انتصار جمهوري في الكونغرس يضعف صورة اوباما على المسرح الدولي

توافق نادر بين الحزبين للضغط على البيت الأبيض حول إيران

الرئيس الأميركي باراك أوباما خلال مؤتمر صحافي في البيت الأبيض أمس (أ.ف.ب)
TT

رغم أن النظام السياسي الأميركي لا يعطي مجلسي النواب والشيوخ صلاحيات واسعة في السياسة الخارجية، فإن الواقع السياسي يعني أن نتائج الانتخابات النصفية للكونغرس الأميركي ستؤثر على قدرة الرئيس الأميركي باراك أوباما على قيادة بلاده داخليا وخارجيا. وهناك تساؤلات حول العلاقات داخل العاصمة الأميركية بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وتأثير الخلافات بين البيت الأبيض والكونغرس على العالم، خصوصا فيما يخص ملفات الشرق الأوسط. ورغم تصريحات وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، في باريس، أمس، فإن «الولايات المتحدة تبقى متحدة بصوت قوي فيما يخص سياستنا الخارجية.. أحيانا هناك وجهة نظر مختلفة حول شأن معين ولكننا نحمي بلادنا». وهناك توافق بين الحزبين على مواجهة تنظيم «داعش»، ولكن هناك اختلافات بين أعضاء من الحزبين في الكونغرس على كيفية مواجهة ذلك التهديد. وتعهد أوباما، أمس، بـ«إعلام الكونغرس كليا بإستراتيجيتنا في مكافحة (داعش)»، مضيفا أنه سيسعى إلى موافقة من الكونغرس على العمليات العسكرية الحالية ضد «داعش»، حيث عبر عن «الثقة بأننا سنحصل» على الموافقة المطلوبة، وتابع: «إنه من المبكر القول بأننا نفوز في حربنا ضد (داعش)»، مشددا على أهمية دور الجيش العراقي في مواجهة التنظيم.

وقد يظهر ضعف أوباما، وتأثير الكونغرس على السياسة الأميركية، بشكل خاص في الملف الإيراني، ويؤكد مسؤولون من البيت الأبيض أن أوباما لا ينوي مطالبة الكونغرس بالموافقة على أي اتفاق يصل إليه، ولكن من الممكن أن يقرر الكونغرس فرض المزيد من العقوبات على طهران لإحراج الإدارة الأميركية. وقال أوباما، أمس: «خلال الأسابيع الـ3 أو الـ4 المقبلة سنعرف إذا كان بإمكاننا إبرام اتفاق» مع إيران، مشددا على أن «إذا كان حقيقيا أنهم يريدون برنامجا نوويا سلميا سيكون عليهم إثبات ذلك». وهناك أصوات جمهورية وديمقراطية ترفض أن يرفع أوباما عقوبات عن إيران لإبرام اتفاق معها حول برنامجها النووي، ولوح أوباما بإمكانية رفع بعض العقوبات من دون موافقة الكونغرس. ولكنه قال أمس: «إذا حصلنا على اتفاق جيد، لن يحصل ذلك.. لا نريد أن نعلق عقوبات تعطي إيران المزيد من الشرعية من دون برهنة سلمية برنامجها».

وأوضحت مديرة «مركز سياسات الشرق الأوسط» التابع لمعهد «بروكينغز»، تمارا ويتيس: «لم تعد هناك انتخابات على أوباما أن يقلق عليها، وهذا أمر يمكن أن يحرر الرئيس بدلا من تحديد قدراته»، وأوضحت ويتيس لـ«الشرق الأوسط»: «لدى الجهاز التنفيذي الكثير من الاستقلال، وهناك تجارب تاريخية عندما يكون الرؤساء في ولايتهم الثانية أكثر تركيزا على الشؤون الخارجية، خصوصا عندما تجعل السياسات الصعبة داخليا الرئيس يبحث عن إنجازات خارجية».

ولكنها أشارت إلى أن «الملف الإيراني سيكون القضية الأساسية لدى أعضاء الكونغرس من الحزبين الذي يمثل آراء مختلفة من إدارة أوباما، ومن الممكن أن نرى تحركا من الكونغرس في هذا المجال». ومن الممكن أن يقرر أعضاء الكونغرس فرض عقوبات جديدة على إيران في حال فشلت الإدارة في التوصل إلى اتفاق مع إيران في إطار مفاوضات الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وألمانيا مع طهران بحلول الموعد النهائي لتلك المفاوضات يوم 24 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي. ولفتت ويتيس أن «الرئيس نفسه قال العام الماضي إنه في حال فشل في التوصل إلى اتفاق سيعود إلى الكونغرس لفرض المزيد من العقوبات، ولكن هذا الأمر لا يظهر خلافات بين الديمقراطيين والجمهوريين، بل كلا الحزبين أكثر تشددا من أوباما فيما يخص إيران».

ولفت مدير برنامج الشرق الأوسط لدى «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية»، جون الترمان، إلى أن «الكونغرس أظهر ترددا في التدخل في الشؤون الخارجية خلال الفترة الماضية.. ولا يوجد إجماع لدى كل حزب حول ما يمكن فعله لمعالجة مشاكل شائكة متعددة، على عكس أيام الحرب الباردة؛ حيث كانت هناك خطوط عريضة معروفة لدى كل من الحزبين»، وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «الرئيس أوباما واجه مشاكل في الحصول على دعم سياساته الخارجية منذ أول يوم له في البيت الأبيض.. الأمر الأهم من هذه النتائج أنها تبرز مشاكل عدة لأوباما، فسيكون عليه أن يظهر بأنه قادر على القيادة، كما أن جلسات الكونغرس لاستجواب مسؤولي إدارة أوباما ستصبح أصعب عليهم مع سيطرة الجمهوريين على مجلسي النواب والشيوخ». ومع سيطرة الجمهوريين على المجلسين، وبذلك قيادة لجان العلاقات الخارجية والقوات المسلحة، سيكون استجواب مسؤولي الإدارة الأميركية مثل وزير الخارجية كيري، من المصاعب التي تواجه أوباما في إقناع الشعب الأميركي بسياساته.

ومن الوجوه الجمهورية التي ستبرز على الساحة السياسية في واشنطن خلال الأشهر المقبلة السيناتور الجمهوري، جون مكين، وهو من أشد منتقدي أوباما وأعلاهم صوتا؛ إذ من المرتقب أن يترأس لجنة القوات المسلحة المهمة في مجلس الشيوخ الذي هيمن عليه الجمهوريون بعد انتخابات أول من أمس.

كما انتقد مكين الذي خسر أمام أوباما في انتخابات الرئاسة عام 2008، كل خطوات الإدارة من محاربة متشددي «داعش» إلى تسليح المعارضة السورية، كما سعى لرد أميركي أشد على موقف روسيا من الأزمة الأوكرانية، وحين يتولى رئاسة لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ يمكن أن يستدعي المسؤولين في وزارة الدفاع في جلسات عامة لشرح إستراتيجية الإدارة تجاه سوريا.

وقال السفير الأميركي المتقاعد، فريد هوف، الذي كان من أبرز العاملين على الملف السوري في ولاية أوباما الأولى: «حتى اليوم، التوجهات داخل الكونغرس تجاه سوريا وإيران لم تكن منسجمة بالتوجهات الحزبية، فهناك جمهوريون مثل السيناتور ماكين من أريزونا الذي يريد سياسات أكثر شدة تجاه البلدين، وهناك السيناتور الجمهوري راند بول من ولاية كنتاكي الذي يريد تواجدا أميركيا أقل ظهورا في الشرق الأوسط، وهناك ديمقراطيون، مثل السيناتور كارل ليفن من ولاية ميشيغان الذي يستعد للتقاعد، لديهم آراء أقرب إلى ماكين، بينما هناك ديمقراطيون مثل السناتور الديمقراطي من ولاية كونيتيكات كريس مورفي الذي يدافع عن سياسات الرئيس أوباما فيما يخص سوريا».

وأضاف هوف، وهو الآن زميل في معهد «المجلس الأطلسي» في واشنطن لـ«الشرق الأوسط»: «إذا قرر الرئيس أوباما أن تكون لديه سياسة سوريا بخطوات فعلية بنفس شدة التصريحات، سيكون عليه أن يتعرف على أعضاء في الكونغرس من الحزبين لديهم نفوذ في هذا المجال، وأن يحصل على دعمهم». وبناء الجسور مع أعضاء في الكونغرس من الحزبين؛ الجمهوري والديمقراطي، لدفع أجندته الخارجية، والداخلية، من أبرز العقبات أمام أوباما والسنتين المتبقيتين له في البيت الأبيض. وأكد زعيم الأغلبية الجمهورية في الكونغرس المقبل السيناتور ميتش ماكونيل، أمس، أن سوريا «ستكون على أجندة الأعمال خلال اجتماعه مع أوباما في البيت الأبيض مع قادة الكونغرس من الحزبين غدا».

ومن جهة أخرى، كانت انتخابات أول من أمس، الأخيرة التي تجري على المستوى الوطني في الولايات المتحدة وأوباما في البيت الأبيض.

وينعقد الكونغرس بتشكيله الجديد في يناير (كانون الثاني)؛ مما يعطي شهرين لأوباما لدفع الاتفاق النووي الإيراني والحصول على موافقة مجلس الشيوخ على مرشحيه لمناصب حساسة وعدد من السفراء. وصرح كيري، أمس، بأن أكثر من 60 مرشحا ينتظرون موافقة الكونغرس.

ومن اللافت، قبل 10 أعوام كان على وزير الخارجية الأميركي الحالي، جون كيري، المرشح الديمقراطي للرئاسة الأميركية، الاعتراف بهزيمته أمام الجمهوريين، واليوم، عليه أن يعمل على عدم السماح للجمهوريين بعرقلة خططه للعامين المتبقيين له ولرئيسه، ولكن ربما نتائج الانتخابات ستساعد وزيرة الخارجية السابقة، هيلاري كلينتون، في الفوز بالبيت الأبيض. ويشرح الترمان أن هزيمة الديمقراطيين «تجعل من الأسهل على كلينتون أن تطلق حملة انتخابية ضد سياسات أوباما، قائلة إنها تستجيب للناخبين».