تونس .. البراغماتية تنتصر على الآيديولوجيا

حسم عقودا من الصراع بين الإسلاميين والعلمانيين؟

TT

أسفرت الانتخابات البرلمانية التونسية عن نتائج لا يختلف الخبراء - مهما كانت اختلافاتهم - حول كونها ستؤثر على نتائج الانتخابات الرئاسية المقررة يوم 26 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي فضلا عن تمهيدها لتغييرات شاملة في المشهد السياسي التونسي.

فما الذي يبرر ما وصفه البعض بـ«تسوماني» يوشك أن يتسبب في تغييرات جوهرية في كامل الخارطة السياسية والحزبية في تونس وفي الدول المجاورة لها وفي عموم دول «الربيع العربي»؟

وهل ستحسم التطورات في المشهد السياسي التونسي الذي تأثر طوال عقود بصراعات آيديولوجية وفكرية وسياسوية بين الإسلاميين والعلمانيين بمختلف مدارسهم؟

وما سيناريوهات المرحلة القادمة بعد بدء معارك «افتراضية» بين تياري «الثوريين» بزعامة الرئيس المؤقت المنصف المرزوقي و«الواقعيين» بزعامة الباجي قائد السبسي و«الوسطيين» بزعامة شخصيات وأحزاب «ديمقراطية» و«مستقلين» يشاركون في السباق نحو كرسي الرئاسة في قرطاج ومنصبي رئيسي الحكومة والبرلمان في قصري القصبة وباردو؟

لنبدأ منذ البداية..

يعتقد عدد من قادة حزب «نداء تونس» - مثل أبو جمعة الرميلي - أن المنعرج الشعبي لفائدة حزب (نداء تونس) بدأ منذ مدة.. وتحديدا منذ مقتل القيادي في الحزب عن جهة تطاوين لطفي نقض بعد هجوم على مكتبه في 2012 من قبل عشرات المتظاهرين المحسوبين على «رابطات حماية الثورة».. التي اتهمت أحزاب الـ«ترويكا» السابقة بدعمها قبل الموافقة على حلها تحت ضغط المعارضة العلمانية.. التي اتهمت تلك «الرابطات الثورية» بكثير من التجاوزات، وبينها الهجمات على مقرات اتحاد نقابات العمال ومكاتب بعض الأحزاب العلمانية وبينها أحزاب يسارية وماركسية قريبة من حمه الهمامي زعيم الجبهة الشعبية وأحد أبرز المعادين لتيارات الإسلام السياسي في تونس والمنطقة المغاربية منذ عقود..

* تنازلات الغنوشي؟

* في الأثناء يتواصل الجدل داخل غالبية الأحزاب «الديمقراطية والعلمانية» - مثل أحزاب أحمد نجيب الشابي ومصطفى بن جعفر ومحمد عبو ومحمد الحامدي - وكذلك في صفوف مناضلي حركة النهضة وحلفائها «الثوريين» مثل حزب المؤتمر بزعامة المرزوقي عن أسباب «التسوماني السياسي» الذي خلط أوراق كل الأطراف.

الجامعي والإعلامي الحبيب بوعجيلة وعدد كبير من المحللين السياسيين القريبين من الرئيس المنصف المرزوقي و«الراديكالييين» داخل حركة النهضة يقدمون في مواقعهم الاجتماعية وعلى أعمدة الصحف وشاشات القنوات التونسية تحاليل تبرز «تغول» أعداء الثورة ورموز النظام السابق بسبب تنازلات زعيم حركة النهضة السيد راشد الغنوشي ومقربين منه لفائدتهم منذ لقائه في أغسطس (آب) 2013 بباريس مع زعيم جبهة الإنقاذ المعارضة آنذاك الباجي قائد السبسي ثم انخراطه في أكتوبر (تشرين الأول) 2013 في «مؤامرة» الحوار الوطني التي تزعمها قادة نقابات العمال ورجال الأعمال. وكان ذلك الحوار قد أسفر عن إقالة «ناعمة» لحكومة الـ«ترويكا» بزعامة علي العريض الأمين العام الحالي لحركة النهضة.

كتاب وسطيون عادة - مثل د.سامي إبراهيم ود.زهير بن يوسف - يفسرون «انتصار رموز النظام القديم» بالمعركة غير المتكافئة ماديا وإعلاميا وسياسيا بين «الثوريين» بزعامة قياديين في الـ«ترويكا» و«المحافظين» بزعامة قيادات من حزب «نداء تونس» والأحزاب الدستورية التي خرجت من رحم حزب التجمع الدستوري الديمقراطي الذي كان حزب الرئيس السابق زين العابدين بن علي.

في نفس الوقت برز في وسائل الإعلام والمواقع الاجتماعية مثل «فيسبوك» تيار قوي من شباب النهضة وقياديين في أحزاب «ثورية» - مثل عبد الرؤوف العيادي زعيم حركة وفاء لدماء الشهداء - وينتقد هؤلاء «التوجه المعتدل جدا لقيادة حركة النهضة بزعامة راشد الغنوشي - ويعتبر هؤلاء أن انتخابات 26 أكتوبر كان «انقلابا ناعما ضد الثورة ومبادئ الثورة».

ويتهم هؤلاء «الثوريون» زعيم حركة النهضة وحلفاءه بتقديم تنازلات بالجملة لفائدة الباجي قائد السبسي زعيم «نداء تونس» وحزبه منذ «مفاجأة» لقائهما في باريس في صائفة 2013 بعد اغتيال محمد البراهمي وحصول منعرج عسكري في مصر. بعد وساطة «قامت بها عدة شخصيات علمانية ورجال أعمال كبار من أصدقاء الباجي قائد السبسي وقيادة حركة النهضة».

زعيم حركة وفاء السياسي «المتشدد» عبد الرؤوف العيادي وأنصاره وقياديون في حزب المنصف المرزوقي يفسرون «تراجع» النهضة بتنازلاتها لفائدة «الدولة العميقة» وخصوصا لفائدة مسؤولين سابقين في النظام السابق والسماح لهم بالمشاركة في الانتخابات «قبل أن تقول العدالة الانتقالية كلمتها».

ويستدل معارضو هذه «المصالحة السابقة لأوانها مع رموز الفساد والاستبداد في العهد السابق على موقفهم بما يصفونه «الهجوم المضاد» الذي قام به رموز نظام بن علي على القائمات الانتخابية. وترشح نحو عشرة من وزراء بن علي والقياديين السابقين في مؤسسات النظام لمنصب رئيس الجمهورية.

كما يفسر زعماء في «الأحزاب الديمقراطية» النتائج بانقسامات زعاماتهم وحرص مسؤوليهم على البروز دوما في «الصفوف الأولى» وإن كان الثمن انهيار الحزب والمشروع. وقد يكون في كل هذا قدر من الوجاهة.

* دور المجتمع المدني؟

* في المقابل فإن أنصار خيار «التوافق السياسي الوطني» - وبينهم راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة - يتمسكون بصواب الخيار الذي اتبعوه عندما منعوا «سيناريوهات الدم والانقلاب العسكري» عندما قبلوا الحوار مع خصومهم برعاية المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان ونقابات العمال ورجال الأعمال.

واعتبر الغنوشي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن قوة النموذج السياسي التونسي في موافقة كبار السياسيين منذ عام على الاحتكام إلى المجتمع المدني في فض خلافاتهم مهما كانت حدتها، بينما عجزت الأطراف السياسية المصرية عن ذلك فلجأت إلى المؤسسة العسكرية «فكانت النتيجة بناء مسار تعددي انتقالي جديد في تونس ودفعت مصر نحو مسار آخر ظهرت نقائصه».

كما يعتبر أنصار «التيار المعتدل» داخل حركة النهضة - بزعامة راشد الغنوشي - أن من بين المكاسب التاريخية التي أنجزتها حركة النهضة التونسية تقديم نموذج للأحزاب العلمانية والإسلامية في كامل العالم تقديم نموذج للتوافق والتعايش بين الإسلاميين المعتدلين والعلمانيين الديمقراطيين لا سيما من خلال مشاركتهم في صياغة «دستور توافقي وتقدمي» وقانون انتخابي ديمقراطي نموذجي يرفض الإقصاء - على حد تعبير رفيق عبد السلام وزير خارجية حكومة الـ«ترويكا» في 2012.

* وزراء سقطوا

* كما - فسر الغنوشي نتائج الانتخابات التشريعية وتراجع حركته نسبيا بعوامل كثيرة بينها «تهرئة» الحكم ووسائل الإعلام لعدد من قادة حركة النهضة والـ«ترويكا» وخصوصا بعض الذين عينتهم أحزابهم على رأس قائمتها..وخصوصا من سبق أن تحملوا مسؤوليات حكومية أو على رأس مؤسسات عليا في الدولة.

وكان بعض هؤلاء مثل الوزير السابق للنقل عبد الكريم الهاروني سقطوا في الانتخابات.

في المقابل فإن مسؤولين من الحجم الكبير في النهضة مثل أمينها العام علي العريض رئيس الحكومة السابق والقيادي عبد اللطيف المكي - وزير الصحة سابقا - أو نائبة رئيس المجلس الوطني التأسيسي محرزية العبيدي فازوا لكن بعد أن تفوقت عليهم قائمات حزب «نداء تونس» بفارق.. وسقط كثير من أعضاء قائماتهم وبينهم سجناء سياسيون سابقون.

ويبدو أن الدوائر الانتخابية التي لم يرأسها وزراء سابقون - مثل دوائر 6 من محافظات الجنوب التونسي - مكنت حركة النهضة من الفوز بالمرتبة الأولى وبأغلبية مريحة ضد حزب «نداء تونس»، وهو ما اعتبره بعض المختصين في الدراسات الدولية - مثل الجامعي ونائب رئيس رابطة حقوق الإنسان د.زهير بن يوسف - مؤشرا على كون التصويت كان «انتقائيا»، أي انتخاب «الشخصيات التي لم تتحمل مسؤوليات حكومية» دون تردد مقابل التصويت الـ«عقابي» ضد بعض الأسماء وضد بعض المسؤولين السابقين في الدولة وليس ضد «المشروع السياسي للقوى المؤمنة بالثورة داخل حركة النهضة والـ(ترويكا) والقوى الديمقراطية والتقدمية».

* الخوف من الإرهاب؟

* في سياق آخر فسر حقوقيون وجامعيون بارزون - مثل رئيس منظمة «دستورنا» جوهر بن مبارك في تصريح لـ«الشرق الأوسط» - حصول «تسوماني سياسي» خلال انتخابات 26 أكتوبر بتخوفات قطاع كبير من الناخبين والناخبات من «المشروع المجتمعي» لتيار من الإسلاميين رغم مصادقة حركة النهضة على الدستور التوافقي وعلى كل فصوله «التقدمية» والتي تبنت المواثيق الأممية لحقوق الإنسان والمرجعيات الكونية للحريات وبينها «حرية الضمير» وحرية المعتقد.. إلخ إلا أن جامعيين ومحللين سياسيين آخرين مثل الخبير القانوني صالح الزكراوي ربطوا بين النتائج التي كانت لصالح حزب «نداء تونس» - والعملية الإرهابية التي أجهضت قبل ساعات من انطلاق الاقتراع العام في مدينة وادي الليل «جنوب العاصمة تونس».

ويعتبر هؤلاء أن شبح عودة الإرهاب «ورقة» أثرت على قرار قطاع كبير من الناخبات وحثهم على التصويت «المفيد» أو «التصويت العقابي» ضد مرشحي النهضة خاصة والـ«ترويكا» والأحزاب التقليدية عامة.. والتوجه للأحزاب «الجديدة» مثل «نداء تونس» و«آفاق» و«الوطني الحر» و«الجبهة الشعبية»..أي الأحزاب التي لا يعتبرها المواطن مسؤولة سياسيا عن «الثغرات الأمنية» وعن العمليات الإرهابية خلال العامين الماضيين و«غلطات» كلفت تونس غاليا بينها حادثة الهجوم على السفارة الأميركية يوم 24 سبتمبر (أيلول) 2012 لمدة 5 ساعات كاملة.

ومن بين ما يؤكد أهمية «تخوفات الناخبات والناخبين من عودة الإرهاب» أن قائمات أحزاب النهضة والمؤتمر ووفاء والتكتل وغيرها من الأحزاب «الثورية» و«التقدمية» سجلت أضعف النتائج خاصة في المحافظات الغربية للبلاد مثل الكاف وباجة وسليانة والقصرين، أي في المناطق التي ينتمي إليها غالبية المدنيين والعسكريين الذي قتلوا خلال العمليات الإرهابية. يضاف إلى ذلك أن سكان هذه المحافظات المتاخمة للحدود الجزائرية أصبحوا مستاءين جدا من كون غاباتهم وجبالهم أصبحت منذ 2011 مسرح المواجهات بين قوات الجيش والأمن من جهة والإرهابيين من جهة أخرى، بما أضر بمصالحهم وعمق مشكلاتهم لموروثة عن مرحلة ما قبل انتفاضة شباب تلك الجهات «المهمشة» وعلى رأسها النسب العالية جدا للبطالة والفقر والجريمة المنظمة والتهريب.. إلخ مقارنة بالمحافظات الساحلية والشمالية للبلاد.

* منعرج «اجتماع الملاسين»

* لكن يبدو أن «المنعرج» لصالح حزب نداء تونس حيث التعاطف الشعبي سبق يوم الاقتراع العام وبدأ يوم افتتاح الحملة الانتخابية لحزب الباجي قائد السبسي في الاجتماع الانتخابي الشعبي الكبير والناجح الذي نظم في ساحة شعبية في مدينة فقيرة في قلب «الأحياء القزديرية السابقة».

وقد نجح التجمع الشعبي في الملاسين وحضره السيد الباجي قائد السبسي رغم اعتراضات «جهات أمنية» خوفا عليه من الاغتيال ومن حصول أحداث عنف قد تندلع بسبب هجوم قد يشنه «ثوريون» ضد ما سوف يعتبرونه «استعراضا استفزازيا للقوة من قبل رموز النظام السابق بزعامة الباجي قائد السبسي». لكن الباجي قائد السبسي برهن خلال تجمع الملاسين عن رهانه على الاتصال المباشر بالأوساط الشعبية.. وعلى ورقة الأحياء الشعبية.. وإن كان قسم كبير من الحاضرين في الحدث من بين منخرطي الحزب وأنصاره القادمين من عدة ولايات في تونس الكبرى. لا شك أن أحزابا كثيرة نظمت تجمعات شعبية ضخمة - بينها حركة النهضة - لكن التوجه إلى الملاسين وتنظيم حملات اتصال مباشر مع أبناء الطبقات الشعبية في أحياء التضامن والوردية والجبل الأحمر والكرم الغربي خيار مهم راهن عليه قياديون في نداء تونس ولعب لفائدتهم.. ولفائدة «ماكينتهم «الانتخابية». بينما نظمت حركة النهضة تجمعاتها الشعبية الضخمة أساسا في الشارع الرئيسي للعاصمة تونس وفي ميادين «فخمة» في كبرى المدن التونسية.

* ضغط الانتخابات الرئاسية

* ضمن هذا المسار العام إلى أين تسير البلاد؟ وما هو المشهد السياسي المرتقب بعد الانتخابات الرئاسية المقررة ليوم 23 نوفمبر في دورتها الأولى ثم في 26 ديسمبر (كانون الأول) في دورتها الثانية؟

حسب مصادر قيادية من مختلف الأحزاب وتصريحات ثلة من أبرز الـ27 مرشحا لتلك الانتخابات يتضح أن المشهد السياسي سيتطور قبل الانتخابات وبعدها حسب القرار الذي ستتخذه قيادة حركة النهضة فيما يتعلق بمشاركتها في الحكومة القادمة واسم المرشح الذي ستدعو منخرطيها وأنصارها إلى التصويت لفائدته، باعتبارها لم ترشح شخصية من كوادرها لهذا المنصب عندما كانت تتوقع الفوز بالأغلبية في الانتخابات البرلمانية، حسب المنذر ثابت الأمين العام للحزب الاجتماعي التحرري.

ويعتبر الجامعي نوفل سعيد أن «اسم المرشح الذي ستدعمه حركة النهضة سيؤثر في تحالفات الأحزاب الكبرى قبل الانتخابات وخصوصا بعدها» بعد أن روجت أطراف كثيرة سيناريو تقاسم المناصب الكبرى بين حزبي النداء والنهضة والمستقلين والأحزاب الديمقراطية بما فيها تلك التي لم تفز بمقاعد كثيرة في البرلمان الجديد مثل أحزاب التكتل والجمهوري وآفاق والجبهة الشعبية. وحسب هذا السيناريو يمكن أن يتنازل الباجي قائد السبسي لحركة النهضة عن رئاسة البرلمان مقابل تصويتها لفائدته في الانتخابات الرئاسية بما قد يضمن فوزه منذ الدورة الأولى وموافقتها على المشاركة في حكومة «وحدة وطنية» قد ترأسها شخصية مستقلة قريبة من «نداء تونس» لأن المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والسياسية الخطيرة الموروثة عن 4 سنوات من الاضطرابات وضعف الدولة تستوجب جهدا وطنيا وتعبئة كل الطاقات لمعالجتها عوض إقحام البلاد مجددا في لعبة الاستقطاب الثنائي والصراعات الهامشية»

* هيمنة حزب واحد

* وفي صورة فوز الباجي قائد السبسي في انتخابات رئاسة الجمهورية - دون حصوله على دعم عدد من الأحزاب وبينها حركة النهضة - ويخشى كثير من المراقبين والسياسيين والنقابيين التونسيين من أن يعجز حزب نداء تونس عن تشكيل حكومة توافق وطني وعن إقناع الأحزاب الكبرى بالتعاون معه وطي صفحة الماضي لأسباب كثيرة من بينها «معارضة تغول حزب واحد يمثل النظام القديم الذي ثار عليه الشعب قبل 4 أعوام وهيمنته على البرلمان والسلطة التنفيذية بقطبيها: رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة» على حد تعبير الإعلامية والجامعية فاطمة الكراي.

ويقود المنصف المرزوقي - الرئيس المتخلي والمرشح لانتخابات 26 نوفمبر - ومجموعات من أنصاره والمتعاطفين معه داخل عدة أحزاب بينها حركات نهضة ووفاء والتيار الديمقراطي حملة للتحذير من «تغول الحزب الحاكم في عهد بن علي الذي أعاد تسويق نفسه تحت تسمية «نداء تونس» ومحاولاته الهيمنة على كل مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية بما في ذلك رئاسة المحكمة الدستورية، على حد تعيير الكلمة الافتتاحية للمرزوقي في حملته الانتخابية.

* المأزق.. والقطيعة

* لكن ماذا إذا انحاز الحزب الثاني من حيث القوة في تونس - أي حركة النهضة - إلى جبهة معارضي قائد السبسي في الانتخابات الرئاسية القادمة بزعامة المنصف المرزوقي - هل لن تكون تونس عرضة مجددا للاستقطاب الثنائي الذي قد يتسبب في مواجهات سياسية عنيفة في الشوارع وربما في أعمال عنف وأعمال إرهابية؟

وماذا سيكون موقف الدول التي تدعم منذ سنوات مسار الانتقال الديمقراطي في تونس وبعض «دول الرييع»؟ هل ستكتفي بالفرجة أم ستتدخل؟

هل سيتواصل دعمها للخيار السياسي أم تشجع بعض «الفاعلين الكبار» على وقف الفوضى عبر ترجيح سيناريو «إعادة هيبة الدولة» عبر كل الوسائل بما في ذلك عبر وقف المسار التعددي والديمقراطي وإطلاق يد المؤسستين الأمنية والعسكرية لتصبح اللاعب الرئيسي والطرف المحدد في خيارات البلاد والطبقة السياسية، بحجة «فشل المدنيين» و«السياسيين التقليديين».

تساؤلات كثيرة تفرض نفسها في بلد تتداخل فيه العوامل الظرفية بالعوامل الهيكلية وتتشابك فيه العوامل الداخلية بالعوامل الجيو استراتيجية. وفي كل السيناريوهات تبدو تونس بدأت بعد 4 أعوام من ثورتها قد نجحت في فك الاشتباك التقليدي بين الإسلام والحداثة وبين الإسلاميين والحداثيين وأصبحت المعارك أساسا سياسية وحزبية وليست عقائدية وآيديولويجية.