الحرب تغلق الصالات والمراكز الثقافية الأجنبية في دمشق.. وآخرها الروسي

النازحون حولوا قسما منها إلى سكن

صالة دمشق للفنون أغلقت منذ سنوات («الشرق الأوسط»)، الفنانة التشكيلية ريم الخطيب، والفنان التشكيلي عاصم زكريا.
TT

الأزمة والحرب تدخل الفنون الجميلة السورية في أزمة.. والخاسران: الرسامون الشباب الذين باتوا يعرضون أعمالهم على الإنترنت فيما غادر بعض الرسامين المخضرمين والمعروفين البلد إلى الخارج.. والخاسر الثاني جمهور الفنون الجميلة والأزمة تسببت بغلق معظم صالات العرض الخاصة وعددها 31 صالة أبوابها وبعضها تحول لأعمال تجارية ومنها صار سكن لنازحين.

تعودت صباح مدرّسة الرياضيات التي تقاعدت قبل 7 سنوات من عملها الوظيفي التدريسي أن تحضر مساء كل يوم إلى إحدى صالات وقاعات المعارض الفنية الكثيرة في دمشق حيث وكما تقول «لا بد أن أجد معرضا جديدا لفنان تشكيلي سوري أو أجنبي تنظمه هذه الصالات». ولكن ومنذ بدء الأزمة قبل 3 سنوات ونصف، كما تقول صباح، بدأت صالات عرض المراكز الثقافية الأجنبية تغلق أبوابها الواحدة تلو الأخرى. كان آخر المغلقين صالة المركز الثقافي الروسي قبل نحو سنة ونصف وقبله بفترة قصيرة صالة ثربانتس في المركز الثقافي الإسباني، كما انعدم نشاط الصالات الفنية الخاصة وبعضها لم يعد له وجود. وتواصل المواطنة صباح كلامها بشيء من الحزن والأسى على ما آلت إليه الأمور: «لدي أرقام هواتف معظم هذه الصالات أتصل معهم منذ أشهر لا أحد يرد، إذا حالفني الحظ وجاوب أحدهم يقول لي: نعتذر منك يا عزيزتي فليس لدينا أي معرض حاليا. صالتان ردّ علي أناس فيهما وقالوا لي نحن نسكن هنا منذ فترة لأننا نازحون من مناطقنا بسبب الحرب حيث تكرّم علينا صاحب الصالة وهو قريبنا بالسكن فيها ريثما نعود لمنازلنا».

من المعروف أن دمشق شهدت مع بداية الألفية الجديدة موجة فنية تشكيلية تجلّت في افتتاح وإطلاق عشرات صالات العرض الفنية الكبيرة والصغيرة نسبيا وفي مختلف مناطقها القريبة والبعيدة وفي حارات المدينة القديمة. وجاءت هذه الحالة بعد ركود وإغلاق لصالات كانت موجودة في التسعينات من القرن الماضي. وتعزو الفنانة التشكيلية السورية ريم الخطيب في حديثها لنا هذه الحالة الاستثنائية إلى الروح التجارية وتهافت أصحاب رؤوس المال الدمشقيين على توظيف أموالهم في هذا النشاط من منطلق أن أعمال الفنان التشكيلي السوري مطلوبة للبيع والشراء فلماذا لا نفيده ويفيدنا؟ أما حاليا، وبسبب الأزمة الاقتصادية وهبوط سعر العملة المحلية والتفاوت بين سعر الصرف أغلقت هذه الصالات أبوابها لأنه لم يعد هناك عرض وطلب، ولم يعد بالإمكان تحصيل السعر الحقيقي للوحة الفنية «ورأس المال يخاف» كما يقال، فيما البعض أغلقها نهائيا كما هو حال غاليري رفيا في مجمع البوليفار بفندق الفورسيزنز وسط دمشق التي استقبلت منذ افتتاحها معارض لفنانين تشكيليين وخطاطين وحروفيين معروفين على مستوى العالم العربي كما نظمت ندوات فنية ثقافية مهمة، في حين تحوّل بعضها لنشاطات أخرى ومنها غاليري «فري هاند» التي انطلقت في عام 2006 واحتضنت معارض فنية لتشكيليين معروفين وبشكل خاص للتشكيليين العراقيين. منذ سنتين ونصف وبسبب الأحداث الراهنة التي تعيشها البلاد وتعذرت إقامة معارض فنية، قرر صاحبها تحويل الصالة لنشاط تجاري آخر. من جهتها، حولت غاليري «أيام»، التي كانت كائنة في منطقة المزة جنوبي العاصمة دمشق، والتي تميزت بنشاطها الكبير واحتضانها ودعمها للتشكيليين الشباب، نشاطها إلى الخارج فافتتحت فروعا لها في عواصم ومدن عربية وأجنبية كما في لندن وبيروت ودبي. وتنظم هذه الفروع معارض لفنانين سوريين وغيرهم حاليا. أما غاليري أتاسي العريقة في منطقة الروضة الراقية وسط دمشق فأغلقت هي الأخرى أبوابها واستقرت صاحبتها في دبي فيما خلت الصالة من أي مقتنيات فنية.

ومن الصالات الأخرى المعروفة، غاليري «السيد»، لصاحبتها إلهام باكير التي تقول «أسست صالتي قبل ربع قرن في فترة زمنية كان فيها عدد الصالات الفنية في دمشق قليلا جدا وكان من أوائل زوّار صالتي الشاعر الراحل نزار قباني الذي أثنى على افتتاح الصالة في كلمة كتبها في سجل الغاليري حيث استقبلت فيها تشكيليين مخضرمين ومعروفين وأصحاب تجارب فنية رائدة ومتميزة سوريين وأجانب ولم تتوقف الصالة عن إقامة المعارض على مدى عمرها إلا في الـ3 سنوات الأخيرة مع بدء الأزمة والحرب التي تشهدها البلاد وحاليا أبقيت صالتي مفتوحة أمام الزوار من التشكيليين والمثقفين وبقي موظفوها موجودين مع محاولة تنظيم معارض قليلة جدا مقارنة بما كانت عليه الصالة سابقا، إضافة إلى أن بعض الصالات وبسبب الوضع الأمني في البلاد اضطرت لتخبئة مقتنياتها حتى لا تتعرض للسرقة منذ بداية الأزمة، كما تقول الفنانة التشكيلية ريم الخطيب. لكن اتجهت بعض الصالات، في الوقت نفسه، لتنظيم ورشات عمل للفنانين التشكيليين وبعضها أقام مزادات وأعمالا خيرية فيما اتجهت الصالات والمؤسسات التابعة للحكومة ونقابة الفنون الجميلة نحو تأسيس ملتقيات وورش عمل لدعم الفنانين الذين صاروا بلا عمل أو دخل مادي. ولكن الملاحظة الأهم والتطور النوعي الذي أفرزته الأزمة، كما تضيف الخطيب، هي توجه الكثير من التشكيليين السوريين الشباب نحو نشر أعمالهم على شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي للترويج لها وتسويقها بخلاف التشكيليين الكبار المعروفين وأصحاب الأعمال الفنية المرتفعة الثمن حيث انكفأ هؤلاء على أنفسهم وقسم منهم هاجر خارج سوريا أو نظمت لهم معارض في الخارج.

الفنان التشكيلي السوري المخضرم عاصم زكريا (77 عاما) تحدث عن تأثير الأزمة والحرب على التشكيليين السوريين وهجرة الكثير منهم قائلا: «لم أفكّر في مغادرة دمشق فأنا عشت في الغربة 35 عاما وهي كافية ولا أستطيع تحمل غربة ثانية وأنا بهذا العمر. وبرأيي أن الأحداث الحالية ستجعل قرائح جديدة تتفتح وتولّد أفكارا جديدة لدى التشكيليين السوريين ونحن وقعنا بأخطاء كبيرة وهي تحتاج لتصحيح حيث نعالجها فنيا وليس بالخطابة على المنبر فهناك آخرون يقومون بذلك. هذه الأحداث جعلت الدوافع الغريزية لدينا تتجه نحو طرح مواضيع تحمل الهم العام وبأسلوب جديد تجعل المتلقي ينتبه لأمور جديدة ويتفاعل معها بنفس جديد، إذ إن المتلقي ملّ من الأساليب القديمة.. ولذلك سنشاهد أعمالا جديدة وفنانين جددا أعمالهم مستوحاة من وحي الأزمة التي تمر بها البلاد. سنؤدي الرسالة الفنية بالشكل المطلوب. أما بالنسبة لي فقد رفعت شعارا منذ نصف قرن وهو أنه على اللوحة الفنية أن تكون درسا للأجيال لأن الجيل الحالي ينسى تاريخه فهو جيل الكومبيوتر والإنترنت».

عماد الدين كسحوت مدير الفنون الجميلة في وزارة الثقافة السورية وهي الجهة المسؤولة عن ترخيص وإلغاء الترخيص لصالات العرض الفني قال إن عدد الصالات الفنية في دمشق وصل حتى منتصف عام 2011 31 صالة، حاليا معظم صالات القطاع الخاص أغلقت ولكن لم تطلب إلغاء ترخيصها وبعضها افتتح صالات أخرى في عواصم عربية كبيروت ودبي، وهذه الصالات رغم اهتمامها بالفن ولكن لها صبغة تجارية ويبحث أصحابها على الربح وعن مصالحهم وهذا ليس خطأ وقد دعمت الرسام السوري لإيصال أعماله لخارج سوريا وبعضها أوصل فنانين سوريين للعالمية، حاليا عدد من الصالات توقف نشاطها بسبب الظروف التي تمر بها البلاد وما يعمل حاليا الصالات الحكومية فقط كصالات المراكز الثقافية واتحاد التشكيليين السوريين.