توقيع الاتفاق السعودي ـ الفرنسي لتزويد الجيش اللبناني بأسلحة بـ3 مليارات دولار

سيحصل على مدرعات ورادارات وطوافات وزوارق خفر بحرية

يأتي التوقيع والجيش اللبناني بأمس الحاجة للسلاح (إ ب أ)
TT

أعربت باريس عن ترحيبها بتوقيع اتفاق تزويد الجيش اللبناني بأسلحة فرنسية من الهبة السعودية البالغة 3 مليارات دولار، والتي أعلنت عنها الرياض نهاية عام 2013 بمناسبة زيارة الدولة التي قام بها الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند إلى العاصمة السعودية.

ويأتي التوقيع الرسمي للاتفاقية ليضع حدا للتساؤلات والجدل الذي احتدم في الأسابيع الأخيرة حول الأسباب التي أخرت التوقيع، بينما الجيش اللبناني في أمس الحاجة إلى الأسلحة والعتاد في مواجهته مع المجموعات الإرهابية المتنقلة من البقاع إلى الشمال.

وقال وزير الخارجية لوران فابيوس في بيان صادر أمس، إن الاتفاق «سيساهم في تقوية الجيش اللبناني، ضامن وحدة واستقرار لبنان كما سيساعده في القيام بمهمته في الدفاع عن الأراضي اللبنانية وفي حربه على الإرهاب في الوقت الذي يستهدف فيه لبنان». وانتهى البيان بالإشارة إلى أن الهبة السعودية التي توكل لفرنسا مهمة تسليح الجيش اللبناني «تعكس نوعية العلاقات الاستثنائية التي تتميز بها العلاقات الفرنسية السعودية». وقد وقع الاتفاقية في الرياض عن الجانب السعودي وزير المالية إبراهيم العساف، وعن الجانب الفرنسي الأميرال السابق أدوار غيو، رئيس ومدير شركة «أوداس» التابعة للدولة الفرنسية المكلفة العقود الدفاعية المبرمة على مستوى الدولة مع الطرف الفرنسي، بحضور السفير الفرنسي في الرياض برتراند بيزانسينو. كما حضر حفل التوقيع من الجانب اللبناني قائد الجيش العماد جان قهوجي.

الاتفاق كان يجب أن يوقع خلال الزيارة الرسمية التي قام بها ولي العهد الأمير سلمان إلى فرنسا الشهر الماضي، بيد أن مرض الوزير العساف حال دون ذلك. لكن رغم تأكيدات المصادر الفرنسية أن الاتفاق أصبح جاهزا، وأن التأخير أسبابه فنية وليست سياسية «لأنها المرة الأولى التي تواجه فيها باريس للمرة الأولى حالة مشابهة»، (أي توقيع اتفاق مالي دفاعي مع طرف أول هو السعودية) لتسليح جيش طرف آخر (لبنان). أما الأسباب الأخرى التي أخرت التوصل إلى اتفاق فمردها التفاهم على لوائح الأسلحة والمعدات التي يريدها لبنان ومدى توافرها الفوري في الترسانات الفرنسية. ولذا، فإن المصادر الفرنسية تشير إلى أن بعضها «جاهز» ويمكن تسليمه سريعا جدا، بينما البعض الآخر يحتاج للوقت اللازم من أجل تصنيعه. وحتى أمس، لم تكن المصادر الفرنسية أو اللبنانية قد كشفت تفاصيل الصفقة والشركات الدفاعية المعنية ومواعيد التسليم. وكان منتظرا أن تعمد وزارة الدفاع لإعطاء تفاصيل وافية خلال لقاء مبرمج بعض ظهر اليوم مع عدد من المستشارين والمسؤولين العسكريين. لكن صحيفة «لي زيكو» الاقتصادية أشارت في عددها ليوم أمس إلى أن الصفقة الإجمالية البالغة 3 مليارات دولار سيصرف منها 2.1 مليار دولار لشراء معدات جديدة (مدرعات حديثة تصنعها شركة «آر تي دي» ورادارات من شركة «طاليس» وزوارق خفر بحرية من شركة «سي إم إن»، إضافة إلى طوافات مستخدمة من طراز غازيل مجهزة بصواريخ هوت. أما مبلغ الـ900 مليون دولار المتبقي فسيخصص للصيانة للسنوات الخمس المقبلة. وبحسب الصحيفة نفسها، فقد تم التخلي عن طلب لبنان لمدرعات من فئة VBCI التي تصنعها شركة «نكستر»، وكذلك عن دبابات لوكلير وصواريخ كروتال باهظة التكلفة. ونقلت الصحيفة أن باريس «رفضت فقط تزويد لبنان بصواريخ أكزوسيت» التي تعتبرها «حساسة جدا في هذه المنطقة من العالم».

وفي سياق هذا الاتفاق سيلعب الأميرال غيو دورا رئيسيا بصفته رئيسا ومديرا عاما للهيئة المسماة «أوداس» التي حلت في عام 2008 محل هيئة أخرى كانت تسمى «سوفريزا». وقبل أن يتسلم رئاسة «أوداس»، كان الأميرال غيو حتى بداية العام الحالي رئيس هيئة الأركان وهو أعلى منصب عسكري في فرنسا، وقد حل في وظيفته الجديدة محل أميرال آخر هو الآن أودو دو دنفيل. و«أوداس» مكلفة باسم الدولة الفرنسية إبرام العقود الدفاعية التي تتم بين الدولة الفرنسية وأي دولة أجنبية، كما أنها تتولى الإشراف على تنفيذ العقود المبرمة بالاتصال مع وزارة الدفاع الفرنسية. وهي إلى ذلك، تستفيد من دعم وخبرات القوات المسلحة الفرنسية. وبعبارة أخرى، فإن «أوداس» تلعب، بتوكيل من الحكومة الفرنسية، دور الوسيط بين الزبون الذي هو الدولة وبين الصناعات الدفاعية الفرنسية، وهي بالتالي مسؤولة عن الأسلحة والعتاد والنوعية أمام الزبون الذي لم يعد ملزما بالتعاطي مع الكثير من الشركات، وإنما مع هيئة واحدة هي «أوداس». والمعلوم أن البلدان الخليجية تفضل المرور عبر الدولة الفرنسية أو من يمثلها في عقودها الدفاعية بدل التعاطي مباشرة مع الشركات المصنعة.

ولاقى إعلان توقيع المملكة العربية السعودية وفرنسا اتفاقية تسليح الجيش اللبناني بقيمة 3 مليارات دولار ترحيبا واسعا في لبنان، خاصة من قبل الجهات الرسمية وقوى 14 آذار، في مقابل تراجع اندفاعة «حزب الله» للضغط باتجاه قبول الهبة الإيرانية لدعم الجيش. وأكدت مصادر في قوى 8 آذار مقربة من «حزب الله»، أن الحزب لن يربط قبول الهبة السعودية بالسير بالهبة الإيرانية.. «لأن همه تسليح الجيش وليس المزايدة السياسية»، لافتة إلى أن إعلان أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصر الله أنه «لن يحرج أحدا» بموضوع الهبة، يعني أنه لن يتم الضغط للقبول بالهبة أو حتى إدراجها بندا على جدول أعمال أي جلسة مرتقبة لمجلس الوزراء. وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط»: «الهبة الإيرانية جاهزة ومحملة بصناديقها وستبقى كذلك إلى أن يصدر عن الحكومة رفض رسمي».

واعتبر وزير الإعلام رمزي جريج، أن توقيع الاتفاقية التي تمنح بموجبها المملكة مبلغ 3 مليارات دولار لتسليح الجيش.. «يضع حدا لكل التشكيك الذي حاول بعض الفرقاء إشاعته في المرحلة الماضية»، مشددا على أن «كل ما يحتاجه الجيش من سلاح سيتم تأمينه من خلال هذه الهبة».

ودعا جريج في تصريح لـ«الشرق الأوسط» لوجوب «اقتران عملية تسليح الجيش مع دعم داخلي له يتمثل بوحدة الموقف تجاهه، وهو مؤمن إلى حد بعيد حاليا والمطلوب أن يستمر». وأوضح جريج أن مجلس الوزراء لم يطلع بعد على طبيعة الهبة الإيرانية ومقدارها، متوقعا أن يتم طرح الموضوع في الجلسة الحكومية المرتقبة يوم الخميس المقبل أو في الجلسة التي تليها. وقال: «المطلوب مراجعة الهيئات الدولية المعنية للتأكد إذا ما كانت هذه الهبة مشمولة بالمحظورات المفروضة على طهران لجهة توريد السلاح، خصوصا أن التوريد يتجاوز مفهوم البيع».

وكان رئيس الجمهورية الأسبق ميشال سليمان أعلن في ديسمبر (كانون الأول) 2013 عن هبة سعودية لدعم الجيش اللبناني بـ3 مليار دولار أميركي لشراء أسلحة له من فرنسا.

وفي أغسطس (آب) الماضي أعلن رئيس الوزراء اللبناني الأسبق سعد الحريري، عن مساعدة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بقيمة مليار دولار أميركي لتمويل عمليات شراء «فورية» لمعدات وذخائر للجيش دعما لحربه على الإرهاب.

وشدد عضو كتلة «المستقبل» النائب جان أوغاسبيان على أن توقيع الاتفاق السعودي - الفرنسي بشأن الهبة السعودية للجيش اللبناني «رد على المشككين بأن كل الكلام الذي صدر هو في غير مكانه».

ولفت أوغاسبيان في حديث تلفزيوني إلى أن «هناك إرادة واضحة من قبل خادم الحرمين الشريفين والمملكة العربية السعودية بتعزيز قدرات الجيش اللبناني لحماية لبنان والكيان اللبناني»، مشيرا إلى أن «المعطيات المتوفرة تفيد بأنه خلال شهرين سنبدأ برؤية طلائع الآليات والمعدات العسكرية تصل إلى لبنان طالما أن الجيش اللبناني حدد أولوياته، وطالما أن الجانب الفرنسي وافق على هذه الأولويات، وطالما أن المملكة العربية السعودية منذ اليوم الأول أبدت استعدادها لتوفير هذه الأموال». وأكد أوغاسبيان أن هذه الهبة ستشكل «نقلة نوعية للجيش وستجعله قادرا سواء لجهة حماية الحدود ضد إسرائيل أو لجهة حماية الداخل اللبناني، أو لجهة زيادة فاعليته وقدرته على حماية الحدود البرية بين لبنان وسوريا ومنع انتقال المسلحين على أنواعهم بالاتجاهين». واعتبر النائب في تيار «المستقبل» أحمد فتفت في حديث صحافي، أن التوقيع على هبة الـ3 مليارات دولار السعودية «رد كبير على كل الافتراءات ذات الخلفية السياسية والتي تنبع من عقلية ترفض تسليح الجيش وتسعى لتسييسه»، معتبرا أن من يريد أن يسلح الجيش «يقرن الأقوال بالأفعال كما تفعل المملكة العربية السعودية، وبالنهاية القافلة تسير».

بالمقابل، أكد عضو كتلة «حزب الله» النيابية، النائب نواف الموسوي خلال كلمة له في مجلس عاشورائي حرص «حزب الله» على أن يكون «الشعب اللبناني عزيزا وحرا، وأن يكون الجيش اللبناني قوي في قيامه بمهامه من ناحية ضبط الاستقرار والسلم الأهلي ومواجهة العدوان الإسرائيلي، مع بقاء دور المقاومة لأنها أظهرت أنها الفاعلة في مواجهة الاحتلال والعدوان». وشدد الموسوي على أن «الجيش والشعب والمقاومة الركائز التي يقوم عليها الاستقرار اللبناني وعزة لبنان وقوته». وأضاف: «أنتم من سعيتم مرة إلى إلغاء المقاومة ومرات إلى إضعاف الجيش اللبناني، فلم تؤمنوا له الدعم السياسي فيما كان الدعم العسكري على شكل وعود».