هل يكون كمال داود ثالث عربي ينال «غونكور»؟

الكاتب الجزائري واحد من 4 مرشحين لأرفع جائزة للرواية الفرنسية

الروائي الجزائري كمال داود - غلاف طبعة فرنسية من «الغريب» - غلاف ميرسو «تحقيق مضاد»
TT

في الواحدة من ظهر غد (الأربعاء)، وقبل الغداء التقليدي في مطعم «دروان» في باريس، يقف أعضاء أكاديمية «غونكور» أمام وسائل الإعلام ليعلنوا اسم الفائز بجائزتهم التي تُمنح للرواية المكتوبة بالفرنسية. وللمرة الأُولى تدخل إلى القائمة القصيرة رواية سبق أن صدرت عن دار نشر جزائرية ثم أعادت دار فرنسية إصدارها، هي رواية «ميرسو.. تحقيق مضاد» لكمال داود. وكان كل من المغربي الطاهر بن جلون واللبناني أمين معلوف قد نال هذه الجائزة التي تُعتبر الأرفع في مجالها، ويشكل الإعلان عنها حدثا أدبيا، منذ مائة عام.

أمسك داود بفكرة قوية واشتغل عليها بأسلوب متفرد. لقد عاد إلى رواية «الغريب» للكاتب الفرنسي ألبير كامو ليقدم ما يشبه المعارضة غير الرسمية لها. ففي الرواية الفرنسية الشهيرة الصادرة عام 1942 عن منشورات «غاليمار»، التي تجري وقائعها في الجزائر، يقتل فرنسي يدعى ميرسو شابا جزائريا بـ5 رصاصات، دونما سبب مفهوم. أما الرواية الصادرة عن منشورات «البرزخ» في العاصمة الجزائرية، ثم عن «آكت سود» في باريس، فإنها تستحضر شقيقا للقتيل، وتحاول من خلاله أن ترسم ملامح الضحية التي لم تعرها الرواية الأولى كثير اهتمام. إنها زاوية أخرى، ذات مغزى، للنظر إلى الجريمة العبثية التي جرت في زمن الاستعمار الفرنسي للجزائر.

وكانت القائمة الطويلة للروايات المتنافسة قد ضمت 14 كاتبا، بينهم المغربي فؤاد العروي عن رواية «محن السلجماسي الأخير». أما في القائمة القصيرة فيتنافس داود مع 3 روائيين آخرين يحضر التاريخ في نصوصهم، بهذا القدر أو ذاك، كما تحضر سير حياة لشخصيات واقعية أو متخيلة. وأول المنافسين الأقوياء ديفيد فوينكينوس، صاحب رواية «شارلوت» التي تحكي سيرة رسامة فرنسية قضت في معسكرات الاعتقال النازية. وهناك بولين دريفوس وروايتها «هذه أمور تحدث». وتدور أحداث الرواية، أيضا، في سنوات الحرب العالمية الثانية، وما تركته من تأثير على مصير نبيلة فرنسية. والمتنافسة الثالثة هي ليدي سالفافر وروايتها «لا تبكي». وفيها استرجاع لتاريخ عائلي تتداخل فيه عدة أصوات وعودة إلى ذكريات الحرب الأهلية في إسبانيا.

ومثل كل عام، تعيد «غونكور» التساؤلات حول النزاهة المفترضة في الجوائز الأدبية ومدى الضغوط التي تمارسها دور النشر الكبرى على لجنة التحكيم. ففي سنوات ماضية، كان أغلب المحكمين يعملون محررين أو مستشارين لدى تلك الدور، ويتلقون رواتب منها. وهو أمر ممنوع حاليا، لا سيما بعد أن أصبح برنار بيفو رئيسا للجنة.

وبيفو كان، قبل تقاعده من التلفزيون، مقدم أشهر البرامج التي تُعنى بالكتب. كما أنه ناقد وكاتب و«محرّض» ثقافي، ومشرف على مسابقة واسعة للإملاء باللغة الفرنسية. وفي تقرير نشرته مجلة «أوبز» في أحد أعدادها الأخيرة، سخرت من الزمن الذي كان فيه عضو في لجنة تحكيم «غونكور» يذهب إلى مكتب الناشر غاستون غاليمار، صباح التصويت، ليتلقى منه التعليمات حول الرواية التي عليه أن يمنحها صوته.

ورغم شعارات النزاهة، تبقى المهمة شاقة على محكمي الجائزة الـ10 الذين ينتهي بهم الأمر إلى غداء في المطعم العريق ذاته منذ أكثر من قرن. وتضم هيئة التحكيم كتّابا من أجيال متفاوتة، بينهم الكاتبة والمؤرخة «المخضرمة» إدموند شارل رو، والروائي باتريك رامبو، والكاتبة بول كونستان، بالإضافة إلى العربي الوحيد الطاهر بن جلون. وفي بلد يطرح في المكتبات نحوا من 700 رواية، كل عام، تتنافس على الجوائز الأدبية البارزة المعدودة، يتجدد السؤال حول طاقة لجان التحكيم على قراءة كل تلك الروايات. هل قرأ أعضاء أكاديمية «غونكور» 100 رواية بالفعل، خلال أشهر الإجازة الصيفية، أم فاتهم الكثير منها، ومروا على أغلبها مرور الكرام، وبالتالي غمطوا مبدعين حقيقيين حقهم؟ الجواب يأتي من المداولات السرية التي تستمر طيلة 3 أشهر، بين المحكمين. وقد أتاحت لهم وسائل التواصل الحديثة الفرصة لتبادل الآراء، ولكي يلفت أحدهم أنظار زملائه إلى كتاب لم يأخذ حقه من المراجعة الصحافية، أو إلى رواية أُولى لكاتب مجهول.

وفيما يخص المشاركين الأجانب في الجائزة، من مغاربة وأفغان وبلجيكيين وسويسريين، يعود السؤال حول جنسية أي نص أدبي. هل ينتمي للغة التي يُكتب بها، أم لموضوعه وهوية شخصياته والمكان الذي يجري فيه الحدث؟ وبهذا فإن «ليلة القدر» للطاهر بن جلون و«صخرة طانيوس» لمعلوف، الفائزين السابقين بـ«غونكور»، هما روايتان عربيتان من حيث الموضوع وانتماء الكاتبين، وكذلك فرنسيتان تبعا للغة التي كُتبتا بها. إن قانون الجائزة يفتح باب التنافس عليها لكل «مؤلف بالتعبير الفرنسي»، دون اشتراط أن يكون فرنسيا. وهي بهذا تشبه جائزة «مان بوكر» البريطانية التي تمنح للروايات المكتوبة بالإنجليزية، بغض النظر عن جنسية كتابها.

* يحصل الفائز بـ«غونكور» على ورقة نقدية من فئة 10 يوروات (13 دولارا). وقد جرت العادة ألا ينفقها صاحبها، بل يؤطرها للذكرى. أما المنافع الحقيقية فتعود عليه من مبيعات الرواية الفائزة التي توشَّح أغلفتها بشريط أحمر في المكتبات وتصل، مع الترجمات، إلى ملايين النسخ.