة تدعوه إلى الثبات

الرئيس التونسي المنصف المرزوقي ورئيس البرلمان مصطفي بن جعفر أثناء الاحتفال بالمصادقة على الدستور التونسي الجديد بمقر البرلمان في تونس في يناير الماضي (أ.ف.ب)
TT

لفتت النتائج الضعيفة التي أحرزها حزبا «المؤتمر من أجل الجمهورية» و«التكتل» انتباه المتابعين للمشهد السياسي فقد انتقلا بسرعة من موقع المشارك في الحكم والممارس للسلطة تحت قبة المجلس التأسيسي (البرلمان)، إلى حزبين ضعيفين لم يستطيعا تجاوز الـ5 نواب حسب النتائج الأولية التي قدمتها هيئة الانتخابات بشأن الانتخابات البرلمانية التي جرت الأحد الماضي.

ولن يحصل حزب «المؤتمر من أجل الجمهورية» على أكثر من 5 مقاعد برلمانية في أفضل الحالات (كان لديه 29 مقعدا في انتخابات 2011 واحتل المرتبة الثانية بعد حركة النهضة)، أما حزب «التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات»، فإن نتائجه كانت أفدح وسيتمكن من المحافظة على مقعد برلماني واحد (حصل على 19 مقعدا في الانتخابات السابقة).

من جهته، دعا عبد الفتاح مورو نائب رئيس حركة النهضة إلى توجيه رسالة لحزبي المؤتمر والتكتل قال فيها «اثبتوا ورمموا كيانكم وأنتم ستكونون رافدا للحركة المتمسكة بمكتسبات الثورة»، وهي رسالة قرئت على عدة أوجه وأثارت تعليقات عدة من بينها أن حركة النهضة قد لا تتخلى عن حلفائها خلال المرحلة السياسية المقبلة رغم خسارتها للأغلبية البرلمانية.

وتساءل متابعون للمشهد السياسي التونسي عن أسباب الفشل التي حلت بحزبين كانا شريكين لحركة النهضة في تحالف حكومي قاد تونس لمدة فاقت السنتين. ولعل الغريب في ملف هذين الحزبين أنهما مثلا خلال مداولات المجلس التأسيسي التيار المتشبث بمبادئ الثورة التونسية المنادي بإقصاء المنظومة القديمة ومنعها من العودة إلى النشاط السياسي، وهذا الموقف الراديكالي قد يكون وراء نجاة حركة النهضة من نتائج أكثر قساوة خلال ثاني انتخابات بعد الثورة بفعل قبولها بتجاوز هذا القانون وسماحها في نهاية المطاف بعودة رموز النظام السابق. وهذا الموقف عبر عنه رئيسها راشد الغنوشي بالقول إنه مستعد للعمل مع رجال بن علي.

ولئن تماسكت بعض القيادات من الصف الأول بحزبي المؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات وعبرت عن اعترافها بالهزيمة وبحثت لها عن تفسير عقلاني، فإن العقل نفسه لم يفهم هذا التراجع الكبير لنتائج حزبين دعما قانون الإقصاء وقدما مشروعه إلى مكتب المجلس التأسيسي وتمسكا بالمبادئ الأساسية لثورة 2011.

وخلال أشهر متتالية تدعمت صورة الحزبين بدعمهما شعارات الإقصاء وضرورة المحاسبة قبل المصالحة وألحوا على تقسيم التونسيين بشكل لافت للانتباه إلى أزلام وثوريين وتزعم حزب المؤتمر عملية تقنين الإقصاء من خلال مشروع قدمه للبرلمان وناصرته في ذلك عدة أحزاب سياسية من بينها حركة وفاء والتيار الديمقراطي (وكلاهما منسلخ من حزب المؤتمر) وكذلك الحزب الجمهوري وحزب التكتل وحزب المسار الديمقراطي الاجتماعي. ولم تشذ كل هذه الأحزاب عن القاعدة إذ لم تقدر حركة وفاء وحزب المسار على اقتلاع مقعد واحد في البرلمان الجديد، في حين أن التكتل تدحرج من 19 مقعدا إلى مقعد وحيد ونفس الشيء بالنسبة للحزب الجمهوري الذي تراجع بدوره من 17 مقعدا إلى مقعد يتيم.

وفي المقابل أكدت نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة فوز اليسار الراديكالي ممثلا في تحالف الجبهة الشعبية بزعامة حمة الهمامي (12 مقعدا) بنسبة غير متوقعة من المقاعد، كما فازت بعض الأحزاب الليبرالية الجديدة (حزب آفاق تونس الذي يتزعمه ياسين إبراهيم فاز بدوره بـ8 مقاعد برلمانية) بدورها بعدد من مقاعد البرلمان. وفي المقابل منيت الأحزاب التقليدية التي تزعمت المشهد السياسي في العهد السابق بهزيمة كبرى ستؤثر لاحقا على حظوظ مجموعة من مرشحي تلك الأحزاب لمنافسات الانتخابات الرئاسية التي تجري دورتها الأولى يوم 23 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

والمفاجأة التي حملتها انتخابات 2014 أن تلك الأحزاب قد تعرضت بالفعل لعقوبة انتخابية قاسية، إذ اعترف عماد الدايمي رئيس حزب المؤتمر من أجل الجمهورية بالهزيمة القاسية وقال إن «رسالة التونسيين قد وصلت»، وإن حزب المؤتمر مدعو إلى تغيير خطابه السياسي وسيسعى من جديد إلى دراسة انتظارات التونسيين. وأضاف «لن نتهرب من نتيجتنا.. الشعب وجه لنا رسالة قاسية». وفي المقابل تمسك الدايمي من جديد بمبادئ حزب المؤتمر وقال إنه لن يغير ثوابته وإن نوابه الـ4 أو الـ5 تحت قبة البرلمان سيقفون ضد عودة المنظومة القديمة.

ويلتقي الكثير من المراقبين مع ما ذهبت إليه بعض قيادات حركة النهضة من أن هذا التراجع على مستوى النتائج الانتخابية يعود بالأساس إلى سنوات حكم الحركة في ظروف صعبة على جميع المستويات وخاصة منها المستوى الأمني والاقتصادي والاجتماعي، ويبرهنون على ذاك التراجع بالثمن الباهظ جدا الذي دفعه الشريكان السابقان للحركة في الحكم.

ووفق تحاليل سياسية أعقبت الإعلان عن النتائج الانتخابية، بدا أن الناخب التونسي العادي لم يعد يأبه كثيرا للشعارات السياسية وانصب اهتمامه على من سيضمن له التنمية والتشغيل وهو ما جعل حزب الاتحاد الوطني الحر الذي أسسه بعد الثورة سليم الرياحي رجل الأعمال التونسي الشاب، يحصل على 16 مقعدا برلمانيا بعد أن قضى السنوات الماضية في حالة سبات. وهو إعلان صريح على أولوية التنمية والتشغيل في برنامج الناخب التونسي على حساب التوجه السياسي لمن سيحكمه خلال الـ5 سنوات المقبلة.