شاشة الناقد: داوني بلا بذلة واقية

روبرت داوني جونيور وروبرت دوفال في أحد المشاهد
TT

أدوار أولى: روبرت داوني جونيور، روبرت دوفال، بيلي بوب ثورنتون، فنسنت داونفريو، فيرا فارميغا.

* تقييم الناقد: (2*)

* حالة غريبة تنتاب فيلم «القاضي»، الفيلم الذي أراد المخرج دوبكن العبور به من نطاق الأفلام الكوميدية والخفيفة إلى نطاق الدراميات الاجتماعية: كلما أراد المخرج بث شيء كشعور سام ووجداني نبيل، كسره في النهاية بحركة لا معنى لها تقلل من وقع وقيمة المشهد أساسا. هذا يحدث في مشهدين على الأقل، الأول عندما يركب بطله (روبرت داوني جونيور) الدراجة الهوائية ويفتح ذراعيه مستقبلا نسيم الطبيعة ليسقط عن الدراجة فجأة، والثاني عندما يدخل داوني على والده العجوز في الحمّـام ليساعده وقد سقط أرضا ووسّـخ بدنه على نحو استدعى من الابن غسله. هنا ينتهي هذا المشهد، الذي حاول أن يكون نوعا من التصالح بين الاثنين، بابنة داوني وهي تطرق الباب تريد الدخول فيتحوّل المشهد إلى كوميديا تطيح بما سبق.

لكن «القاضي» فيلم هش في معظمه، والمخرج دوبكين لا يستطيع العمل من دون أن يميل إلى ما يناقض أفكاره الرئيسة حول ما يريد بالفعل معالجته في فيلمه هذا. لا أتحدّث عن أن داوني يظهر في المشاهد المتناوبة لحظة بشنب ولحظة بلا شنب، ولا عن بداية عابثة له وهو يبول على مدع عام (بينما من المفترض به أن يكون أحد أفضل محامي نيويورك)، بل عن المعالجة ذاتها وسهولة تضييع الفرصة تلو الفرصة دالفا من باب معالجة دراما عائلية إلى باب دراميات المحاكم، ومنهما إلى مناطق طرية تلتقط من الكليشيهات المعتادة قدرا لا بأس به.

حكاية هانك بالمر (داوني جونيور) المحامي الذي لم يخسر قضيّـة بعد، والمتزوّج من امرأة اكتشف خيانتها، ذات يوم يتسلم رسالة هاتفية بأن أمّـه ماتت. ينطلق إلى بلدة والدته الصغيرة في ولاية إنديانا ليحضر الجنازة. والده القاضي جوزيف بالمر (روبرت دوفال) يدرأ حضوره فالرجل لم يكترث لزيارة العائلة منذ سنوات بعيدة. وهناك 3 مشاهد يتداول فيها الاثنان نقد الواحد للآخر. الأب يتهم ابنه بأنه كان نبتة غير مسؤولة منذ شبابه وأنه إذ غادر البلدة قطع علاقته بالجميع والابن يتهم أباه بأنه كان السبب في هجرته، فهو شعر دوما بقسوته عليه. على ذلك يرد الأب بأن قسوته هي ما صنعت منه الرجل الماثل الآن.

سمعنا هذا الكلام في أفلام كثيرة (كثيرة جدّا) والفيلم، في محيط حكايته (القاضي سيصبح متهما بقتل متعمّـد وابنه المحامي سيدافع عنه) لا يأتي بجديد. لكن كان بإمكان هذا «اللاجديد» أن يسفر عن فيلم أفضل، خصوصا أن المشاهد التي تقع في المحكمة مكتوبة جيّـدا ومنفّذة بدراية وحكمة.

ما ينسف الجهد ليس فقط رغبة المخرج في عدم السعي لتقديم فيلم جاد على طول الخط، ولا التغلّـب على منوال سخيف أراد له أن يسفر عن ضحكات قليلة (أوساخ الحمّـام، التبول على رجل آخر) بل عدم توظيف الممثلين في شخصيات جيّـدة التأليف. لجانب أن لا أحد من أفراد العائلة (الأب وأبنائه الـ3 وبينهم متخلّـف عقليا يفرضه الفيلم ولا يعرف كيف يوظّـفه) يشبه الآخر ولو بملمح واحد (أو بلون بشرة واحدة) يأتي تمثيل روبرت داوني جونيور نشازا منضمّـا إلى ذلك المنحى من الإقدام على الشيء ثم نقضه.

داوني يمثل للكاميرا وليس للفيلم. تتابع حركات يديه وتوتر عينيه وتدرك أنه لا يجد في الشخصية ما يثير حماسه لأن يوغل فيها على النحو الصحيح. يبقى على السطح مدّعيا أنه في العمق. في المقابل، هناك مدرسة في أداء روبرت دوفال وبيلي بوب ثورنتون (دور مدع عام آخر غير الأول الذي بوّل داوني عليه). حاول الإنتاج استثمار وجود داوني (وهذا مشروع) لكن داوني هو الذي لم يحاول استثمار فرصته في تقديم ما هو بعيد عن شخصياته الكرتونية في أفلامه المسلسلة. والمخرج أضعف من أن يفرض رأيا. لعله اعتقد أنه يستطيع أن يطفو على السطح في كل الأحوال.