ليبيا: قوات الجيش تتأهب لتأديب المتطرفين في درنة بعد مبايعة علنية لـ«داعش»

«الإخوان» يكشفون عن مبادرة مشروطة للحوار.. والجضران يكشف محاولتهم ضمه

جندي ليبي يوجه نيرانه باتجاه متطرفين في بنغازي في اشتباكات شهدتها المدينة في اليومين الماضيين (أ.ب)
TT

في ظل غياب أي وجود عسكري أو أمني للسلطات الليبية، بايع العشرات من سكان مدينة درنة، معقل الجماعات الإرهابية والمتطرفة في شرق ليبيا، علانية وللمرة الأولى أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم داعش الذي يقاتل في سوريا والعراق. وفي تحد يعيد إلى الأذهان ظهور مئات المقاتلين يرفعون علم «داعش» على متن سيارات دفع رباعي وآليات عسكرية الشهر الماضي، أظهرت لقطات فيديو، بثت مساء أول من أمس، على مواقع التواصل الاجتماعي نحو 50 شخصا وهم يجتمعون في درنة تأييدا للبغدادي.

وبايع السكان أمير «داعش» على السمع والطاعة، ورددوا بشكل جماعي عبارات تصب في هذا الاتجاه، في مشهد نادر لكنه يعكس الانفلات الأمني والفوضى التي تعانيها ليبيا بعد نحو ثلاث سنوات من إسقاط نظام العقيد الراحل معمر القذافي عام 2011. وقال قيادي في الجيش الليبي لـ«الشرق الأوسط» إن قوات الجيش تتأهب على ما يبدو للقيام بحملة عسكرية لتأديب المتطرفين في درنة، التي تحول ميناؤها البحري والذي يقع في منتصف المسافة بين مدينة بنغازي الليبية والحدود المصرية إلى نقطة تجمع للإسلاميين المتشددين والمتعاطفين مع «القاعدة».

وقال مسؤولو أمن مصريون إن 15 من عناصر «داعش» - بزعامة مواطنين أحدهما مصري والآخر سعودي - توجهوا إلى درنة قادمين من سوريا في سبتمبر (أيلول) الماضي في محاولة لحشد تأييد وإقامة فرع للتنظيم في ليبيا.

إلى ذلك، ما زالت قوات الجيش الليبي تخوض معارك عنيفة بالأسلحة الثقيلة والطيران ضد المتطرفين في مدينة بنغازي بشرق ليبيا وعلى تخوم العاصمة الليبية طرابلس. وقالت مصادر في الجيش الليبي، لـ«الشرق الأوسط»، إن قوات الجيش تسعى لتثبيت سيطرتها على المنطقة الشرقية في بنغازي التي بدأت العشرات من العائلات في النزوح منها هربا من المعارك المستمرة. وخاض الجيش المدعوم بالسكان المحليين معارك شرسة في عدة ضواح بالمدينة، بينما شنت طائرات حربية عدة هجمات جوية على مواقع ضد الميليشيات التي تنتمي إلى تنظيم أنصار الشريعة وما يسمى بمجلس شورى ثوار بنغازي.

وتحدثت قيادات في الجيش عن وصول تعزيزات عسكرية للجيش من عدة مدن قريبة من بنغازي للمساهمة في فرض الجيش لسيطرته على كامل المدينة التي لا يزال بضع مئات من المقاتلين المتشددين يتحصنون بداخلها.

وأعلن العقيد ونيس بوخمادة، قائد القوات الخاصة التابعة للجيش الليبي، أن قواته استعادت السيطرة على أربع ثكنات من جماعات إسلامية مسلحة في المدينة بعد أسبوعين من القتال الشرس الذي أودى بحياة 210 أشخاص على الأقل. وقال بوخمادة إن قواته سيطرت على الطريق الذي يمثل المخرج الشرقي لبنغازي، بالإضافة إلى أربعة معسكرات بينها مقر الجيش السابق الذي خسره مع المعسكرات الثلاثة الأخرى، في معارك مع الإسلاميين في أغسطس (آب). ونقلت عنه وكالة «رويترز» قوله إن «الجيش بالفعل طرد الإسلاميين من منطقة المطار ومعسكر السابع عشر من فبراير أحد معاقلهم في المدينة الساحلية». وأوضح أن الجيش يسيطر الآن على 80 في المائة من المدينة ويطهر عددا من المناطق من أعضاء «أنصار الشريعة» وهي الجماعة الإسلامية التي تحملها واشنطن مسؤولية الهجوم على القنصلية الأميركية عام 2012 الذي أدى إلى مقتل السفير الأميركي. وقال العقيد مهدي البرغثي، قائد كتيبة دبابات، إن مقاتلين من «أنصار الشريعة» فروا إلى منطقة الميناء البحري. وأضاف أن الاشتباكات استمرت إلى الغرب من المدينة.

والقتال الدائر في بنغازي جزء من معركة أوسع نطاقا في ليبيا يقتتل فيها المعارضون السابقون الذين ساعدوا في الإطاحة بالقذافي سعيا لمزيد من النفوذ والحصول على نصيب من إيرادات النفط في البلاد. وأجبر إطلاق الصواريخ السلطات على إغلاق مطار الأبرق الدولي الذي يمثل الباب الرئيسي إلى شرق ليبيا الخاضع لسيطرة الحكومة الليبية. وقال مدير المطار أبو بكر العبيدي إن المسلحين أطلقوا مرارا صواريخ «غراد» على المطار الواقع شرق بنغازي، وتم تعليق جميع الرحلات لأسباب أمنية.

ومطار بنغازي مغلق منذ مايو (أيار) الماضي، مما يعني أن إغلاق مطار الأبرق سيجعل شرق البلاد معتمدا فقط على مطار في طبرق حيث مقر مجلس النواب مع الأخذ في الاعتبار خطورة الطرق في شرق ليبيا.

وفي العاصمة طرابلس، سعت القوات التي تقاتل تحت ما يسمى بعملية «فجر ليبيا» إلى إظهار سيطرتها على مقاليد الأمور في المدينة، عبر تنظيم ماراثون رياضي في ضواحيها. ودعت «فجر ليبيا» كل المواطنين في العاصمة إلى عدم استخدام المنطقة الممتدة من طريق المطار إلى ميدان الشهداء لأنها مقفلة من قبل اللجنة المشرفة على الماراثون، مؤكدة أنه «لا صحة بتاتا لأي شائعات يبثها أصحاب النفوس المريضة عن وجود اشتباكات في هذه المنطقة أو أي نوع من عدم الاستقرار الأمني».

كما دعا المكتب الإعلامي لعملية «فجر ليبيا»: «كل ساسة العالم وسفراء الدول لدى ليبيا إلى زيارة طرابلس والثوار في ساحات القتال وميادين المدن الكبرى وساحاتها للوقوف على حقيقة ما يجري»، بعيدا عما وصفه بالتضليل الإعلامي الإقليمي والعالمي الممنهج. وأضاف المكتب في بيان له «كما ندعو الأمين العام للأمم المتحدة أن يرسل وفودا من المنظمة الدولية ومراجعة الأمم المتحدة وأمينها العام لمواقفهما الواضحة في تحيزها لصفوف الانقلابيين المتسترين بشرعيتهم الديمقراطية».

من جهة أخرى، قال محمد صوان، رئيس حزب الإخوان المسلمين، عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، إن حزبه يعكف على دراسة مجموعة من الأفكار استعدادا لطرح مبادرة بغية الخروج من الأزمة خلال الأيام المقبلة. ورأى صوان أنه «يجب على السياسيين العمل على إيجاد مخارج للأزمة التي تعيشها ليبيا، تنهي الانقسام السياسي كمقدمة لإنهاء الانقسام الاجتماعي، وتمهد الطريق لعقدٍ اجتماعي يجمع المطالب ويضع الضمانات ويحقق مصالح الشعب الليبي»، لكنه اشترط في المقابل أن تضع هذه المبادرة الثوار الذين كانوا وما زالوا أصحاب السبق في حماية الثورة في المكانة التي تضمن بقاءهم صمام الأمان لها، معتبرا أن الغرض الأساسي هو إعادة توجيه بوصلة الجميع للحديث والبحث عن حل سياسي ينهي القتال ويوقف نزيف الدم بين الليبيين ويضع أسس مسار سياسي يحفظ مبادئ الثورة، ويرسم دورا واضحا للثوار ضمن مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية. وأضاف أن حزبه ستكون له آراء بخصوص هيئة الدستور وضبط مسارها، لافتا إلى أنه سيعرض رؤية متعلقة بالمصالحة المرتبطة بالعدالة لإنهاء الانقسام الاجتماعي.

لكن إبراهيم الجضران، الزعيم السابق لحركة احتجاج في شرق ليبيا، كشف النقاب في مقابلة بثتها مساء أول من أمس قناة «ليبيا الوطنية»، أن قادة «فجر ليبيا» الموالين لجماعة الإخوان عرضوا عليه مالا وسلطات مقابل توليهم السيطرة على الموانئ. وقال الجضران إنه يفضل أن يودع السجن إلى جوار عبد الله السنوسي رئيس المخابرات الأسبق وصهر القذافي على التعامل مع عملية «فجر ليبيا» واقتسام السلطة معها.

وأغلق الجضران وآلاف من أنصاره موانئ نفطية في شرق ليبيا العام الماضي للمطالبة بمزيد من الحكم الذاتي، مما كبد ليبيا خسائر بمليارات الدولارات، قبل التوصل لاتفاق مع الحكومة لإنهاء حصار الموانئ مقابل انضمام رجاله للقوة المكلفة بحراسة المنشآت النفطية التابعة للدولة. وولاء الجضران للحكومة حيوي لضمان استمرار تشغيل ثلاثة موانئ تصدر ما لا يقل عن 500 ألف برميل يوميا في شرق ليبيا.

وأعادت عملية «فجر ليبيا» البرلمان السابق الذي شكل حكومة موازية في العاصمة في ظل حالة الفوضى التي تعم البلاد بعد ثلاثة أعوام من الإطاحة بالقذافي. وارتفع إنتاج النفط الليبي لنحو 800 ألف برميل يوميا خلال الشهرين الماضيين، ويرجع ذلك لإعادة فتح ثلاثة موانئ في الشرق في إطار اتفاق بين الجضران والثني.