مهرجان القاهرة السينمائي.. يعود أقوى مما كان

مسابقتان ونقاد في لجان تحكيمه وأفلام ذات قضايا

«عيون الحرامية»
TT

سيحفل مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، الذي سيطلق دورته الـ36 يوم غد السبت، بالتغطية الإعلامية الكبيرة وعلى مستوى مواز لما ينجزه مهرجانا دبي وأبوظبي عادة.

ذهبت الأيام التي كان فيها المهرجان المصري وحيدا في الساحة، والآن تذهب الأيام التي بات فيها المهرجان عرضة للتجاذب بين إدارات فاشلة. بتعيين الناقد سمير فريد على قمّـته، وبقيام الزميل بتوزيع أهم حقائب الإدارة على مسؤولين وإداريين ونقاد يثق بهم، يكون المهرجان أنجز، قبل أن يبدأ، تغييرا جذريا في إدارته توقف «الشو» وتبقي على «البزنس».

* هالة تقدير

* السمات الأساسية للدورة الجديدة كثيرة. لكن قبلها كان عليه أن يغيّـر السمات التي سادت في السنوات التي تبعت إدارة الراحل سعد الدين وهبة، وتبعت كذلك إدارة السينمائي حسين فهمي. تلك السنوات العصيبة التي جعلت المهرجان يتراجع قيمة ووضعا وحجم اهتمام على نحو مطرد في التسعينات والعقد الأول من القرن الحالي. وعندما انطلق مهرجانا دبي وأبوظبي ثم الدوحة (قبل توقفه) زاد الوضع سوءا من دون قصد من أي من هذه المهرجانات. فطريقة تأسيس وإدارة المهرجانات اليوم ليست هي ذاتها التقليدية. المال عصب مهم، والجوائز يجب أن تكون كبيرة، وورش العمل وطبيعة المؤتمرات والتظاهرات هي جزء رئيس من المهرجانات.

البعض سمّـى هذه المهرجانات بالاستعراضية، لكن ذلك كان إجحافا كونها أمّـنت (سواء أكانت استعراضية أم لا) ما يطلبه الجمهور الكبير من المهرجان عادة: أفضل ما يمكن الحصول عليه من الأفلام الفنية العربية والأجنبية. وكونها فتحت الباب أمام سينما عربية مقيّـدة لا سوق لها ولا قدرة لمخرجيها على الاستمرار في الكثير من الأحيان. ولا ننسى أن هذه الفترة هي تلك التي انكفأ فيها الإنتاج السينمائي المصري على مصاعب اقتصادية تلتها الثورة الأولى ثم الثانية التي أعادت الثقة إلى قدرة الوطن في الاستمرار واستعادة الدور على أكثر من صعيد في السياسة والاقتصاد كما في الثقافة من بين شؤون أخرى.

سمات هذه الدورة الأساسية، إذن، تبدأ بحقيقة أن الرئيس العامل لصيانة هذا المشروع الثقافي المستمر منذ إطلاقه في منتصف السبعينات وإلى اليوم، هو ناقد سينمائي ذي خبرة يثق به الجميع. هذا ما يجعل المسؤولية ضخمة، لكنها ليست مستحيلة الإنجاز. عبر نحو 50 سنة من العمل الدؤوب، كوّن الناقد سمير فريد هالة واسعة من التقدير داخل مصر وخارجها واستحق، بالتالي، المركز الذي أولي إياه.

السمة الثانية هي أن المسابقة الدولية ضمّـت إليها الأفلام التسجيلية وأفلام أنيميشن بعدما بقيت هذه محظورة على المشاركة. ففي المسابقة الرئيسة 3 أفلام غير روائية وفيلما أنيميشن جنبا إلى جنب 11 فيلما حيّـا وروائيا.

* نقاد هنا ونقاد هناك

* هناك لجنتا تحكيم رسميتان، واحدة تترأسها الممثلة يسرا وأخرى برئاسة ليلى علوي (وعضوية المنتج التونسي نجيب عياد وكاتب هذه السطور). وتسليم إدارة لجان تحكيم لفنانات عوض فنانين بادرة جميلة، لكن ما يجعل الدورة تتجاوز حد المبادرة حقيقة أن الدورة مهداة لروح الممثلة الراحلة مريم فخر الدين ما يجعلها دورة نسائية مميّـزة.

لكن طموح الناقد سمير فريد لا يتوقّـف عند هذا الحد. لقد جلب عددا من النقاد العرب للجان التحكيم لكي يدفع بهذا الاتجاه إلى الأعلى. لقد كان مشهودا غياب الناقد السينمائي في لجان التحكيم في أكثر (إذا لم نقل أغلب) ما تم إنجازه من دورات مهرجانات عربية (بما فيها مصرية وخليجية). الآن، يستطيع مهرجان القاهرة أن يكسر هذا التقليد المنتقص لأهداف المهرجانات أساسا بوضع ثلة من النقاد في مواضع يستطيعون فيها الإسهام في توجيه دفّـة الجوائز. فإحدى اللجنتين المذكورتين تحتوي على عضوية الزميل إبراهيم العريس. وفي حين أن هذه اللجنة سيكون عليها مشاهدة أفلام المسابقة الدولية، فإن اللجنة الثانية التي تقودها ليلى علوي ونشترك في عضويتها، سيكون عليها الحكم بين الأفلام العربية ضمن تظاهرة «آفاق السينما العربية» وعلى جوائزها أن تكون بمثابة دفع لتلك المواهب التي تسعى لأن تكون مميّـزة.

وهناك لجنة تحكيم ثالثة (غير رسمية لكن لا تقل أهمية) تنتمي إلى «الاتحاد الدولي لنقاد السينما» (فيبريسكي) سيرأسها الناقد التونسي خميّـس الخياطي بمعية الناقدة الألمانية باربرا لوري والأميركية ديبورا يونغ. وفي الأجواء ذاتها، يمنح المهرجان تكريما خاصّـا للمسؤول الإداري المغربي نور الدين الصايل، الذي كان بدأ ناقدا سينمائيا ووقف وراء الكثير من النشاطات السينمائية ثقافية وإنتاجية خلال مهنته الحافلة.

* احتلالات

* الأفلام المشتركة في المسابقة الدولية تتنوّع في المصادر كما في الأنواع. مهرجان القاهرة هو في ذلك الموقف الذي يتيح له أن يكون منفتحا على كل الثقافات. وهو فاز بعدد من الأفلام التي لا يمكن نكران جودتها وإجادتها. أحد هذه الأفلام «جزيرة جيوفاني» الذي حققه فنان التحريك الياباني ميزوهو نيشيكوبو ورسالته فيه هو السلام بين الشعوب وإن كان أطفال الفيلم هم من عليهم السعي للتواصل مع الآخر.

فيلم الأنيميشن الآخر هو «الولد والعالم» للبرازيلي ألي أبريو الذي فاز بجوائز عدّة من بينها جائزة في أم المهرجانات المتخصصة في فن سينما التحريك، وهو «أنيسي» الفرنسي. الأفلام التسجيلية والوثائقية المعروضة في هذا المهرجان هي «أحمر، أزرق، أصفر» للمخرجة الإماراتية نجوم الغانم و«نأتي كأصدقاء» للفرنسي هربرت سوبر و«من خلال العدسة ظلاما» للأميركي توماس ألن هاريس.

تلك الروائية تشمل الفيلم الفلسطيني «عيون الحرامية» لنجوى نجّـار و«باب الوداع» لكريم حنفي (مصر) و«ملبورن» لنيما جويدي (إيران) و«بلد تشارلي» لرولف دي هير (أستراليا) و«كان مساء وكان صباح» لإيموانيل كاروزو (إيطاليا).

مشاغل العالم مبثوثة عبر عدد من هذه الأعمال. فـ«عيون الحرامية» يتناول الوضع في فلسطين القابعة تحت الاحتلال، و«جئنا كأصدقاء» يبحث في الوضع السوداني، و«ملبورن» هو دراما اجتماعية (قريبة الشبه بتلك التي حققها أصغر فارهدي بعنوان «انفصال» قبل 3 أعوام) تعكس أزمة علاقات أسرية في إيران اليوم. هذا إلى جانب الرسالات المبثوثة في «الولد والعالم» و«جزيرة جيوفاني» و«باب الوداع».

بالنسبة لمسابقة «آفاق السينما العربية» فإن كل ما هو معروض (9 أفلام) له علاقة بوضع ما هنا أو هناك، اليوم (غالبا) أو الأمس، هناك الاحتلال العثماني في «ذيب» لنجاح أبو نوار (الأردن) والاحتلال الفرنسي للجزائر في «الصوت الخفي» لكمال كمال (المغرب - الإمارات) ووضع ما بعد جمهورية زين العابدين في «شلاط تونس» (تونس) والاحتلال الإسرائيلي في «فلسطين ستيريو» لرشيد مشهراوي (فلسطين).

مشاغل اليوم متوفرة في «تمبكتو» (موريتانيا) و«القط» (مصر). في حين يأخذنا الفيلم اللبناني التسجيلي «يوميات شهرزاد» إلى وضع يتخطّـى الأزمنة؛ كونه يبحث في وضع سجينات يكتشفن ذواتهن الفنية.

* افتتاح واختتام

* يفتتح المهرجان دورته بعرض الفيلم الألماني «القطع» للمخرج فاتح أكين، وهو دراما حول ذلك الشاب الأرمني الذي يبحث عن من بقي حيّـا من عائلته خلال القمع العثماني للأرمن في العقود الأولى من القرن الماضي.

فيلم الاختتام بعنوان «إنجلترا الصغيرة» وهو فيلم يوناني للمخرجة ميكرا أنغليا وهو أيضا ينزع إلى الماضي؛ إذ تقع أحداثه الدرامية في الثلاثينات والأربعينات أيضا. كلاهما خارج المسابقة.