أسوان.. تفتح شهية العالم لعودة السياحة إلى مصر

بهرت السياح باحتفالية نيلية خلابة وعروض للفن الشعبي

جانب من الاحتفالية النيلية
TT

«مصر دون سياح أشبه بطائر جميل لا يقوى على الطيران»، استوقفتني هذه العبارة التي قالها بتلقائية شديدة أحد السياح الألمان ردا على سؤال لمذيعة بالتلفزيون المصري.. وأضاف السائح ويدعى فريدريك «أنا أحرص سنويا على زيارة أسوان بصحبة أسرتي، فعلاوة على زيارة الآثار والمتاحف والمعابد أشعر هنا بدفء الروح، وهو دفء خاص جدا، يندر الإحساس به في أي مدينة أخرى بالعالم».

كلام السائح لم يبتعد كثيرا عن جو احتفالية كبيرة نظمها طلاب المدارس وجامعة أسوان بمناسبة بدء الموسم السياحي الشتوي، مما يعكس وعيا بأهمية السياحة ودورها الاجتماعي والحضاري، كأحد مصادر الدخل القومي الرئيسية في حياة المصريين.

بعث طلاب أسوان عبر الاحتفالية برسالة سلام بمختلف اللغات لشعوب العالم من فوق صفحة نهر النيل، مفادها أن مصر بلد الأمن والأمان والسلام.

احتفال أسوان جاء بطعم خاص جدا، حيث تزامن مع بدء الموسم السياحي الجديد والذي بدأ في شهر أكتوبر (تشرين أول) الماضي، وشارك به عدد من السياح الأجانب الموجودين في أسوان، وتضمنت الاحتفالية لوحة فنية متكاملة شملت عروض الفلكلور الأسواني، بمشاركة 10 فرق للفنون الشعبية والشبابية والكشافة والجوالة والمرشدات والزهرات بمراكز الشباب والأندية الرياضية على مستوى المحافظة، إلى جانب كرنفال ومهرجان مائي للمراكب الشراعية على صفحة نهر النيل. ووقف محمد أحمد، وهو طالب في الصف الثاني الثانوي، على سطح أحد المراكب الشراعية، التي يعلوها شراع كبير وضع عليه علم مصر، ليتحدث عن الرسالة التي تم إرسالها للعالم، قائلا: «قمنا بإرسال رسالة باسم طلاب أسوان، بأن مصر بلد الأمن والأمان والسلام». لافتا إلى أن «مجموعات شبابية قامت برفع بوسترات كبيرة للإعلان عن بدء الموسم السياحي، وهو الذي توازى مع تضافر كل الجهود الحكومية لاستعادة الحركة السياحية والترويج للمنتج السياحي الذي تتمتع به أسوان، باعتبارها مركزا لتلاقي الحضارات ورمزا لتاريخنا العريق بمعابده وكنائسه ومساجده.

وأعرب السائحون عن سعادتهم بالاحتفال»، وقالت بولينا أوسكار (سائحة أميركية)، «تمتعنا برؤية عرض ساحر وتمتعنا بمشاهد النيل الرائعة ومناظر الأشجار، على حد تعبيرها».

وتعد أسوان من أجمل مشاتي مصر والعالم.. حيث تتمتع بمناخ جاف معتدل، والشمس دافئة في فصل الشتاء، وتتسم بهدوء يخيم على كل مكان فيها حتى الزوارق التي تنساب على صفحة النيل الخالد. وعرفت مدينة أسوان في اللغة المصرية القديمة باسم «سونو» بمعنى السوق؛ حيث كانت منطقة تجارة، ومحطة للقوافل التجارية، وقد حرف الإغريق ذلك الاسم إلى «سين»، ثم أطلق عليها الأقباط «سوان»، وعندما قدم العرب إليها في القرن السادس الميلادي نطقوها «أسوان».

من جهته، أكد محافظ أسوان اللواء مصطفي يسري، أن «أسوان محافظة عريقة تتمتع بمقومات سياحية متكاملة تذخر بتنوع المنتج السياحي من سياحات أثرية وثقافية وبيئية ونيلية وعلاجية، علاوة على سياحة السفاري والصيد ومشاهدة الطيور في المحميات الطبيعية، فضلا عن أن أسوان دائما يتفرد أهلها ببشاشة الوجوه والكرم وحسن الاستقبال لضيوفهم وزائريهم».

وقال اللواء يسري، إن «احتفالات أسوان بمناسبة بدأ الموسم السياحي الشتوي هذا العام، تعتبر بمثابة رسالة قوية ومباشرة لمختلف دول العالم بأن أسوان ومصر آمنة، وخصوصا في ظل استقرار الأوضاع الأمنية وعودة هيبة الدولة، وهو الذي انعكس سريعا في إعطاء مؤشرات إيجابية بزيادة معدلات الحجوزات السياحية، وخصوصا بعد نجاح المحافظة في الترويج السياحي الجيد أثناء المشاركة الأخيرة ببورصة برلين. وأكد محافظ أسوان، أن ذلك ظهر جليا في إشادة الوفد الإنجليزي باستقرار الحالة الأمنية وحفاوة الاستقبال خلال زيارته لأسوان مؤخرا، حيث كان الوفد يضم كبار شركات ومنظمي الرحلات السياحة لتعود أسوان لمكانتها كمشتى عالمي ومقصد سياحي مهم على خريطة السياحة الدولية، كما يؤكد في نفس الوقت على طبيعة الشخصية المصرية الودودة والمحبة لزائريها من كل دول العالم والرافضة للعنف والإرهاب بكل أشكاله لتظل مصر دائما واحة الأمن والآمان، وأن المصريين قادرون بإرادة حرة على بناء مصرنا الجديدة».

وعن اختيار المراكب الشراعية في احتفال أسوان، يقول المرشد السياحي أسامة إبراهيم، المراكب الشراعية تأخذك عندما تركبها لتجد نفسك محاطا بجزر من صخور سمراء موجودة في قلب النهر، أبدعت قدرة الخالق في تكوينها وصقلها، حيث تظهر في الأفق جزيرة «فيلة»، ويرجع تسميتها بهذا الاسم إلى اللغة اليونانية التي تعني (الحبيبة) أو (الحبيبات)، أما الاسم العربي لها فهو (أنس الوجود) نسبة لأسطورة «أنس» الموجودة في قصص ألف ليلة وليلة، أما الاسم المصري القديم والقبطي فهو «بيلاك» أو «بيلاخ» ويعني الحد، لأنها كانت آخر حدود مصر في الجنوب.

في المشهد نفسه، زار المشاركون في الاحتفال عددا من البيوت النوبية، غرب نهر النيل في قرية غرب سهيل، وسط استقبال حافل من أهالي القرية على أنغام الموسيقى والتراث النوبي، وعن بداية فكرة البيوت النوبية قال أحد أعضاء نقابة المرشدين السياحيين، إن «القرية نشأت منذ نحو 100 عام عند بناء خزان أسوان القديم عام 1902 وتعليته الأولى عام 1912 عندما نزح كثير من المقيمين بالجزر الواقعة جنوب الخزان إلى هذه المنطقة، وفكرة تحويل القرية لمصنع وبيت نوبي جاءت بعد افتتاح متحف النوبة وبعد قيام بعض شباب القرية بالعمل في المتحف الذي يحكي الحياة النوبية بكل معطياتها، فجاءت الفكرة وقتها للشباب بنقل ما شاهدوه في المتحف إلى أرض الواقع خصوصا أن قرية غرب سهيل لم يطلها التهجير، ومعظم أهلها من النوبيين وهم الأقدر على حكي تراثهم وعاداتهم على الطبيعة».

وأضاف إبراهيم «بدأ الأهالي يعيدون بناء بيوتهم من جديد، وقد تم وضع خطة بدأت بـ16 بيتا لجعلها مراكز لإنتاج وتسويق الحرف البيئية والشعبية، بجانب أماكن لضيافة السائحين، واستكمالا لهذه الخطة فقد وصل عدد المنازل إلى أكثر من 50 منزلا على النسق نفسه، بالإضافة إلى إنشاء مرسى سياحي على النيل بطول 60 مترا لاستيعاب الحركة السياحية الوافدة إلى القرية صيفا وشتاء».