إليان مرصود: «الرومانسية العنيفة» تجذب المهمشين.. والإنترنت أسرع ساحة تجنيد

الرئيس السابق للمركز الفرنسي لمكافحة الإرهاب أكد أن ما بين 800 إلى 1000 فرنسي انخرطوا في الحركات الجهادية

إليان مرصود
TT

يشكل نزوح المواطنين الفرنسيين الذين ينضمون إلى الجهاد في سوريا والعراق ملتحقين بكتائب داعش وجبهة النصرة تهديدا يوميا للدولة الفرنسية في ظل غياب إحصائيات دقيقة ولكن مع حضور مؤشرات لتزايد هذا الإقبال المطرد في اتجاه مناطق الصراع في المنطقة العربية. «الشرق الأوسط» التقت إليان مرصود، القاضي والرئيس السابق للمركز الفرنسي لمكافحة الإرهاب والنائب عن الفرنسيين المقيمين خارج فرنسا، لفهم أبعاد جديدة في هذا الواقع اللافت في الديمقراطيات الغربية.

* ما هو عدد المقاتلين الفرنسيين الموجودين حاليا في سوريا والعراق؟

- وفقا لمعلومات حكومية، يقدر رسميا عدد المواطنين المشاركين في الجهاد بين 800 و1000 شخص. إنما لا أحد يستطيع إثبات العدد الدقيق بما أننا نستند في معطياتنا إلى عدد القتلى في العمليات الجهادية وإلى أولئك الذين يتم اعتقالهم على الحدود، غير أن هذه الأرقام قد لا تشمل كافة الجهاديين.

* ما هي أهمية المقاتلين الفرنسيين مقارنة مع الأوروبيين؟

- إن المجموعات الرئيسة من الجهاديين الأوروبيين تتألف من كتائب فرنسية وبلجيكية وعددهم يفوق غيرهم من الأوروبيين. في السبعينات كان يذهب بعض الفرنسيين إلى كاتماندو (عاصمة النيبال) لتحقيق ثورتهم الشخصية، واليوم هناك أولئك الذين يتوجهون للقتال في سوريا من دون أن يكون لديهم أدنى فكرة عما هو الجهاد ومن دون أن يكون لديهم معرفة دينية معمّقة. فهذه الرومانسية العنيفة المُستعملة تؤثر على الشباب الذين انكسرت وتزعزعت علاقتهم ببيئتهم.

* ما هو عدد الفرنسيات اللواتي يشاركن في الجهاد؟

- قدرت السلطات أنه من أصل كل 10 رجال امرأة واحدة تشارك في الجهاد. إنما هذه الأرقام ليست مؤكدة أيضا. والمعروف أن غالبية هذه الشابات فشلن على الصعيد الشخصي وإذا بهن يلتحقن بالجهاد بحثا عن مغامرة جديدة.

* ما هي مواصفات الفرنسيين الذين انضموا إلى الجهاد؟

- أكثرهم ينتمون إلى عائلات فرنسية في وضع انهيار اقتصادي واجتماعي، وغالبيتهم من ضواحي المدن ومن العاطلين عن العمل. وبما أنهم ليس لديهم ما يخسرونه، يفكرون بالانضمام إلى القتال في سوريا والعراق ويقومون بتمويل رحلتهم من خلال التعويضات العائلية التي توزعها الدولة الفرنسية.

* من أي مناطق يأتي في الغالب الجهاديون الفرنسيون؟

- شهدنا هذه الظاهرة في البداية في مدينة تولوز خاصة بعد الهجمات التي شنها (محمد) مراح (ضد المراكز اليهودية في عام 2013). وقد تبين أن الجهاديين في هذه المناطق يحصلون على التعويضات العائلية التي تدفعها منطقة جنوب غربي فرنسا. لكن تولوز ليست المنطقة الوحيدة التي وجدت نفسها في قلب هذه الظاهرة التي تفرعت إلى ضواحي باريس والريف الفرنسي.

* ما هو عدد المتحولين إلى الإسلام؟

- يجب على المرء أن يكون حذرا عند الحديث عن التحول الديني واعتناق الإسلام الذي يستهدف بغالبيته الرجال الفرنسيين. فهذا التحول الديني ناتج عن قرارات تسببها حالات التفكك الأسري. ويبرر هؤلاء المتحولون دينيا أعمالهم بخلاص نفوسهم؛ كما أن الجهاد يجذب الشباب المهمشين غير المتدينين وبالتالي فإن تحولهم لا يستند على أسس حقيقية مقنعة.

* من هي الجهات المجنّدة؟ وكم يبلغ عدد الأشخاص الذين يشاركون في هذه الشبكات؟

- نشاهد حالات تجنيد فردية. لقد أصبحت شبكة الإنترنت وسيلة رئيسة للتجنيد خاصة للمتحولين دينيا. فقد عمد هؤلاء إلى البحث بأنفسهم عن مجموعات تستقبلهم. يوجد عدة ملفات بين يدي النائب العام ولكن لا أعرف كم عدد المجندين وظاهرة التجنيد مزعومة خصوصا في بلجيكا وهولندا. إني أفضل عدم ذكر الأسماء بما أنه لم يصدر حتى الآن أي أحكام بحق هؤلاء الأشخاص.

* كيف يتم تلقينهم العقائد؟

- هي عملية سريعة تتم عادة في غضون بضعة أسابيع. فالفرنسي «المهمش» يستسلم إلى هذه النزعة التي تجعله يشعر بحماس كبير، ويعمد إلى المغادرة في غضون أشهر قليلة.

* ما هو دور الجهاديين الفرنسيين في النزاع في العراق وسوريا؟

- يتولى الفرنسيون في البداية الأعمال الثانوية بعد ذلك يمكن أن يشاركوا في مهمات جنائية مثل القتل أو خدمة حراس السجن.

* ما هو دور المرأة الفرنسية في الجهاد؟ هل بعضهن يرسلن كزوجات للجهاديين؟

- تركز جماعة داعش على فكرة التنوع في صفوفها محاولة إظهار مجتمعها كمجتمع طبيعي يتكون من رجال ونساء. ومن خلال الرسائل التي تبثها على شبكة الإنترنت تستغل داعش النساء لتشجع الالتحاق في صفوفها. وأشك في أن تنتج أُسر بمفهومها الطبيعي عن أي زواج يجري مع تلك النساء. فهذه الزيجات بالغالب مؤقتة لتسهيل ممارسة الجنس.

* أين توجد الغالبية العظمى من الجهاديين الفرنسيين؟ هل في سوريا أو العراق؟

- معظمهم في سوريا بسبب سياسة الباب المفتوح التي اعتمدتها تركيا، خصوصا أن فرنسا شجعت في خطابها السياسي المعركة ضد نظام (الرئيس بشار) الأسد. أما في العراق فالوضع أكثر صعوبة نتيجة مشاركة فرنسا في الضربات ضد داعش. ومن الصعب تحديد الجماعات التي انضم إليها أكثرية الفرنسيين بسبب تعدد وغموض الأسماء ولكن معظمهم التحقوا بداعش بسبب الموارد المتاحة لها وأساليبها العنيفة.

* التحقت أسرة مكونة من 11 شخصا بالجهاد في سوريا. هل هذه حالة شائعة؟

- لا على الإطلاق، فهذه العائلة حالة خاصة جدا نظرا إلى أن الجدة، العمة وأبناء الأعمام والأطفال قد غادروا جميعا إلى سوريا.

* تسبب فظائع الجماعات المتطرفة صدمة عند بعض المقاتلين الأجانب الذين يحاولون العودة إلى فرنسا حيث تجري ملاحقتهم، في حين أن بعضهم كان قد توجه في الأصل إلى سوريا لمحاربة الأسد.. هل تمييز الدولة الفرنسية بين هؤلاء المقاتلين والجهاديين؟

- من الصعب جدا بالنسبة للعدالة الفرنسية أن تميّز بين ما إذا كان لهؤلاء الأشخاص دور ثنائي أو إن كانوا حراسا لرهائن. نحن بحاجة إلى معلومات دقيقة. فقد تقدمت المخابرات الفرنسية بطلب للعمل والتعاون مع أجهزة المخابرات السورية العامة التابعة للعميد مملوك إنما رفض طلبها بسبب انقطاع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

* ماذا عن الأكراد الذين سيقاتلون مع حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)؟

- هذه الحالات محدودة جدا.

* أسس في الدنمارك مركز لمحاربة التطرف، هل تقوم فرنسا بإعداد مثل هذا المركز؟

- في الواقع هذا هو جزء من أولوياتنا ولكن ثمة أسئلة كثيرة تطرح نفسها مثلا كيف يمكن إزالة التطرف من عند جهادي متصلب؟ وأيضا ما سيكون موقفنا تجاه جهادي يريد الالتحاق بمركز ضد التطرف، هل نستطيع نسيان ما قام به؟

* الكثير من الجهاديين يأخذون معهم الأموال التي ينتهي بها المطاف بين أيدي داعش؟ هل تتخذ الحكومة الفرنسية أي إجراءات للحد من هذه التحويلات النقدية؟

- هذا جزء من جهودي. يتحمل الجهاديون تكاليف السفر وتكاليف حياتهم في سوريا أو العراق وفي الوقت عينه تستمر الدولة الفرنسية بتقديم المساعدات المالية إلى أسرهم! آمل أن تتخذ الحكومة الفرنسية إجراءات بأسرع وقت لأنها فضيحة.

* هل تخشى عودة الجهاديين إلى فرنسا؟

- بالتأكيد، لقد طرحت تعديلا على مشروع قانون يهدف إلى منع حمل الأسلحة في دول ومناطق أجنبية من دون تصريح من الحكومة.

* هل تعتقد أن نشر أفلام فيديو تظهر فرنسيين يمدحون داعش هي سياسة تتعمدها داعش؟

- من خلال التلاعب بالصور، تهدف داعش إلى إذلال الدول الغربية محاولة القول: «انظروا ما يقدر أن يفعله أبناؤكم». وهم يسلطون بذلك الضوء على فشلنا الاجتماعي وقد نجحوا جيدا بمهمتهم.