بيلاروسيا تتمسك بالتقاليد والمشاعر الوطنية للابتعاد عن روسيا

مواطنوها يشعرون بقلق متزايد إزاء الأزمة بين موسكو وكييف

TT

يعود مواطنو بيلاروسيا الذين يشعرون بقلق متزايد إزاء الأزمة بين موسكو وكييف، مجددا إلى تقاليدهم والتمسك بالروح الوطنية للابتعاد عن روسيا جارهم العملاق وحليفهم الكبير، حسبما قالت وكالة الصحافة الفرنسية.

وهذا الصيف فاجأ ألكسندر لوكاشنكو الرئيس البيلاروسي المستبد الحضور بإلقائه خطابا ليس باللغة الروسية كما تعود، بل بالبيلاروسية اللغة الوطنية للبلاد التي كان قد وصفها بـ«اللغة الفقيرة».

وخلال الأشهر الأخيرة بات الشعور الوطني سيد الموقف في هذه الجمهورية السوفياتية السابقة الحدودية مع روسيا والتي يتزايد عدد سكانها المقدر تعدادهم الإجمالي بـ9.5 مليون نسمة، الذين يسجلون لدراسة اللغة البيلاروسية والزواج وفق العادات والتقاليد الوطنية.

ولا يرى المحلل والمؤرخ أليكسي كورول في هذا الاندفاع والحماس للهوية الوطنية سوى فعل سياسي. وقال لوكالة الصحافة الفرنسية: «بالتركيز على الخصائص الوطنية يبدي الناس رفضهم للعدوان والشوفينية الروسية».

ويتبع مواطنو بيلاروسيا، برأيه، مثال جيرانهم الأوكرانيين الذين يعتبرون أن التحدث بلغتهم الوطنية أصبح رمزا لمقاومة نفوذ روسيا المتهمة بدعم الانفصاليين الموالين لموسكو الذين يحاربون قوات كييف في شرق أوكرانيا.

وأصبح ارتداء الملابس المزخرفة بالمطرزات الوطنية أمرا رائجا، أكان في الشارع أم في علب الليل. ورأت الخياطة لوليا ليتفينوفا الطلبيات على هذه القمصان المخصصة عادة للفلاحين في ازدياد كبير. وقالت بدهشة: «لدي طلبيات للأشهر الـ3 المقبلة فيما كنت من قبل أطرز 2 كل شهر».

ويمثل سعر القمصان الذي يتراوح بين 160 و560 يورو ثروة صغيرة في هذا البلد، حيث لا يتجاوز متوسط الراتب الشهري 400 يورو.

وتتوافر أمام الذين لا يستطيعون شراء لباس مطرز تشكيلة واسعة من قمصان الـ«تي شيرت» المزدانة برموز فولكلورية بيلاروسية.

وقال بافل بييلافوس، الذي اضطر لإطلاق موقع على الإنترنت لمواجهة الطلب بابتهاج: «بعت منها أكثر من ألف خلال الشهرين الماضيين».

وقد نظم رجل الأعمال أيضا معرضا لمصممي الملابس التقليدية. وتكلل هذا الحدث الذي تناولته الصحف الرسمية بنجاح باهر مع قدوم آلاف الزوار إليه.

واعتبرت اليونا خلوبتسيفا التي حضرت إلى المعرض «كل ذلك يجب أن يصان: المطرزات والملابس واللغة»، مضيفة: «لقد ورثناها عن أجدادنا».

ولفت المحلل أليكسي كوروم إلى «أن السلطات حاولت في السنوات الأخيرة خنق الهوية الوطنية لدى البيلاروس»، لكن «المقاومة الثقافية بقيت كامنة في المجتمع وقد قوتها الأحداث في أوكرانيا».

وبدأت السياسات الثقافية التي تعتمدها الدولة تتغير شيئا فشيئا، خاصة فيما يتعلق باللغة البيلاروسية المدعومة عادة من قبل المعارضة فقط.

وفي وقت سعى فيه ألكسندر لوكاشنكو على الدوم إلى الحد من استخدام البيلاروسية في البلاد - وذهب إلى حد صرف أساتذة يستخدمون هذه اللغة - بات طلاب المدارس مجبرين الآن على دراسة البيلاروسية ساعة إضافية أسبوعيا مقابل ساعتين فقط من قبل.

وبالنسبة للرئيس البيلاروسي فهي طريقة للنأي بالنفس عن روسيا التي انتقد في مارس (آذار) الماضي قرارها ضم شبه جزيرة القرم إلى أراضيها.

وقال عبر محطة «يورونيوز» التلفزيونية في أكتوبر (تشرين الأول): «إنها مقاربة خاطئة»، مشككا بالحجة الروسية، ومفادها أن موسكو لم تقم سوى باستعادة منطقة كانت لها حتى 1954.

وأضاف: «فلنعد إذن إلى زمن باتو خان، إلى زمن القبيلة الذهبية المنغولية. وفي هذه الحالة ينبغي أن تعود كل أراضي روسيا تقريبا، غرب أوروبا وشرق أوروبا، إلى كازاخستان ومنغوليا أو أخرى».