مسلحو «القاعدة» يهزمون مسلحين سوريين تدعمهم واشنطن

المعتدلون الذين تولت واشنطن تسليحهم وتدريبهم إما استسلموا أو انشقوا إلى «النصرة»

عناصر من الجيش السوري الحر أثناء المواجهات مع جيش النظام بالقرب من حلب (رويترز)
TT

تعرضت الاستراتيجية التي تنتهجها إدارة أوباما حيال سوريا لانتكاسة كبرى، الأحد، بعدما انتصر مسلحون على صلة بـ«القاعدة» على آخرين تدعمهم الولايات المتحدة وطردوهم من معاقلهم الأساسية شمال البلاد، واستولوا على كميات كبيرة من الأسلحة، مما أثار موجات واسعة من الانشقاقات، وقضى على الآمال في عثور واشنطن بسهولة على شركاء سوريين في حربها ضد تنظيم «داعش».

وأفاد قادة مسلحون ونشطاء ومحللون بأن المسلحين المعتدلين الذين تولت واشنطن تسليحهم وتدريبهم، إما استسلموا أو انشقوا إلى صفوف جماعات متطرفة، بينما اجتاحت جبهة النصرة المرتبطة بـ«القاعدة» عدة مدن وقرى كانت واقعة تحت سيطرة المعتدلين في محافظة إدلب شمال البلاد، في إطار ما بدا أنه جهود منظمة لسحق الجيش السوري الحر.

وفر مسلحون آخرون في طريقهم نحو الحدود التركية مع استمرار تقدم المتطرفين، مما شكّل هزيمة كبيرة للقوات التي تعتمد عليها واشنطن للتصدي لـ«داعش».

الملاحظ أن المسلحين المعتدلين لا يزالون يحتفظون بوجود قوى جنوب سوريا، وهي منطقة لم يكن لـ«داعش» وجود كبير بها.

من جهته، قال مسؤول بارز بوزارة الدفاع إن البنتاغون «يراقب التطورات عن قرب بأكبر درجة ممكنة»، لكنه لم يتمكن من «التحقق بصورة مستقلة» من التقارير المقبلة من ميادين القتال. واشترط التكتم على هويته، لأنه غير مخول له التعليق علانية على الأحداث.

يذكر أن مسلحين معتدلين سبق أن فروا بأسلحتهم أمام قوات موالية للنظام في حلب. ومن شأن وقوع هزائم أخرى للقوات المعتدلة بمناطق أخرى من شمال سوريا فرض عزلة على المسلحين في حلب، الذين يتصدون لمسلحي «داعش» والقوات الموالية للنظام.

يُذكر أن السوريين ينظرون منذ أمد بعيد إلى جبهة النصرة باعتبارها فصيلا أقل راديكالية عن «داعش»، وسبق لها المشاركة بجانب عناصر معتدلة في معارك ضد «داعش» في وقت سابق من العام. إلا أن ذلك لا ينفي أنها توجد ضمن القائمة الأميركية للتنظيمات الإرهابية، وهي الجماعة السورية الوحيدة التي أعلنت رسميا ولاءها لقيادة «القاعدة».

وقال رائد الفارس، الناشط بكفرنبل في إدلب: «عندما استهدفت الضربات الجوية جبهة النصرة، تضامن الناس معهم، لأنهم يحاربون النظام، بينما تساعد هذه الضربات النظام». وأضاف: «الآن يعتقد الناس أن أي شخص بالجيش السوري الحر يتلقى دعما من الولايات المتحدة عميل للنظام».

وذكر مقاتلون فارون أنهم خشوا من أن تشكل الهزيمة بداية النهاية للجيش السوري الحر، وهو اسم مظلة تندرج تحتها جماعات معتدلة مقاتلة سعت الولايات المتحدة للترويج لها بديلا لكل من نظام الأسد و«داعش» المتطرف. ومن بين الجماعات التي تعرضت للهزيمة خلال الهجوم الأخير «حركة حزم»، وهي أكبر متلقٍّ للمساعدات الأميركية في إطار برنامج سري محدود يتبع وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) تم إطلاقه هذا العام، وتضمن شحنات من صواريخ «تاو» المضادة للدبابات أميركية الصنع. وقد استولت جبهة النصرة، مساء السبت الماضي، على مقر قيادة الجماعة بقرية خان السبل، بعدما سلم مقاتلوها أسلحتهم وفروا من دون قتال، تبعا لما ذكره مقيمون بالمنطقة.

من ناحيته، رفض حسام عمر المتحدث الرسمي باسم الجماعة، التأكيد على ما إذا كانت أسلحة أميركية قد وقعت في أيدي «جبهة النصرة»، معللا ذلك بأن المفاوضات مع الجبهة لا تزال جارية.

أيضا، تلقت «حركة حزم» أسلحة صغيرة وذخائر، علاوة على مساعدات أخرى غير فتاكة في صورة مركبات وأطعمة وملابس موحدة من الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين والخليجيين الذين كونوا تحالف «أصدقاء سوريا». وتلقى عشرات المقاتلين تدريبا أميركيا في قطر في ظل البرنامج السري سالف الذكر، لكن لم يتسنّ التحقق مما إذا كان أي من هؤلاء المقاتلين انشق لحساب «القاعدة».

من بين المجموعات الأخرى المدعومة من الغرب «جبهة ثوار سوريا»، التي تخلت، السبت، عن قواعدها في جبل الزاوية الذي يضم مجموعة من القرى الجبلية كانت خاضعة لسيطرة أحد أمراء الحرب الموالين لواشنطن، وهو جمال معروف، منذ عام 2012. وأظهر مقطع مصور على موقع «يوتيوب» مقاتلي «جبهة النصرة»، وهم يكشفون عن مخزونات أسلحة داخل مقر رئاسة معروف بمسقط رأسه دير سنبل.

وفي مقطع مصور منفصل، ظهر معروف وهو يوجه خطابه لقيادة جبهة النصرة، قائلا إنه فر بجانب رجال لم ينشقوا «حفاظا على دماء المدنيين، لأنكم تقطعون الرؤوس وتذبحون الناس إذا لم يطيعوكم».

من ناحية أخرى، ربما يشكل سقوط إدلب صفعة قاسية للمسلحين المعتدلين الذين بدأ قتالهم ضد نظام الأسد عام 2012. وتعقد مسار القتال بسبب ظهور مجموعات إسلامية منافسة تحمل أهدافا مغايرة تماما لأهداف الثوار الأصليين.

في المقابل، تخضع غالبية باقي الشمال السوري لسيطرة «داعش»، بخلاف شريط صغير يحيط بمدينة حلب. وهناك، يحارب مسلحون للإبقاء على قوات «داعش» وقوات النظام بعيدا عن المدينة، ومن شأن الهزيمة التي وقعت في إدلب زيادة عزلة هؤلاء المقاتلين.

ربما تكون أهم نتائج هذه الهزيمة تعقيد مهمة إيجاد حلفاء سوريين على استعداد للانضمام إلى القتال ضد «داعش»، حسبما أوضح تشارلز ليستر، من مركز بروكنغز الدوحة في قطر.وأضاف: «تعتمد الولايات المتحدة وحلفاؤها بشدة على تنظيمات مسلحة على الأرض في قتال داعش، والآن منيت هذه التنظيمات بهزيمة كبيرة».

واستطرد ليستر موضحا أنه رغم تلقي بعض الجماعات دعما أميركيا، فإنه لم يكن كافيا لقلب الموازين على الأرض. وقال: «هذا يبعث برسالة مفادها أن الدعم الغربي لا يعني بالضرورة النجاح».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»