السلطات المصرية تقلل من شأن مزاعم بيعة «بيت المقدس» لـ«داعش»

مسؤول رفيع لـ («الشرق الأوسط»): نقدر مشاعر أبناء سيناء في مكافحة الإرهاب.. لكن حمل السلاح «حصري» للدولة

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يراقب المناورة التعبوية للقوات الجوية والتى تم تنظيمها ضمن فعاليات المناورة الاستراتيجية للقوات المسلحة «بدر 2014» بمحافظة الشرقية أول من أمس (أ.ب)
TT

بينما ارتفعت حدة الجدل في القاهرة حول حقيقة البيان المنسوب إلى تنظيم أنصار بيت المقدس الإرهابي، الذي يزعم فيه بيعة أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم داعش، أكد مصدر مصري مسؤول لـ«الشرق الأوسط» أن «القاهرة غير مهتمة بحقيقة البيان في حد ذاته؛ لكونه لن يغير شيئا على أرض الواقع».

وقال المصدر الرفيع إن «مصر تحارب الإرهاب، أيا كانت الراية التي يرفعها أو الاسم الذي يشهره.. ورغم اعتقادنا في عدم صحة البيان، فإن ذلك لن يغير في الأمر شيئا على الأرض، لأننا من جانبنا نعمل على اجتثاث عناصر الإرهاب من على كامل التراب المصري والسلطات لن تغير من استراتيجيتها، ومن الجانب الآخر فلن يضيف ذلك شيئا للعناصر الإرهابية».

ونقلت تقارير إخبارية ليلة أول من أمس بيانا منسوبا إلى تنظيم أنصار بيت المقدس الذي ينشط في شبه جزيرة سيناء يعلن فيه مبايعة تنظيم داعش، وزعيمها أبو بكر البغدادي «خليفة للمسلمين»، داعيا «إخوانهم» في بلاد الشرق الأوسط لاتباع ذات النهج من أجل «توحيد المسلمين».

لكن حسابا على موقع «تويتر»، يعتقد على نطاق واسع أنه يمثل «أنصار بيت المقدس» رسميا، نفى صباح أمس صحة البيان، وقال إن «البيان المتداول إعلاميا المنسوب لنا بخصوص إعلان بيعة الجماعة لخليفة المسلمين لا يخصنا، وعلى الجميع تحري الدقة والنقل عن مصادرنا الرسمية». وفي غضون تلك البلبلة، نقلت حسابات أخرى منسوبة إلى أعضاء في «داعش» دعوات لمؤازرة «بيت المقدس»، بالتزامن مع الحملة الكبرى التي يشنها الجيش المصري لمكافحة الإرهاب والقضاء على بؤره في شبه جزيرة سيناء.

وأوضح المصدر المصري الرفيع أن تلك التنظيمات الإرهابية تساند بعضها البعض من حين إلى آخر حين يتعرض أحدها لانتكاسة من أجل محاولة فك الضغط عليه، وهو ما يؤكد أن حملة الجيش والأمن في سيناء نجحت إلى حد بعيد في حصار «أنصار بيت المقدس» وأعوانهم.. مؤكدا أنه «حتى إن صدق ما جاء في البيان المزعوم من مبايعة «بيت المقدس» لـ«داعش»، وهو أمر مستبعد ولا يتفق مع مجريات الأمور، فإن السلطات المصرية لن تغير من استراتيجيتها، لأنها في كل الأحوال تحارب نفس الأفراد والأفكار والتحركات، ولن يفرق الاسم في شيء».

وقال اللواء هاني عبد اللطيف المتحدث الرسمي باسم الداخلية المصرية، في تصريح لوكالة الأنباء الرسمية، إن تلك المزاعم تؤكد أن «هذه التسميات مجرد غطاء لمجموعات مرتزقة ليس لها مبدأ أو عقيدة أو دين»، مؤكدا توقعه «لجوء تلك العناصر إلى مثل تلك البيانات خلال المرحلة المقبلة، من منطلق العامل النفسي والحرب الإعلامية، خاصة عقب اتخاذ الدولة لإجراءات قوية لمكافحة الإرهاب».

وأضاف اللواء عبد اللطيف أن استجابة أهالي رفح لإخلاء الشريط الحدودي ضيقت الخناق على العناصر التكفيرية والإرهابية وأفقدتها صوابها، مما اضطرها إلى إصدار مثل تلك البيانات في محاولة يائسة للتأثير على المعنويات، مشيدا بإعلان أبناء سيناء دعمهم الكامل للقوات المسلحة والشرطة، وترحيبهم بالإجراءات التي اتخذتها الدولة لتأمين الحدود الشرقية للبلاد.

وتأتي تلك الأحداث في وقت تنفي فيه السلطات الرسمية المصرية أي وجود حقيقي لتنظيم داعش على الأراضي المصرية، وكان أحدث تلك التأكيدات من اللواء عبد الفتاح حرحور، الذي قال في تصريحات إعلامية إن «تنظيم داعش ليس له وجود في سيناء، وإن تشابهت أساليبه مع ما يحدث على أرض سيناء»، مشيرا إلى أنه يتمنى أن تكون عملية «كرم القواديس»، التي استهدف خلالها معسكر لقوات الجيش وأسفرت عن مقتل نحو 30 جنديا، هي بداية النهاية.

ويؤكد عدد من الخبراء الاستراتيجيين لـ«الشرق الأوسط» أن العلاقة بين التنظيمات الإرهابية، على غرار «داعش» و«أنصار بيت المقدس» وغيرهما، هي علاقة فكرية، وربما تتواصل إلى دعم مادي، لكنها لا تصل إلى مرحلة الالتحام الفعلي نظرا لعدة أسباب، أهمها تباين «الأهداف المحلية» بين هذه التنظيمات، وأيضا لعدم قدرة أي من هذه التنظيمات على سحب أفراده استراتيجيا من أحد المواقع لنقله إلى دولة أخرى، وهو أمر من شأنه أن يقوض جبهة التنظيم المنسحب.

وعلى صعيد ذي صلة، أثار مقطع فيديو جرى بثه أمس على مواقع إخبارية جدلا شديدا في مصر. وأظهر المقطع 9 أفراد ملثمين ومسلحين بالأسلحة الرشاشة والـ«آر بي جيه»، يزعمون أنهم من أبناء قبائل سيناء، ويعلنون استعدادهم لمحاربة المتطرفين على أراضي شبه الجزيرة، متوعدين هؤلاء بأنهم يعرفونهم جيدا وسيتعقبونهم في أي مكان يوجدون فيه، وذلك جراء استهداف هؤلاء المتطرفين لعدد من أبناء القبائل بداعي «العمالة»، سواء مع الأمن المصري أو جهات خارجية.

وبين إشادة البعض بالتحرك المنسوب إلى أبناء القبائل، ومعارضة البعض الآخر لما يعدونه بذرة لتشكيل قوات غير نظامية من شأنها أن تربك المشهد الملتهب في سيناء في حال تحولها إلى ظاهرة، قال المصدر الرفيع لـ«الشرق الأوسط» إن «القاهرة تعتز بأبناء سيناء على وجه العموم، ما عدا الضالعين في أعمال الإرهاب، وتقدر مشاعرهم تجاه قضية تهدد الأمن القومي لمصر كلها.. لكن ذلك لا يعني أبدا السماح بانفلات الأوضاع، وتحويلها إلى حرب عصابات.. القوانين المصرية واضحة، وحمل السلاح هو حق حصري للدولة وحدها، ممثلة في جهازها العسكري وهو الجيش، وجهازها المدني وهو الشرطة؛ وما عدا ذلك يعد خروجا على القانون بأي شكل كان».

في غضون ذلك، تواصلت عمليات قوات الجيش والشرطة المشتركة أمس في المربع الشرقي لمحافظة شمال سيناء، والتي أعلنت «منطقة طوارئ» منذ 10 أيام. ونقلت مصادر محلية انتشارا موسعا للحملات الأمنية المدعومة بآليات عسكرية وغطاء جوي من مروحيات «الأباتشي» الهجومية في محيط مدينتي رفح والشيخ زويد، كما ذكرت المصادر أنه جرى إلقاء القبض على عدد من المشتبهين.

وتتزامن التحركات الأمنية على أرض سيناء، مع تحركات واسعة للحكومة المصرية من أجل بحث مختلف جوانب وسبل تنمية سيناء وحل مشكلات سكانها، من أجل القضاء على الإرهاب وحرمان عناصره من أي بيئة صالحة لاحتضان التطرف.