من إحسان عبد القدوس إلى كازنتزاكي

د. رغد السهيل

TT

ما بين القصة الأولى التي سمعتها في طفولتي وعنوان كتاب الأول مفارقة، اكتشفتها مؤخرا، كنت أصغي إلى المعلمة في الأول الابتدائي وهي تقص علينا حكاية سندريلا التي عذبتها زوجة أبيها، حتى شعرت بدموع تبلل وجهي، بسبب عذابات سندريلا، ولخجلي انحنيت تحت الطاولة الصغيرة في الفصل بحجة أنني أنظف حذائي، لأبكي براحتي فلا يراني أحد، بقيت مدة ليست بالقصيرة تحت الطاولة، ولم أرفع رأسي إلا وأنا أسمع بلقاء سندريلا مع الأمير، هكذا تفتحت طفولتي على قصص المكتبة الخضراء، وعندما مرت الأيام ونضجت وجدتني أكتب مجموعتي القصصية الأولى التي كانت بعنوان «ضحكة الخاتون» أتراها ضحكة حقيقية؟ أم دموع سندريلا الطفلة لكنها كانت هذه المرة على جراح بغداد بصورة ضحكة مُرة ساخرة، كأن الطفلة ما زالت تخجل من إطلاق دموعها أو لعله الكبرياء!

وفي مرحلة المراهقة كان جل اهتمامي مصبوبا على الشعر، قرأت الكثير منه وتأثرت بمكتبة المدرسة التي كنت استعير منها الدواوين الشعرية المختلفة خصوصا نازك الملائكة والسياب والجواهري أيضا، فكل قصيدة ندرسها في المدرسة كنت أذهب للمكتبة لاستخرج الديوان، وكتبت حينها الكثير من المحاولات الشعرية، لكنني عندما فهمت ما هو الشعر ودرست علم العروض كدرس اختياري في الجامعة تركت كل محاولاتي الأدبية وهجرت عالم الأدب، رأيته ملكا لا يمكن الوقوف بحضرته دونما إعداد مسبق، واكتفيت بدراستي وتخصصي العلمي، ومع هذا كان الأدب يطاردني، فواصلت القراءة للكثيرين من الأدباء العرب تأثرت أولا بإحسان عبد القدوس في روايته «أنا حرة»، ومن ثم صرت أنقب عن مؤلفات توفيق الحكيم وحكايات حماره، وتنقلت بين أدباء المهجر من جبران خليل جبران ميخائيل نعيمة إيليا أبو ماضي ومي زيادة وغيرهم، ورغم هذا كان الجاحظ يستوقفني كثيرا في مؤلفاته، في المرحلة الإعدادية لم أتجاوز ديستوفسكي وتولستوي وآرسين لوبين من الأدب العالمي، كنت أقرأ كهاوية، وأكتب على صفحات كتبي المدرسية أبياتا أدبية وأفكارا لقصص. ومع انضمامي للمجموعة الأدبية في جامعة الكويت مع الكثير من الزملاء مثل رفيقة الطفولة سعدية مفرح، كتبت حينها أول قصة لي «لُجين» في تلك الفترة، ولم أنشرها، ثم بدأت عيوني تتفتح على الكثير من الكتب وبدأت أهتم أكثر في الأدب العالمي، مثل فيرجينا ولف والان روب غرييه وكافكا وغيرهم، وأيضا لم أخذ الأمر على محمل الجد مطلقا، وطالما قلت لنفسي ماذا عسى أن أضيف بعد كل تلك الأعمال العظيمة لكامو وسارتر وكازنتزاكي وبيكت وغيرهم؟ لم تكن قراءاتي منظمة قدر ما كانت مزاجية، وبما أن الكتابة هي لحظة مواجهة مع الذات بقيتُ أكتب وأخفي ما أكتبه في درج المكتب، أو أقرأه للأصدقاء فقط، ربما تخصصي العلمي أبعدني بعض الشيء، أيضا لم يكن الوضع في العراق حينها يسمح بحرية التعبير بعد عودتنا له من الخارج، خصوصا أنني من عائلة لها وضعها السياسي الخاص، فتواريت كثيرا وزمنا طويلا. ومع تغير النظام في العراق، بدأت في نشر بعض القصص وتعرفت على الكثير من الأساتذة والزملاء في حقل الثقافة، وتفاجأت يوما بنقد جميل كتبه عني الأستاذ حسب الله يحيى، هنا أصبح الأمر جديا بل رأيته خطيرا، فتوسعت قراءاتي لأكون عند حسن الظن، ثم أصبحت زيارة شارع المتنبي في كل يوم جمعة كالدوام الرسمي، شجعني الروائي المعروف حنون مجيد في إصدار مجموعتي القصصية الأولى عام 2011. رغم حذري السابق من هذا العالم، لكنني غامرت، نعم هي مغامرة بل ورطة حقيقية، فلم أعد استطع التوقف لا عن القراءة أو الكتابة، لكن الكتابة دلتني على وسيلة لتحقيق التوازن في عالم لا توازن فيه، حقيقة لم يكن في خطتي وأنا صغيرة أن أكتب كتبا، لكن هذا كل ما حدث.

كاتبة عراقية صدرت لها أخيرا مجموعة قصصية بعنوان «سايكو بغداد».