سلطان الموسى: الفلسفة أمر صحي.. وأنا مع التجديد الفكري

الكاتب السعودي يرى أن المغالاة في تعظيم العقل تهوي بصاحبها

سلطان الموسى
TT

رحلة شائكة سلكها الشاب السعودي سلطان الموسى في كتابه الأول «أَقْوم قِيلا»، الذي حمل بين دفتيه حوارات فكرية مع نظريات مختلفة.

واللافت في تجربة الموسى أن كتابه يتصدر قائمة أكثر الكتب مبيعا في معظم المكتبات التجارية في السعودية منذ أشهر طويلة، ليصل إلى الطبعة العاشرة قبل أن يكمل عامه الأول.

في حواره التالي مع «الشرق الأوسط» يرى الموسى «أن القليل من الفلسفة فيما يخص نشأة الخلق والوجود شيء صحي أحيانا»، ويرد على تحيز كتابه بالقول: «المحايدة صعبة في هذه المواضيع التي تخص الأديان والعقائد».. هنا نص الحوار:

* كيف تصنف علاقتك بالفلسفة؟

- أطرح نفسي دائما باحثا في الأديان والحضارات، وشخصا يهوى قراءة الكتب وتقصي المعلومات، ومن ثم مشاركة الناس ما قد يفيدهم منها.. نعم أنا من هواة التجديد الفكري، ولعلي أسعى إلى ذلك.. وإن كان لا بد من تحديد الهوية، فأنا أزعم أني باحث ومفكر.

* تقدم براهين عقلية وتفسيرات فلسفية لآيات القرآن الكريم، على الرغم من العلاقة الشائكة بين الفلسفة والدين.. كيف تصف التجربة؟

- قال تعالى «ومن يؤتَ الحكمةَ فقد أوتي خيرًا كثيرًا»، وإذا عدنا للمعنى الأصلي الإغريقي لكلمة فلسفة، فسنجد معناها «حب الحكمة» كما سماها فيثاغورس. ولا شك أن الاحتكام المنضبط إلى العقل في بعض المسائل غير التعبدية مطلب رباني.. صحيح أن المغالاة والمبالغة في تعظيم العقل ستهوي بصاحبها مثل أي أمر تكون فيه مغالاة.. بيد أن القليل من الفلسفة فيما يخص نشأة الخلق والوجود شيء صحي أحيانا، ومنها يخرج الإنسان من المعلومات النقلية باستنتاجات معرفية.

* تصدّر كتابك الأول قائمة أكثر الكتب مبيعا في السعودية منذ أشهر، أمر غير سهل.. ما السر؟

- هذا صحيح.. وقد قلت في لقاءات مختلفة بأني في أكثر لحظاتي تفاؤلا لم أتصور ربع ما حصل للكتاب الذي كتبته مبسطا ليكون انتشاره على مستوى الشباب من حولي وفي بلدي، حتى أني ظننت أن السنين ستمضي قبل أن أصدر طبعته الثانية، غير أن المفاجأة بدأت من معرض الرياض الدولي للكتاب وحتى هذه اللحظة، حيث يحتل الكتاب المركز الأول في أشهر المكاتب التجارية في المملكة ودول الخليج بطبعته العاشرة. أدخلني ذلك في دهشة جعلتني أخلد مع ذاتي كثيرًا لكي أبحث عن إجابات تقنعني عن سبب ما حصل.. هل لأن الكتاب يحوي توجها جديدا لدى معظم الشباب في نقاش قضايا الوجود والإلحاد ومقارنات الأديان بأسلوب سهل ومبسط؟ أم هل لأن الكاتب شاب ولا يبدو عليه مظهر رجل الدين، وتخصصه الأكاديمي غير شرعي، وبالتالي ستكون تجربته الشخصية التي نقلته من «إسلام الميلاد» إلى «إسلام اليقين» ممتعة ومثيرة للفضول؟ أم إن الاثنين اجتمعا معا ليشكلا منظومة متكاملة كونه يحوي تساؤلات ونقاشات عقائدية بأسلوب شبابي بسيط، وأيضا يحوي تجربة شخصية قد يراها البعض مثيرة؟ الله أعلم.

* إقبال الشباب – تحديدا - على اقتناء كتابك هل يعني أنهم يحملون الأسئلة ذاتها التي طرحتها حول الدين والوجود.. أم لديك رأي آخر؟

- منذ إصدار الكتاب وحتى هذه الأيام لا تزال الأسئلة تصل إلي من فئة الشباب عبر حسابي في «تويتر» أو مدونتي وإيميلي، وكلها تساؤلات حول الدين والوجود ونحوها. أنا لا أدعي قدرتي على الإجابة عن كل شيء، ولكني حتمًا سأساعد أي متسائل في حال قد بحثت في الموضوع سابقًا أو ربما أبحث فيه من أجله.. هذا غير أنني التقيت بكثير من الشباب الذين كانوا يحملون تساؤلات كثيرة أيضا، لذا يمكن أن ألخص أن إقبال الشباب على شكلين؛ الشكل الأول من يحمل تساؤلات أو شكوكا في بعض المسائل، وللأسف فإن طبيعة المجتمع قد تفرض عليه عدم القدرة على طرحها ونقاشها حتى على بعض رجال الدين الذين ينهرون السائل أحيانا وكأن ديننا هش ولا يمكنه التصدي لهذه الشكوك! وأما الشكل الثاني، فهم عامة الشباب وبعض المبتعثين ومن يريد تقوية إيمانه أمام موجة الإلحاد والتنصير المتفشية في وسائل التواصل الاجتماعي ونحوها.. نعم صحيح أن طرحي في الكتاب كان أبجديا ومختصرا كما ذكرت أنا في المقدمة، ولكني قصدت ذلك ليكون بوابة لكل متسائل يبدأ من خلالها رحلته الخاصة في مواجهة تساؤلاته بشجاعة.. وقبولها بوصفها حقا شخصيا.

* تنصح الشباب بالقراءة في كتب الأديان، بينما تعترف في كتابك بأن والديك كانا يمنعانك من ذلك.. هل هي دعوة للتمرد؟

- لا أتذكر بأني نصحت الشباب بقراءة كتب الأديان بشكل مطلق، وإنما قصدت القراءة في كتب مقارنات الأديان المهذبة والمنقحة التي تبين الإشكالات والفروقات.. نعم كان والدي يمنعني منها حين كنت صغيرا وذلك عطفا على عمري آنذاك، ولكنه الآن من مشجعي في القراءة والتبحر، كون الوضع الآن قد اختلف عن الماضي، فالابتعاث الدولي صار الآن بمعدلات عالية، ناهيك بأن العالم أصبح قرية صغيرة، وبالتالي أصبحت الشعوب والعقائد والأديان بعضها يموج في بعض.. فقراءة الشخص عن أديان الآخرين ستخوله معرفة التعامل معهم أكثر، وكذلك معرفة مقدساتهم لاحترامها، إلى جانب حماية معتقداته الشخصية من أي شبهة قد تُثار أمامه.

* معظم الكتاب والباحثين في شؤون الأديان في أعمار متقدمة نسبيا.. كيف استطاع ابن العشرين أن يغوص في هذا العالم الشائك؟

- المتقدمون في العمر وابن العشرين كلاهما يجيد القراءة والفهم، نعم هو عالَم شائك قد لا يخوضه حتى كبار السن، ولكني ضد تقييد أي شيء بعمر معين لما في ذلك من تثبيط للدماء الشابة، فالشباب اليوم قادرون على كل شيء، إن صح التعبير، وعسى أن نراهم في الواجهة أكثر وأكثر.

* البعض يتهمك بأنك لم تكن محايدا في كتابك فيما يخص الأديان السماوية الأخرى؟

- المحايدة صعبة في هذه المواضيع التي تخص الأديان والعقائد، بل إننا نجد من يقول إن الحياد هنا «كذبة»، فحتى لو اكتفيت بقولك إن الإسلام هو الدين الحق، فسيظن أصحاب الديانات الأخرى بأنك أسأت لهم ونسفت كون أديانهم حقا أيضا، ولكن الواجب أن تعرض ما في أديان الآخرين من باب المقارنة وتوضيح الإشكاليات التي وضحها القرآن الكريم دون هجوم لاذع. أتذكر جيدا عام 2005 حين ظهرت الرسوم المسيئة للنبي عليه الصلاة والسلام، كان الموقف الدولي غريبا؛ حيث عدّوا ذلك من «حرية التعبير»! لأن الغرب يسمح ببيع كتب الإلحاد التي تسيء حتى لعقليات أتباع الديانات من باب حرية المعتقد! أما أنا فلم أستغل قناعتهم بأن الإساءة تندرج تحت حرية تعبير! فأنا بصفتي مسلما مقيد بمطلب ديني وأخلاقي يكمن في عدم السب أو الإساءة لأي دين وضرورة احترامه واحترام أتباعه امتثالا لأمر الله الذي قال: «وَلا تَسُبُّوا الذين يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّه».

* رغم تنوع كتابك وتناولك عدة شبهات تواجه الدين الإسلامي، فإنك لم تتطرق لقضية الإرهاب ومحاولات المتطرفين ربطها بالإسلام.. لماذا؟

- هناك أمور كثيرة لم أتناولها بكل تأكيد، ومنها قضية الإرهاب. أنا على قناعة بأن الإرهاب لا دين له، لأني أرى بعض المسلمين المتحمسين يذودون عن الدين الإسلامي بأن ينسبوا الإرهاب للديانة المسيحية لما تخللها من الحملات الصليبية والفتح القسطنطيني، وآخرون ينسبونه لليهودية استنادا لما يفعله الكيان الصهيوني بفلسطين ونحوه، ومنهم من ينسبه للديانة البوذية عطفا على ما يفعله أنصار بوذا في بورما.. في الحقيقة وحتى حين تجرد الإنسان من دينه كما فعل ملاحدة الشيوعية والماركسية، لم تُحقن الدماء بإلحادهم؛ بل إن أكبر المجازر الإنسانية كانت بمباركتهم، فالإرهاب سلوك إجرامي نبذته الإنسانية قبل الديانات، وقد أشرت إلى أن الإسلام دعا للحوار والتعايش السلمي، وأن آيات القتال كانت في رد العدوان والدفاع عن النفس، وهو الدين الوحيد الذي لا يوجد في كتابه المقدس كلمة «سيف» أو «رمح»، وكذلك أكثر دين دعا لحرية المعتقد، ولعلي أفصل في ذلك لاحقا.

* هناك فريقان؛ البعض يرى ضرورة التصالح مع الأديان والحضارات، والآخر يتقوقع حول ذاته ويرفض الآخر.. أين تقف؟

- الأجدر أن نقف مع قول الله «قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواءٍ بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا».. فهذه الآية الكريمة لا تحث على التقوقع، وإنما هي دعوة للتقارب والتعايش والتصالح أيضا.

* مع انتشار مؤتمرات حوار الأديان، هل تؤمن بجدواها أم تعتقد أنها جهد ضائع؟

- بالتأكيد، وأنا من أشد المؤمنين بجدوى هذه المؤتمرات لتعزيز قيم التعايش والسلام، وكنت من المؤيدين للخطوة المباركة التي قام بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، حفظه الله، بتأسيس «مركز الملك عبد الله العالمي للحوار بين أتباع الديانات والثقافات»، ومن خلال زيارتي لموقعهم الإلكتروني بين كل فترة وفترة، أرى الإنجازات الجديدة تعبر عن ثمرة هذه الخطوة.

* بما أنك من الكتاب الشباب، كيف تفسر توجه الجيل الجديد من المؤلفين السعوديين نحو كتابة الرواية؟

- شخصيا لا أفضل قراءة الروايات على كتب الفكر والثقافة والفلسفة والدين، إلا في حال كان للرواية عائد ثقافي، وهذا ما أعتقد أننا نفتقده من الكتاب الجدد في السعودية، إلا أنني إجمالا أشجعهم وأتوق لقراءة إبداعاتهم ذات المردود الأدبي المميز.

* كونك طرقت بابا جديدا في موضوعات المؤلفات السعودية الشابة، ألا تخشى أن يقلدك الآخرون؟

- في الحقيقة أنا لست أول من يكتب في هذا المجال عالميًا وعربيًا، ولكن وجدت من يقول لي بأني صاحب أول كتاب يُفسح ويُطبع من داخل المملكة في هذا المجال الفكري. إن صح هذا الحديث، فأنا لا أخشى التقليد بقدر ما سأكون سعيدا بفتح هذا الباب.