المشهد: السينما ليست «موضة»

TT

* شريف عرفة مخرج ذكي ويعرف الكثير عن السينما ما يجعله قادرا على تحقيق أفلام جيّـدة. موهوب بالفطرة. عمه كان المخرج المرموق سعد عرفة، وهو بدأ حياته المهنية بأفلام جيّـدة، وما زال المرء يستطيع ملاحظة مهاراته في أفلامه الجديدة، وآخرها «الجزيرة 2» المعروض حاليا في الصالات المصرية.

* لكن ما بين البدايات والأزمنة الحاضرة مسافات طويلة. هذا المخرج كان قرر بعد فيلمه «الدرجة الثالثة» سنة 1988 أنه يريد التعامل، وقد أخفق ذلك الفيلم تجاريا، التعامل مع جمهور الدرجة الأولى، ذلك الجمهور السائد الذي يمنح الصناعة ما تحتاج إليه من دعم حتى تستمر. إذ قرر ذلك، اختلفت أفلامه اللاحقة عن أفلامه الأولى. عرض «البرنس» (1984) و«الأقزام قادمون» (1986) و«الدرجة الثالثة» (1988) أقبل على «سمع هس» (1991) و«يا مهلبية يا» (1991) و«فول الصين العظيم» (2004) وصولا إلى «الجزيرة 2».

* أومن بحرية المخرج تحقيق ما يريد ولمن يريد، وإذا ما كان المثقفون وهواة الفن السينمائي في آخر اعتباراته، فهذا من حقّـه تماما كحق داود عبد السيد وأحمد عبد الله ومحمد خان وإبراهيم البطوط، تحقيق أفلام عن رؤاهم وذواتهم تجعل الإقبال على «معظم» أفلامهم محدودا.

* لكن هذا الحق لا يعني أن الفيلم لا يمكن طرحه نقديا، وحينما نفعل ذلك لا يمكن إلا أن نحيله إلى تلك الموجة التي ليس من بينها ما هو متميّـز بشخص المخرج ولا بفن السينما. أعمال هذا المخرج الذكي والملم تماما الأخيرة هي محاكاة للأكشن الأميركي كتابة وتنفيذا. تصويرا وتوليفا (مونتاجيا). فكرا ومفهوما. ككتابة شخصيات وكتمثيل.

* السينما ليست موضة. لا نستطيع أن نوافق على أن الجمهور يطلب الأكشن والطريقة السريعة للمونتاج ومنح الممثلين ربع فرصهم لإبداء شخصياتهم فنقوم بنسخ أفلام هوليوودية جديدة (السينما الهندية تفعل ذلك أيضا) وتقليدها. هذا بات أمرا متكاثرا في السينما المصرية. مصريّـتها يجب أن تعني أكثر من مجرد هوية التمويل والصنعة. عليها أن تعني ثقافة الفرد والمجتمع.

* إذا كانت السينما حسب الموضة فإن علينا أن نوافق على أن فيلم لوك بيسون الأخير «لوسي» هو فيلم فرنسي. في الحقيقة هو واقع بين فرنسة الإنتاج وأميركية الهوية الثقافية. التمويل فرنسي. المقصد أميركي، وهو حقق مقصده أميركيا وعالميا. الواقع أن بيسون رجل طموح ودائما ما رغب في إنجاز أفلامه على النسق الأميركي وغالبا ما فعل. الواقع أيضا هو أنه لن يسجل في هذا المنهج سوى النجاح التجاري. ولاحقا حين النظر إلى قوائم المبدعين في السينما فإنه لن يكون في أي منها.

* مرّة ثانية، هذا شأنه. لكن هذا الشأن معرّض للنقد أيضا، وعلى جانبيه: الإيجابي من باب الإعجاب، والسلبي من باب الانتقاد. لكن في حين أن نقد الأفلام في الغرب ما زال يمر من دون تلاحم بين النقاد والمخرجين، إلا أنه في العالم العربي غالبا ما ينتهي برفض المخرج لكلام الناقد واعتباره معاداة شخصية. وهذا يعود إلى أن معظم الأفلام المنتقدة تعرض في المهرجانات التي يؤمها الاثنان (المخرج والناقد) ما يجعل الاحتكاك واردا.

* بالعودة إلى السينما و«الموضة»، يجب أن يكون هناك تفريق ما بين الرغبة في الوصول إلى الجمهور الكبير (وبالتالي النجاح المادي الذي هو طموح مشروع) وبين منح الفيلم حقنة في العضل تجعله أسلوبيا وبصريا ينتمي إلى شخص المخرج وذاته. في اعتقادي المتواضع أن على المخرج (وكما فعل إبراهيم البطوط في فيلم «أكشن» جديد هو «القط») جَعْل شخصيّـته، بوصفه مخرجا، جزءا أساسيا من العمل الذي يقوم به عوض أن يكون مرتبطا فقط في النواحي التنفيذية المباشرة وحسب.